كتب: نورالدين رمضان حبارات – متابع ومهتم بالشأن الاقتصادي والسياسي
مفهوم ضمان استدامة التمويل أو ما يعرف ب ” insuring sustainably of financing” هو آلية وتفاهمات تمت بين الرئاسي والمركزي في مارس الماضي بموجب الترتيبات المالية المعتمدة للعام الحالي 2020، وذلك بهدف تعزيز استدامة قدرة المركزي في تمويل الميزانية في ظل التوقف التام لإنتاج وتصدير النفط الممول الرئيس والوحيد لها.
حيث بموجب هذه التفاهمات يتكفل المركزي بتمويل قيمة العجز الإجمالي بالترتيبات المالية 2020، والمقدر ب26.706.400 مليار دينار وذلك في شكل قرض حسن والذي يمثل ما نسبته 0/070 من قيمة الترتيبات المقدرة ب38.500 مليار دينار (مرفق صورة)، على أن يُسيّل المركزي هذا المبلغ في شكل أقساط كل ربع سنوي أو بما قيمته 2.225 مليار دينار شهرياً.
وفي المقابل تؤول أو بالأحرى تلتزم وزارة المالية بتخصيص كل عوائد الرسم أو الضريبة على مبيعات النقد المتوقع تحصيلها خلال العام الحالي 2020، في إطفاء الدين العام المصرفي المتراكم والذي يقدر إجماليه بأكثر من 140 مليار دينار لدى مصرف ليبيا المركزي إلى جانب تمويل مخصصات البرامج التنموية المقدرة ب2.100 مليار دينار .
وبالعودة إلى بيان مصرف ليبيا الأخير (مرفق صورة) الذي يوضح الموقف التنفيذي للميزانية حتى نهاية أكتوبر الماضي نلاحظ ما يلي:
1- بلغت الإيرادات النفطية ما قيمته 2.400 مليار دينار.
2- بلغت الإيرادات السيادية ما قيمته 1.628 مليار دينار.
3- بلغت قيمة عوائد الرسم أو الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي المخصصة للبرامج التنموية ما قيمته 1.575 مليار دينار. إذن قيمة إجمالي الإيرادات 5.603 مليار دينار فقط.
4 – بلغت قيمة عوائد الرسم على مبيعات النقد الأجنبي المحصلة عن الفترة 15.117 مليار دينار خصص منها مبلغ 13.542 مليار دينار لإطفاء الدين العام وخصص باقي المبلغ وهو 1.575 مليار دينار لتمويل البرامج التنموية.
5 – بلغت قيمة أقساط القرض المسيلة من قبل المركزي لتغطية 22.255 مليار دينار وفي المقابل بلغ إجمالي الإنفاق العام ما قيمته 26.788 مليار (مع ملاحظة لا يتضمن هذا المبلغ قيمة مرتبات أكتوبر المنصرم).
عليه فإن قيمة العجز حتى نهاية الفترة يقدر ب21.185 مليار دينار دون احتساب مرتبات أكتوبر حيث مول هذا العجز من خلال القرض، مع ملاحظة بأنه متبقي لدى الحكومة قيمة الإيرادات النفطية عن شهر ديسمبر 2019، والبالغة 2.871 مليار دينار.
السؤال هنا.. هل بإمكان المركزي تمويل هذا العجز في ظل رفض وزارة المالية إطفاء الدين العام من خلال عوائد الرسم؟ بالتأكيد الإجابة ستكون لا؛ وذلك لعدة أسباب أبرزها:
1 – احتياطيات المركزي محدودة فهي اليوم ليست كما كانت في نهاية 2011، بعد أن خسرت قرابة أكثر من 0/060 من قيمتها وبالتالي لن يستطيع المركزي الصمود إلى ما لا نهاية، فعدم إطفاء الدين يعني لنا أن الدين المصرفي المقدر ب140 مليار دينار سيتزايد بقيمة القرض الحسن إلى ما يقارب من 163 مليار دينار، وهذا مؤشر خطير له تداعيات سيئة على الاقتصاد خاصةً في ظل حالة عدم اليقين التي تغيم على المشهد السياسي منذ قرابة سبع سنوات والتي لا يستطيع أحد التنبؤ بنهايتها رغم الجهود المبذولة من قبل الأمم المتحدة لإنهاء الصراع، أما في حالة تخصيص عوائد الرسم لإطفاء الدين العام فهذا يعني أن قيمة الدين ستنخفض بمقدار 13.542 مليار دينار وهي قيمة العوائد أي إلى ما يقارب من 150 مليار دينار وهذا أيضاً مؤشر خطير وإن كان أقل حدة.
2 – إننا على أعتاب نهاية العام ما يعني ضرورة تدبير الحكومة لميزانية للعام 2021 ، والتي لا تقل عن 50 مليار دينار في حال توحيدها وإلا ستعجز عن دفع مرتبات العاملين.
والسؤال كيف ومن أين يمكن لها تدبير ذلك؟ كما أن إيرادات النفط للعام 2021، حتى في ظروفها الطبيعية قد لا تتجاوز 16 مليار دولار وذلك نتيجة تراجع الطلب العالمي بسبب كورونا وهذه قيمة ضئيلة قياساً بحجم الإنفاق العام.
عليه وبناءاً على ما تقدم وللخروج من هذا المأزق فإن الأمر يتطلب ضرورة إلتزام الحكومة بإطفاء أو إحتواء الدين العام من خلال عوائد الرسم أو الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي وبالتوازي ضرورة توصل أطراف الصراع أو المتحاورين وعلى وجه السرعة لإنفاق سياسي شامل ودائم لإنهاء الصراع عبر إنتاج سلطة تنفيذية توحد مؤسسات الدولة وبما يمهد لتسييل وتدفق إيرادات النفط والشروع فوراً في إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية تعالج أو تحد من الإختلالات والتشوهات الاقتصادية وتخفف من معاناة المواطنين.