
| مقالات اقتصادية
“حلمي القماطي”: تصريح مصرف ليبيا المركزي بشأن أوضاع سوق العملات وسياساته المرتقبة (يوليو 2025)
كتب: أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي “حلمي القماطي” مقالاً
أولًا: السياق الكلي للوضع الاقتصادي الليبي (2013–2025)، شهد الاقتصاد الليبي خلال العقد الأخير حالة مزمنة من الهشاشة الهيكلية، وتدهور بيئة الأعمال نتيجة لتشابك ثلاثية أزمات :-
الانقسام السياسي والمؤسسي، الفساد واسع النطاق، وضعف التنويع الاقتصادي ما جعل المالية العامة والقطاع النقدي عرضة للصدمات السياسية والأمنية والدولية.
وقد انعكس ذلك في المؤشرات التالية //
1- نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي سجّل انكماشًا أو تقلبات حادة بين سنوات، دون مسار مستدام.
2- معدل التضخم تجاوز 20% في بعض السنوات نتيجة لضعف الإنتاج المحلي واعتماد الاقتصاد على الواردات.
3/ عجز الميزانية العامة استمر لسنوات عدة رغم ارتفاع الإنفاق العام، مدفوعًا ببند الأجور والدعم، اللذين يتجاوزان 65% من الإنفاق العام
4- عجز الحساب الجاري كان مستترًا بفضل صادرات النفط، لكن الميزان التجاري ظل مهددًا نتيجة تذبذب الأسعار العالمية.
5/ الطلب على الدولار تجاوز معدلات الاستخدام التجاري الطبيعي، نتيجة للمضاربة والطلب على التحوط من انخفاض الدينار.
ثانيًا: قراءة في مضمون تصريح مصرف ليبيا المركزي
يشير تصريح “المركزي” إلى اعتراف جزئي باضطراب سوق الصرف وتعدد العوامل المؤثرة، لكن دون ربط شامل بالاختلالات العميقة في السياسات المالية والنقدية والتجارية.
ونعرض تحليلًا مفصّلًا لثلاثة محاور رئيسة
- العوامل المؤثرة في ارتفاع أسعار العملات
أ. العوامل الوقتية والموسمية:
❗️الإشارة إلى انتهاء تداول فئة الـ20 دينار والمضاربة عليها صحيحة جزئيًا، لكنها تعكس أيضًا فجوة ثقة في السياسة النقدية.
‼️الإجراءات الدولية لمكافحة غسل الأموال تسببت في زيادة القلق حول استخدام البطاقات والحوالات، ما حفّز التحوّط بالدولار.
ب. الطلب الفعلي والتحوطي:
❗️استمرار الإنفاق العام دون إنتاجية موازية أدى إلى ارتفاع الطلب الكلي المصطنع وزيادة الاستيراد وبالتالي الضغط على العملة الصعبة.
‼️عدم اليقين السياسي، وتأخر اعتماد الميزانية يؤدي إلى تسعير السوق بناءً على توقعات سلبية، لا على المعطيات الواقعية.
- السياسة النقدية ورد المركزي
أ. مراقبة السوق وتلبية الطلب:
❕سياسة تغطية الطلب الكلي على العملة الأجنبية دون استهداف واضح لسعر الصرف أو معدلات التضخم تُعدّ سياسة استيعابية أكثر من كونها استباقية.
❕عدم وجود سعر صرف موحد ومُدار بذكاء يجعل السوق الموازية هي المحدِّد الفعلي لقيمة الدينار.
ب. استراتيجية ما بعد أكتوبر:
❕الحديث عن خطة “تنظيم السوق والقضاء على السوق السوداء قبل نهاية العام” دون عرض أدوات سياسة واضحة (كالفائدة، السوق المفتوحة، الاحتياطي الإلزامي، أو تدخلات نقدية ذكية) يظل أقرب للتمني.
❕❕السماح ببيع الدولار عبر شركات الصرافة بمعدل 3 مليون دولار شهريًا سيؤثر جزئيًا فقط، لأن الطلب الحقيقي والتخزيني في السوق غير الرسمي يتجاوز هذا الرقم أضعافًا، خاصة في ظل ضعف الإنتاج المحلي.
- السياسة المالية والتجارية وتفاعلها مع النقدية
أ. الإنفاق العام والعجز المالي:
❗️استمرار الإنفاق عند مستويات مرتفعة دون إصلاح هيكل الدعم أو ضبط بند المرتبات أو تحفيز الاستثمار العام المنتج يعني تغذية مستمرة للتضخم وسحب للسيولة من النظام النقدي.
❕❗️#عجز الموازنة الذي يتم تمويله داخليًا عبر أدوات الدين أو السحب من الاحتياطيات يؤدي إلى آثار انكماشية أو ضغوط على العملة، بحسب نمط التمويل.
ب. السياسة التجارية المفتوحة بلا ضوابط:
❗️غياب ضوابط الاستيرادخاصة للسلع الكمالية يجعل جزءًا كبيرًا من الطلب على الدولار غير إنتاجي.
‼️ضعف منظومة الضرائب والجباية الجمركية يجعل السياسة التجارية فاقدة للأثر المالي الضبطي.
ثالثًا: توصيات علمية واقعية
1.الإصلاح النقدي الهيكلي:
❗️ااتحكم في سعر صرف مدعوم بآلية تدخل مدروسة.
‼️تحديد أولويات استخدام الاحتياطيات، ووضع سقف مرن لتمويل الواردات الاستهلاكية.
‼️❗️تعزيز أدوات السياسة النقدية التقليدية (الفائدة، السوق المفتوحة) اصلاح قانوني .
2.إصلاح المالية العامة:
❗️ضبط الإنفاق الجاري وفتح المجال للاستثمار العام المنتج.
‼️إعادة هيكلة منظومة المرتبات والدعم تدريجيًا.
‼️❗️بناء قاعدة بيانات مالية شفافة وحديثة.
3.ضبط سوق الصرف بشكل مؤسسي:
❕إصدار قانون جديد للصرافة وشركات تحويل الأموال مع ربطه بمنظومة تتبع إلكتروني.
❕❕توسيع دور القطاع المصرفي الرسمي في عمليات بيع العملة بطريقة شفافة وآنية.
4.إصلاح السياسات التجارية:
❗️❕فرض قيود فنية وزمنية على استيراد السلع غير الأساسية.
‼️❕دعم الإنتاج المحلي من خلال حوافز ضريبية وجمركية وتشجيع الاستثمار الصناعي والزراعي.
نستطيع القول هنا أن تصريح “مصرف ليبيا المركزي” يعكس وعيًا نسبيًا بالعوامل المؤثرة في سوق الصرف، لكنه لا يرتقي بعد إلى رؤية متكاملة للإصلاح النقدي والاقتصادي؛ ما يعانيه الاقتصاد الليبي ليس مجرد أزمة سيولة أو فئة عملة منتهية، بل أزمة ثقة مؤسسية، وخلل هيكلي في التنسيق بين المالية والنقد والتجارة والإنتاج.
حل الأزمة يبدأ حين تُدار السياسة النقدية بحيادية مهنية بعيدًا عن ضغوط السلطة والإنفاق العشوائي وصراع الحكومات وحين يُدار الاقتصاد من منطلق الإنتاج لا الريع والسياسات لا التبريرات.