من عام 1968 عملت الدولة الليبية على انشاء خمس مصافئ في أماكن متباعدة حتى تمكنت خلال عام 1986 من اتمام عملية الانشاء لتبلغ بفضلهم الطاقة التكريرية 380 الف برميل يوميا، وحاولت ليبيا خلال تلك الفترة أن تواكب الاستهلاك المحلي وحاجة الدولة الى التصدير حيث وصلت نسبة المصدر من المنتجات النهائية الى الخارج 40%.
جودة النفط في ليبيا جعلت المكرر منه يتوافق مع المواصفات التسويقية بالرغم من قلة امكانية المصافي، ولكن وللاسف دخلت المصافي في اطار الوضع الحالي للدولة الليبية، بمشاكلها وأزماتها ، على مدار سبع سنوات متواصلة..
مصفاة السرير في أوج قوتها :
في عام 1988 دخلت مصفاة السرير طور التشغيل وصدر قرار انشائها في عام 1982 وذلك لغرض انتاج غاز النفط المسال والبنزين والكيروسين ووقود الطائرات والديزل، ليصل مجموع ما تنتجه الى 440550.
وفي عام 1991 صدر قرار بضم المصفاة الى شركة الخليج العربي للنفط، وذلك من قبل المؤسسة الوطنية للنفط، لضمان سير عملها وتطويرها بالشكل الملائم والمناسب للاستخدام، حيث صممت المصفاة لتكرير 10 الاف برميل يوميا، واستمرت في التطور والنمو، و عملت الشركة على تركيب منظومات متطورة لها لازالة ترسبات الفحم ونافخاتللفرن، وأنابيب طويلة للنقل.
استمرت عجلة التطور في السير قدما حتى عام 2011 والاحداث التي صاحبتها تزعزع وعدم استقرار لجميع الاعمال في البلاد وخاصة المتعلقة بمجال النفط وبعد عام 2011 بدأت قصة الاستغلال …
السرير في الاتجاه المعاكس :
بعد أن وصلت مصفاة السرير الى اوج قوتها، وبعد أن غزى الانقسام السياسي والضعف الأمني جميع مظاهر الحياة العامة في ليبيا، وصل اليها وتفشى فيها، باعتبارها تمثل ثروة ضخمة لم تعد الدولة تقدر قيمتها، ولا تستغلها بالشكل الصحيح والمناسب.
فتصاعدت خلال المدة الماضية وتيرة الأحداث والقصص التي يسردها المواطنون والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حول الاستخدامات السوداوية لهذه المصفاة في ظل الفراغ الأمني الذي تعاني منه البلاد.
حيث تتصاعد الاصوات التي تتهم الدولة الليبية برفع يدها والغاء سيطرتها على المصفاة وعلى المنطقة بأكملها ، الأمر الذي جعلها أداة مهمة للتهريب الى الحدود الجنوبية، وبالتالي تكون الاموال مصدر دخل لقوات عسكرية ستمثل خطرا كبيرا على أمن الدولة وسير عملها.
وحاولت صدى ان تتحقق من تلك الاحاديث مستعينة بأراء وصور التقطت من عين المكان.
حرب تازربو وكشف المستور :
تعرضت منطقة تازربو خلال الايام الماضية الى هجوم وصف بالهجوم الارهابي قاده عناصر من قوات داعش ضد مدراء امن وضباط المنطقة وقد أسفر هذا الهجوم على مقتل ضابط ورفاقه و2 من الموقوفين.
ليس هذا هو محور حديثنا ولكن ما هو غير متوقع أن هذا الهجوم كشف عن طرق يستخدمها المهربون لتهريب البشر والوقود من حقل السرير الى تشاد، وهذه الخطوط هي خطوط صحراوية مباشرة وجدت فيها العديد من الشاحنات المعدة والجاهزة للتهريب عبر الحدود.
كما اتهم العديد من الناشطين المجموعة المسلحة التي تعمل على حماية حقل السرير بالتعاون مع عناصر ارهابية في التهريب وقطع الطرق، والغريب أن هذه المجموعة اعترضت طريق المتحدث باسم الجيش الليبي ولم تسمح له بالعبور، وكانت تعرف بتبعيتها له، ومن هذه الحادثة لم يعد أحد على معرفة ودراية بهوية المجموعة المتمركزة في الحقل او في المنطقة بشكل أعم، وأثبتت صحة الاحاديث عن التهريب والتعاون مع قوات داعش .
تحذيرات وانتقادات :
حذر العديد من النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي من الاستيلاء على منطقة الشعلة وتحديدا حقل السرير لما فيها من ثروات ولقدرتها الضخمة على تمويل جيش بأكمله من الثروات الموجودة بداخلها.
حيث كتب الناشط محمود الحبيشي على صفحته محذرا :
“يا دولة يا ناس.. يا اعلام
منطقة الشعلة (السرير) منطقة مهمة جدا لأمن الدولة الليبية مش بس لوجود عشرات الحقول النفطية بها لكن لوجود مصفاة السرير بالذات واللي تنتج أكثر من 150 الف لتر بنزين و 500 الف لتر من وقود الديزل يوميا.
السيطرة عليها تعني القدرة على تمويل جيش بحاله من مداخيل التهريب مادام الوقود مازال مدعوم.لن يرتاح الجنوب والمصفاة تضخ في أطنان البنزين المدعوم يوميا لمليشيات الحرب وقطاع الطرق.
ألا هل بلغت..؟”
اما عن عبد الله سليمان حامد ناشط في المجتمع المدني في مدينة الكفرة كتب هو الاخر منشورا عن الجماعات المسلحة المتواجدة في هذه المنطقة وما تفعله من انتهاكات خارج اطار القانون فقال..
” القصة بإختصار :
الهجوم الإرهابي على تازربو كشف كل الاوراق ولم يعد هناك شيئا خافيا ..
وسط ليبيا من الهروج حتى واو الناموس الى اودية بني وليد والفقهاء هو وكر لشذاذ الافاق من مهربي الهجرة ومهربي الحشيش وتنظيم داعش وعناصر المعارضة التشادية والسودانية وكلها تقتات من هذه الافعال .
نعم هم اعتدوا على أهلنا في تازربو وقد لاحقهم ابناؤنا وقتلوا منهم وأحرقوا بعض عرباتهم وقبضوا على سيارات صهاريج وقود ..
هذا وقودكم ايها الليبيون يخرج من السرير الى تشاد .
وهؤلاء في الصور هم ابناؤنا دخلوا هذه المجاهل الموحشة واخذوا بثأر الشهداء ، لكننا لسنا مسؤولين عن منع تهريب خيراتكم ومقدراتكم .
ولسنا مطالبين بفك اسر مختطفيكم .
نحنا وجدنا انفسنا هنا حيثما وصلت سنابك خيل وإبل الاجداد ونحن قادرين على معاقبة كل يد تمس أمن تازربو والكفرة .
لا ندري ان كنتم تستمتعون بمشاهدة بطولات شبابنا ام لازلتم ترونها حربا قبلية .. أم أنكم تتجاهلونها؟
فيا أيها الشعب الشقيق أنت تسير الى الهاوية وأرضك مستباحة وسيادتك مفقودة .
فكل (خشاش ) الأرض اجتمعوا هنا ينهبون ويقتلون ويخطفون ويسرقون ويهربون .
# نحن سنتدبر أمرنا ورضينا بما كتبه لنا القدر والأرحام لم تعقم وتاريخ الأجداد لن نبيعه .
سندافع عن انفسنا بما أوتينا من قوة .
فاذا أردتم بلادكم فانظروا الى منطقة السرير حيث الماء والنفط وانظروا الى الهروج وواو الناموس واودية بني وليد وطهروها من هذه المخلوقات الدخيلة لتعود لكم بلادكم وهيبتها التي فقدتموها . “
كما تحدث رجل الأعمال حسني بي على هذه القضية أيضا على خلفية منشورات النشطاء وذكر..
“الى معارضي استبدال الدعم……..
هذه المصفاة مصدر تمويل للإرهاب و للميليشيات و للحروب بين الاخوة…..شكرا للدعم السرقة و التهريب .
التسويات المالية سمن على عسل”
وهناك العديد من المنشورات لمجموعة من النشطاء الذين نددوا بما يحدث في تلك المنطقة الخارجة عن أي سلطان او قوة وسلطة والتي ستكون مستقبلا خطرا جسيما يهدد أمن وسيادة الدولة الليبية..
حيث أن هذه المنطقة تحتوي على ثروات عدة بامكانها أن تمول جيوشا، والمخاوف تنصب في استخدام أموالها لدعم المجموعات الارهابية وهذا ما اثبت بعد حرب تازربو خلال المدة الماضية ، حيث لاحقت قوات الجيش الارهابيين لمسافة طويلة ومنها اكتشفو خطوط التهريب الصحراوية وعلاقتها بعناصر قوات داعش والخطر التي تمثله ان استمرت وانتشرت..
والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هل ستبحث الدولة عن حلول عاجلة لتنهي الخطر المحدق بليبيا من الجماعات الارهابية واستغلال ثرواتها، أم ستظل من المتفرجين على مسرحية الضياع والتهريب والارهاب..