حل أزمتي السيولة والمقاصة الإلكترونية… رهن التغيير السياسي

967

لطالما كان نقص السيولة النقدية في المصارف يشكل أزمة حقيقية خاصة للمواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وتدني الخدمات، إضافة إلى المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الوطني بصورة عامة خلال السنوات الماضية.

وعلى الرغم من المحاولات التي كانت تهدف إلى إنهاء أزمة السيولة في المصارف أدى إغلاق منظومة المقاصة الإلكترونية بين الغرب والشرق من قبل المصرف المركزي بطرابلس إلى جعل الوضع الاقتصادي أكثر صعوبة للجميع في ظل استمرار الانقسام السياسي والذي أدى أيضا إلى انهيارات اقتصادية وخدمية حادة أكثر من مناسبة.

ومنذ العام 2014 تقريبا، قرر المسئولون عن المصرف المركزي في طرابلس إقفال المقاصة الإلكترونية على المصارف التجارية الواقعة شرق البلاد والتي كانت خطوة بدوافع سياسية بحثة في تلك الفترة.

ومع مرور الوقت، اتضح بشكل كبير بأن جهود الإصلاحات الاقتصادية دائما ما كانت تصطدم بالواقع السياسي المعقد مع الصراع المستمرة حول السلطة والثروة في البلاد بين مختلف الأطراف.

ويمثل حل مشكلة نقص السيولة النقدية وإعادة فتح المقاصة الإلكترونية من بين مجموعة من الخطوات يجب على السلطات الاقتصادية في الدولة القيام بها، والتي من أبرزها توحيد المؤسسات المالية والقضاء على السوق الموازي وإنهاء الحصار المفروض على إنتاج وتصدير النفط الذي يمثل المصدر الرئيس للإيرادات.

أزمة ثقة

أدى انقسام المصرف المركزي في طرابلس إلى ضعف المؤسسة المالية الأهم بالبلاد في أداء عمالها بشكل فعال من خلال الرقابة على القطاع المصرفي، لكن الانقسام كان بداية لفترة طويلة من التشرذم وتدني الخدمات وبداية أيضا للقرارات الخاطئة وسياسة الأمر الواقع، إضافة إلى الفساد داخل المصارف التي انقسمت في التبعية بين طرابلس وبنغازي.

خلق انقسام المركزي حالة من عدم اليقين والشك لدى المواطنين والتجار في المؤسسات المالية، مما جعلهم في نهاية المطاف يتخذون قرار سحب أموالهم من المصارف والذي كان بمثابة إعلان عن فترة مالية صعبة ستدخلها البلاد بعد سنوات من الفوضى وانفاق الأموال.

وقال أحد العاملين في مصرف الجمهورية بالمنطقة الوسطى، إن هناك الكثير من الأموال لدى التجار والمواطنين أيضا، لكن انعدام الثقة في المصارف جعلهم يقبلون على سحب أموالهم أكثر من إيداعها في المصارف التجارية.

وبحسب المعلومات المتاحة، كانت الكتلة النقدية في العام 2010 تبلغ قيمتها حوالي 48 مليار دينار، قبل أن يقفز الرقم ليصبح 110 مليار دينار، جزء كبير منه خارج المنظومة المصرفية.

وأضاف عمران حسن في تصريح خاص لصحيفة صدى الاقتصادية، بأنه على الرغم من قدرة المصارف على توفير السيولة النقدية لكن تبقى نسبة السحب مرتفعة كثيرا مقارنة بالايداع مما يظهر وجود خلل في المنظومة المالية في البلاد بشكل عام. هذا الأمر يجعل مدراء المصارف يضطرون للتواصل بصورة شخصية مع التجار للحصول على الأموال التي ستمكنهم في النهاية من تقديم الخدمات للمواطنين.

وأشار حسن إلى أن مشكلة السيولة النقدية هي جزء من مشكلة أكبر تعاني منها البلاد، حيث أن إصلاح الوضع الاقتصادي سيؤدي إلى القضاء على أزمة السيولة وأزمات اقتصادية أخرى لاتزال قائمة.

وعلى الرغم من طباعة النقود على نطاق واسع سواء في غرب البلاد أو شرقها، إلا أن الأزمة بقت مستمرة مما يشير بكل وضوح إلى أن الأموال تذهب ولا تعود على عكس الدورة الطبيعية التي تمر بها العملة في أي نظام مصرفي قائم. ومع الدعوات التي أثيرت على طباعة العملة في أوقات سابقة، انقسمت الآراء حول الموضوع بين مؤيد لطباعة العملة حتى بمليارات الدولارات وبين رافض ومطالب بوقفها بسبب تأثيرها السلبي على الاقتصاد والعملة المحلية، لكن هناك اتفاق كبير على أن إصلاح المشاكل الاقتصادية يجب أن يكون عبر حزمة قرارات وإجراءات كاملة وليس في اتجاه واحد.

آثار سلبية

كانت ولا تزال عملية إقفال منظومة المقاصة الإلكترونية على المصارف التجارية في شرق البلاد خطأ قد لا يغتفر للمسؤولين على المصرف المركزي بطرابلس. فقد أثرت العملية على جميع المصارف التجارية حتى الواقع منها في المنطقة الغربية.

وقال استاذ الاقتصاد بجامعة بني وليد عبدالمنعم رمضان، إن استمرار إقفال منظومة المقاصة الإلكترونية يعكس تأثير الصراع على واقع المؤسسات والأجسام الموجودة الآن على الساحة والمستمر منذ سنوات.

وأوضح رمضان في حديث لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن هناك مصارف كادت أن تفلس ليس بسبب المقاصة الإلكترونية وحدها ولكن نتيجة انخراطها في الصراع عبر تقديم تسهيلات مالية على الرغم من عدم وجود ضمانات أو دعم حقيقي لها أدى في نهاية المطاف لتآكل أرصدتها.

على كلا الجانبين، تأثرت المصارف بإقفال المنظومة لكن الخسائر المالية كانت أكبر بكثير في المصارف الواقعة إداراتها في المنطقة الشرقية في ظل عدم الاعتراف بأرصدتها من قبل المركزي بطرابلس، بينما خلفت العملية ولاتزال آثارًا سلبية على القطاع المصرفي والوضع الاقتصادي للبلاد.

ويعتقد الكثيرون بأن قرارت مركزي طرابلس دمرت الاقتصاد الوطني وسحقت الطبقة الوسطى في البلاد وفتحت باب التهريب على مصرعيه بينما هوت بقيمة الدينار نحو القاع.

ومع ذلك، يمكن أن تكون هناك انفراجة حقيقية في حال تحققت بالفعل اتفاقات بين الأطراف المتحاربة قد تفضي إلى توحيد المؤسسة المالية والبدء في إصلاح ما أفسدته سنوات الصراع وانقاذ المنظومة المصرفية التي عانت الكثير نتيجة ذلك.