“حبارات” يكتب مقالاً بعنوان “أسباب تأخر المرتبات رغم اعتماد الترتيبات المالية”

341

كتب: الخبير والمهتم بالشأن الاقتصادي “نور الدين حبارات”

تم في الثالث من مارس الجاري الاتفاق على اعتماد ترتيبات مالية بمبلغ 38.5 مليار دينار دون بيان تفاصيل بنوده وأوجه إنفاقه ولا مصادر تمويله في مخالفة صريحة لمبادئ وقواعد الإفصاح والشفافية وذلك بعد مخاض سريع وشد وجذب بين الحكومة والمركزي أدت حينها إلى تأخر مرتبات العاملين لشهرين.

وبغض النظر عن المشهد أو الكيفية التي تم بها الاتفاق فإن هذا الإتفاق لاقى ترحيب و ارتياح من المواطنين باعتباره يضع حدًا ونهاية لأزمة المرتبات و كانوا يتوقعوا أن المركزي سيقوم بتنفيذ أذونات صرف المرتبات المحالة إليه فور إصدار الرئاسي قرار باعتماد الترتيبات المتفق عليها ، و لكن و على الرغم من مرور قرابة أسبوعين فإن الرئاسي لم يقم بإصدار قراره بعد لتدخل اليوم الأزمة شهرها الثالت على التوالي و لتتفاقم على إثر ذلك أزمة المواطنين الذين يعانون اليوم الأمرين خاصة و إن شهر رمضان على الأبواب.

و الحقيقة إن البحث في أسباب و مبرارات تأخر تنفيذ الترتيبات ليس بالأمر الصعب رغم الغموض و الضبابية التي سادت الموقف خاصة بعد الإتفاق فلم يخرج علينا الرئاسي الذي في ملعبه الكرة بأي تصريح أو بيان يوضح فيه الأسباب الحقيقية وراء هذا التأخير و لم نعد أيضا نسمع بالإتهامات التي اعتادت الحكومة توجيهها إلى المركزي قبل الإتفاق.

و عليه فإن الخوض في تلك الأسباب و المبرارات سيكون من واقع تقارير المركزي و وزارة المالية الأخيرة إلى جانب التصريحات الإعلامية للإطراف ذات العلاقة أخد في الإعتبار تداعيات توقف تصدير النفط و المستجدات التي طرأت مؤخرا على أسعاره و الذي فقد على أثرها قرابة 0/030 من قيمتها بسبب تفشي وباء كورونا في الصين أحد أكبر مستورديه رغم إن ثأتير هذه المستجدات شبه معدوم في طل توقف النفط.

فالإنفاق العام بلغ في العام 2019 م 46،800 مليار دينار مول تقريبا 0/070 منه من خلال الإيرادات النفطية التي بلغت 31،385 مليار دينار و ساهمت إيرادات ضريبة النقد الأجنبي المرتبطة مباشرة بالنفط بما نسبته 0/024 في حين لم تتجاوز مساهمة الإيرادات السيادية من ضرائب و رسوم و فوائض شركات و التي تعتبر مقياس لكفاءة و اداء الحكومات ما نسبته 0/07 فقط.

وفي المقابل فإن ميزان المدفوعات سجل عجز قدره 1،170 مليار دولار ما يعني إستخدام جزء من الاحتياطي الأجنبي في تغطية هذا العجز ، حيث بلغت إيرادات النقد الأجنبي ( الإيرادات النفطية) ماقيمتها24.429 مليار دولار حيث بلغت المدفوعات الدولارية 24،603 مليار دولار.

و بناء على ذلك يتضح لنا إن الإيرادات النفطية هي الممول الرئيس و الوحيد تقريبا للميزانية العامة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة و مصدر البلاد الوحيد من العملات الأجنبية و في توفير كافة إحتياجاتها عبر الخارج و هذا ما يعزز النهج الذي دأبت عليه الحكومة و هو إعتمادها الكلي على النفط كمصدر وحيد لدخل البلاد دون التفكير إطلاقا في تنويعه و الإحتياط لما هو قادم و أسواء ، و حقيقة هذه الفرضية تجلت بوضوح من خلال بياني المركزي و المالية عن شهري يناير و فبراير الماضيين و على الرغم من الاختلاف الطفيف و الشكلي في ما بينهما إلا إنهما يؤكدان على حقيقة الأوضاع المالية السيئة التي تعيشها الحكومة اليوم ، فالإيرادات العامة حلال هذه الفثرة بلغت 9،893مليار دينار فقط منها 6 مليار دينار إيرادات ضريبة النقد الأجنبي في شكل إعتمادات مستندية و حولات شخصية و مبلغ 2،871مليار دينارمبيعات نفطية عن شهر ديسمبر 2019 م أي قبل توقف النفط كما أكدت وزارة المالية في بيانها إن الإنتاج النفطي هوى إلى أدنى مستوياته عند 155 ألف برميل يومي فقط في حين أكد المركزي إن الخسائر بلغت 2،300مليار دولار.

و بقراءتنا لتلك الأرقام و في ظل إستمرار الأزمة النفطية و التي لا يبدو هناك بوادر إنفراج بشأنها فأنه يمكن الجزم بإن الحكومة في مأزق حقيقي و تعيش أزمة مالية غير مسبوقة و غير قادرة أصلا على تمويل الترتيبات المالية المتفق عليها و البالغة 38،5 مليار دينار و هذا ما تبين من خلال تقرير وزارة الماليةالتي تطمح إلى إستخدام الإحتياطي الأجنبي لتمويل الترتيبات ، فالحكومة و كما هو معروف إستنفذت الاحتياطيات أو الأموال المجنبة و راكمت الديون على مدار السنوات الماضية و لم تستفيد من عوائد ضريبة النقد الأجنبي في إطفاء الدين العام بعد أن اعتادت على إستخدام جزء كبير منها في تمويل العجز نتيجة لتوسعها في الإنفاق غير المبرر ، كما إن التعويل على هذه الضريبة اليوم كمصدر لتمويل الميزانية لم يعد مجدي نتيجة للهبوط الحاد في واردات البلاد من النقد الأجنبي بسبب توقف النفط ما اضطر معه المركزي إلى إيقاف منظومة العشر الآف و إقتراح رفع سعرها بهدف تقليل الطلب على الدولار و الحد من نزيف الاحتياطي الأجنبي.

ومن جانب أخر و بموازاة ذلك لم تخفي تصريحات بعض المسؤولين بالحكومة و المركزي حقيقة تلك الأوضاع ففي الخامس من ادار مارس الجاري أعترف السيد وزير المالية صراحة إن الوضع الإقتصادي للبلاد كارثي و إن الدين العام العام بلغ 100 مليار دينار دون احتساب ديون القطاعات كما أكد إن إقفال النفط عطل الإصلاحات الإقتصادية و لا يمكن لنا تجميل الصورة ، كما إن السيد وزير الإقتصاد أكد بدوره إن الحكومة تعرضت لصدمتين مزدوجتين الأولى بسبب توقف النفط و التانية بسبب وباء كورونا الذي أدى تفشيه إلى انخفاض الطلب على النفط و تراجع أسعاره و إن أولويات الحكومة اليوم في إيجاد مصادر تمويل عبر طرح سندات ليبية إسلامية لتمويل الميزانية ، في حين أكد السيد مدير مكتب المحافظ بإن العجز في قيمة الترتيبات سيكون 22 مليار دينار بعد التخفيض الأخير و ذلك في حال وافق المركزي على إستخدام إيرادات الرسوم من النقد الأجنبي في تمويل العجز مؤكدا إن الحكومة و بعد توقف النفط تنفق بشكل أساسي من إحتياطي المركزي و من تمة فإن كل تلك التصريحات تشير و بوضوح إلى الوضع المالي المتدهور للحكومة و هذا هو السبب الرئيس في عدم إصدار الرئاسي قراره بإعتماد الترتيبات المالية بالقيمة المتفق عليها إلى يومنا هذا.


وفي خضم الأزمة و جه الرئاسي اليوم كتابين للمركزي الأول يطالبه فيه بصرف مرتبات يناير و فبراير على أن يتم موافاته لاحقا بقرار إعتماد الترتيبات المالية و هذا بالطبع غير مقبول لأن دراسة الترتيبات المالية أخدت وقت كافي جداً مما يفهم من خلاله مدى حالة التخبط التي تعيشها الحكومة و عدم قدرتها على تدبير مصادر التمويل لتلك الترتيبات بعد أن كانت في يوما ما تطالب بترتيبات بقيمة 55 مليار دينار ، أما الكتاب التاني فهو جاء ردا على إقتراح المركزي بشأن رفع سعر ضريبة النقد الأجنبي حيث رأى الرئاسي الاستمرار على السعر الحالي و هو 3.63 دينار للدولار و عزى ذلك إلى ما يعانيه السوق المحلي من نقص شديد في السلع و إرتفاع في أسعار العملات الأجنبيةً و رأى إن زيادة سعر الضريبة سيؤدي إلى إرتفاع معدلات التضخم في حين يرى المركزي إن الاستمرار بالسعر الحالي سيؤدي إلى إستنزاف الاحتياطي الأجنبي في ظل توقف النفط مصدر تمويله الوحيد.

وما بجب الإعتراف به اليوم هو إن الحكومة تعاني أزمة مالية حادة من شقين الأول يثمتل في كيفية تدبيرها للأموال من العملة المحلية و ذلك في حال عدم موافقة المركزي على إستخدام بواقي عوائد الضريبة البالغة قرابة 21 مليار دينار تقريبا و التي يطالب بإستخدامها في إطفاء الدين العام المتنامي و فقا لقرار 1300 لسنة 2018 م و هذا الشق من الأزمة يمكن معالجته من خلال تقليص الدين العام بالمبلغ المذكور و إجراء تسوية بالخصوص على أن يقوم المركزي بإعادة تمويل الترتيبات المالية وبما يضمن الاستدامة ، لكن المشكل الأكبر ثتمتل في كيفية تدبير الأموال من النقد الأجنبي و دلك بعد أن أستنفذت الحكومة قرابة 30 مليار دولار من النقد الأجنبي خلال عام و أربعة و أشهر و ذلك بعد أن شرعنت تصديره في إطار ما بات يعرف بالإصلاح الاقتصادي بدلا من أن تعمل على إستقطاب المزيد منها و لم تضع أبداً في حسبانها إنهيار إيرادات النفط ليس بسبب توقف إنتاجه فحسب بل بسبب انخفاض الطلب و زيادة المعروض و دخول الإقتصاد العالمي مرحلة الركود.


عليه و بناء على ما تقدم فإننا لا نرى إطلاقا أي مبرر لتأخر المرتبات إلى هذا اليوم و لا يمكن أن يكون المواطنين ضحية لفشل الحكومة التي أهدرت الفرصة ثلو الأخرى لإصلاح الاقتصاد المنهار ، كما أن المركزي بإمكانه صرف المرتبات طالما إن الترتيبات المالية قد أعتمدت و على الرئاسي إصدار قراره بإعتمادها الذي أعتاد على إصداره على مدار السنوات الثلات الماضية و الإلتزام بما جاء في كتابه الصادر اليوم و في هذا الصدد يجب التأكيد على الأتي :

  • على الحكومة أن تتحمل كامل مسؤولياتها ازاء هذه الأزمة و أن تدرك إن المواطنين دفعوا ما عليهم بعد أن دفعوا إلى حد اليوم و بشكل غير مباشر قرابة 42 مليار دينار في شكل ضريبة على النقد الاجنبي .
  • إن الاحتياطي الأجنبي خط أحمر و خط الدفاع الأخير و لا يمكن للمركزي أن يجازف به بأي شكل من الأشكال و تحث أي ظرف كان و على الحكومة البحت عن مصادر بديلة له.
  • إن هناك فرق كبير بين مرحلة إصلاح الإقتصاد و مرحلة إنقاد الاقتصاد من الإنهيار .
  • إنه لا يمكن إجراء إصلاح إقتصادي في بلد متخلف و يقوم هذا الاصلاح أساسا على تصدير النقد الأجنبي فجميع الأزمات التي تعانيها اليوم مصر و تونس و السودان و لبنان و إيران و غيرها نتيجة انخفاض عملتها المحليةكانت بسبب النقص في النقد الاجنبي .
  • يجب أن تدرك الحكومة إن برامج الاصلاح الإقتصادي تضحية مشتركة من قبل الشعوب و الحكومات و ليس من الشعوب فقط و إن حكومات العالم تحترق و تشتغل و يصل بها المطاف احيانا إلى السقوط أو الاستقالة في سبيل ةدلك .
  • و اخيرا يجب على الحكومة أن تستوعب جيدا الكلمات الشهيرة للرئيس الأمريكي الراحل الداهيةً ريتشارد نيكسون عدما قال (من لا يغامربالفشل لا يحقق النجاح).