ماهي الجدوي والهدف الذي سعى إليه الوزير الأيطالي للشؤون الخارجية مافيرو ميلانيسي بعد قيامه بإعادة إطلاق معاهدة برلسكوني- القذافي التى أنشئت عام 2008.
هذا السؤال طرحته صحيفة ” لاأندرو ” الأيطالية في عددها الصادر الأثنين 9 يوليو ، حيث تحدث كلاً من المحلل كلاوديو بيرتولوتي والباحث الليبي مراد الهوني عن أهمية تفعيل هذه الأتفاقية والجدوى منها ( ترجمة حصرية لصدى )
وذكرت الصحيفة أن أيام من النشاط المكثف على الجبهتين الليبية والأيطالية مرت منذ 7 يوليو، عندما ذهب الوزير الأيطالي إلى طرابلس للقاء الرئيس الليبي فايز السراج والوفد المرافق له ، وفي يوم 9 يوليو في روما التقى مافيرو ميلانو مع غسان سلامه الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا.
وأن أكثر ما أثار الدهشة خلال زيارة مافيرو ميلانو إلى طرابلس ، هى الأشارة التى تمت إلى أتفاقية الصداقة التى أطلقها القذافي في 2008 .
وفي الواقع ، كانت معاهدة الصداقة والشراكة والتعاون بين إيطاليا وليبيا عام 2008 نقطة وصول لسياسة أطلقتها الحكومات الإيطالية مع سلسلة من الاتفاقيات الثنائية منذ عام 1998 وعلى الرغم من عملية التطبيع والعلاقات بين البلدين التى كانت تجري بالتناوب تم توقيع المعاهدة.
وقد كانت معاهدة 2008 طموحة للغاية ولم تقتصر على إقامة علاقات اقتصادية ودية ، بل إنها وضعت لإقامة علاقة شراكة كان يجب أن تكون بمثابة “جسر” نحو اتفاق أكثر اكتمالا بين ليبيا والاتحاد الأوروبي ، وأن ( المفاوضات لهذا الاتفاق في الواقع بدأت في نهاية عام 2008)
يقول كلوديو بيرتولوتي المحلل الأستراتيجي في معهد I.S.P.I و ITS TIME في هذا الشأن :
” من الواضح أن هذا الأتفاق سيكون برنامجي حقيقي ، وسيؤدى إلى علاقة شراكة خاصة ومميزة بين البلدين ، ولا سيما داخل الاتحاد الأوروبي و في الاتحاد الأفريقي وذلك بهدف التعاون الأوروبي الليبي الذي سيستفيد فيه الطرفان “
إن الطبيعة الاستبدادية لحكومة القذافي جعلت من الضروري وضع سلسلة من المواصفات في المعاهدة :
أولها أن على المتعهدين الملتزمين احترام القانون الدولي ، أي عدم مهاجمة الدول الأخرى وعدم انتهاك حقوق الإنسان على أراضيها و هذه مؤشرات واضحة كان ينبغي أن تخفف من الحرج الإيطالي للاتفاق مع الديكتاتور الليبي.
ومع ذلك ، فإن الأجزاء الأكثر إثارة للاهتمام في الاتفاق في عام 2008 هي تلك التى كانت متعلقة بالاقتصاد والهجرة.
بالنسبة للاقتصاد فقد تعهدت إيطاليا ببناء بنية تحتية أساسية في ليبيا بقيمة إجمالية تبلغ 5 مليارات دولار (250 مليون دولار سنوياً لمدة عشرين عاماً) حيث كان يتعين على الشركات الإيطالية القيام بأعمال لبناء وحدات سكنية.
ويقول بيرتولوتي :
” أن هناك سندات تفرضها ليبيا لإغلاق أي نزاع يتعلق” بالماضي الاستعماري “لإيطاليا ، وفي هذه الحالة قد يكون هناك ميزة نسبية لأيطاليا لإغلاق جدلا جديدا ”
وفي مجال الدفاع والأمن في المعاهدة تبذل الجهود لتحقيق شراكة صناعية “قوية وواسعة” وصناعات عسكرية ، وأكد بيرتولوتي أن هناك أحتمالية كبيرة لحدوث مناورات مشتركة.
( ويجب على البلدين الألتزام ، من جهة إيطاليا ملتزمة بعودة القطع الأثرية المسروقة خلال الفترة الاستعمارية (1911-1951) ، ومن ناحية أخرى تعهدت ليبيا بتسديد القروض التي تطالب بها الشركات الإيطالية ولم يتم جمعها بسبب ثورة القذافي منذ عام 1969 (وفي هذا الصدد ينص الالتزام أيضاً على تجاوز الحظر بالنسبة للمنفيين الإيطاليين الذين غادروا بعد عام 1969 للعودة إلى الأراضي الليبية)
والسؤال الذي يبدو الأكثر ملاءمة اليوم هو المتعلق بمكافحة الهجرة غير القانونية عبر ليبيا والبحر الأبيض المتوسط والإرهاب، فيما يتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية فأن هناك استعداد من الطرفين للقيام بدوريات مع طواقم مختلطة مع زوارق الدورية التي توفرها إيطاليا وأيضاً بيع زوارق الدوريات التي نفذت جزئيا بالفعل ، و يؤكد برتولوتي ” يوجد خيار آخر اقترحته إيطاليا وقد قبلته ليبيا و هو إنشاء نظام للاستشعار عن بعد على الحدود البرية”
وأضافت الصحيفة
لقد أدى اندلاع الحرب الأهلية وسقوط القذافي في عام 2011 إلى تحويل الاتفاق إلى ورقة نفايات ، خاصة وأن ليبيا برزت في حالة من التمزق الشديد بسبب الصراع ، وفي الوقت الحالي فإن السلطة الحقيقية هي في أيدي الميليشيات التي تسيطر على مناطق واسعة ، فــ حكومة طرابلس التي تعترف بها الأمم المتحدة ويقودها السراج ، تعارض في المقام الأول برقة والتى هى تحت سيطرة الجنرال خليفة حفتر ، ولاننسي أن هناك مليشيات تسيطر على مناطق أخرى من البلاد.
وقالت الصحيفة أن تنفيذ اتفاقية 2008 ربما يكون غير واضحا جدا بسبب الظروف المختلفة في كل من إيطاليا وليبيا.
فــ بالنسبة لإيطاليا فحقيقة أن حكومة روما الجديدة بقيادة غريل ليغا ، استولت على اتفاق عام 2008 ممكنة حيث يتوقع أن تأتي بعض المشاكل الإضافية من جانب بعض حركات المعارضة وقد يحرج هذا الأتفاق بعض المتطرفين ، حيث قال المحلل الأستراتيجي لبيرتولوتي :
” إن الميزة الرئيسية لإيطاليا هي “فيما يتعلق بأنشطة التعاون و التنمية والتجارة وكذلك المستحقات التي تطالب بها الشركات الإيطالية من الإدارات والهيئات الليبية والتي تقدر بنحو 700 مليون يورو فقط في حساب رأس المال ، مقابل إجمالي الائتمان المقدرة بنحو 2 مليار يورو ”
” وأنه إذا تم إعادة تفعيل الاتفاقية إلى حد ما فيجب أن تكون الشركات الإيطالية قادرة على استرداد شيء مفقود ،على الرغم من وجود شكوك قوية حول جدوى هذا الخيار و سيكون للتدخل الفرنسي انعكاسات على الاقتصاد الوطني الإيطالي الذي تم اختباره بالفعل “
وأضاف أن هناك ميزة أساسية أخرى مهمة تهدف إليها إيطاليا من خلال شركة ENI وهي إعادة تأسيس و الوصول إلى موارد الطاقة في مستويات ما قبل عام 2011 حيث استوردت إيطاليا من ليبيا 25٪ من احتياجاتها من الطاقة واليوم وصلت إلى أقل من 8٪
كما أن هناك خيار استراتيجي وهو الخيار الليبي والذي لا يمكن لإيطاليا التخلي عنه ، مع الأخذ في الاعتبار العقود القائمة بين ENI والحكومة الليبية والتي ستكون صالحة نظريا حتى عام 2047.
أما بالنسبة لليبيا فإن الوضع معقد إلى حد ما فــفى عام 2008 كانت ليبيا تحت سيطرة القذافي ، أما اليوم وفي عدم وجود قوة مركزية فأنه من الممكن إجراء تنبؤات حول كيفية التطبيق أو عدم التوصل إلى اتفاقية جديدة.
وهذا ما يؤكده مراد الهوني ، الصحفي والباحث الليبي ، الذي يقول :
“في عام 2008 في ليبيا كانت هناك حكومة استبدادية يمكنها تطبيق مضمون الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين ليبيا وإيطاليا على أرض الواقع ، لكننا الآن نواجه واقع مختلفًا تمامًا والذي لم يساعد بالتأكيد على تطبيق الاتفاقية “.
وأضاف أن الحكومة في طرابلس تسيطر على أقليم ضئيل وأنه من غير المرجح أن تكون قادرة على الوفاء بتطبيق المعاهدة ، كما أكد بيرتولوتي ، وأن ليبيا مقسمة في الحقيقة إلى أقطاعيات ومراكز للقوى وحكومتين ، وأن دور أيطاليا هام في دعم السراج ولكن هامشيًا وغير ذي صلة بشكل متزايد.
وقال الهوني أن العامل الحاسم بقوة من أجل بقاء معاهدة 2008 قائمة ، هو حقيقة أننا اليوم شئنا أم أبينا نواجه تجارة غير مشروعة وهى تهريب البشر ، حيث لاحظ بيرتولوتي أيضاً أن هناك حركة مرور غير مشروعة وأغلبها مرتبطة بعمليات التهريب إلى أيطاليا ، مثل المواد الهيدروكربونية والسلع المهربة والمواقع الأثرية وأنه من الصعب التفكير في محاربة مثل هذا الاقتصاد الكبير الموازي دون أن يؤثر ذلك على المصالح الشخصية ، وليس فقط على المنظمات الإجرامية ، بل أيضاً على مصالح العائلات والعديد من المواطنين الليبيين (وغيرهم) الذين يعيشون بفضل ذلك والذي وصلت أيراداته إلى 40 % من الأجمالي العام.
ويضاف إلى ذلك التباين الاقتصادي بين روما وباريس فيما يتعلق بالموارد النفطية الليبية ، وهو ليس جديدًا ، ولكن في الوقت الحالي يبدو أن القضايا السياسية الداخلية الأكثر تحديدًا تضاف إلى القضايا الاقتصادية للاتحاد الأوروبي ، و إن ميزة إعادة إرساء أحكام المعاهدة واضحة ، “ستكون لكل من الجهات الفاعلة ، ليبيا وإيطاليا لكن ستراقب من قبل فرنسا ، والتي ستفعل على الأرجح كل ما هو ممكن لتحقيق هذا السيناريو” .
ويقول بيرتولوتي والذي يختتم بالإشارة إلى أن هناك صخور عظيمة تقف بين الطموحات الإيطالية والمصلحة الوطنية والاستقرار في ليبيا :
“أولاً وقبل كل شيء ، إن الجاذبية المركزية التي تأثرت بوجود لاعبين يلعبون تحت الطاولة قد تؤدي إلى نتائج عكسية لإيطاليا وللأمر نفسه بالنسبة لأوروبا “
ويقول الهوني :
“أن ايطاليا جمدت الاتفاق بعد رد الفعل العنيف للنظام القذافي ضد المتظاهرين الليبيين ، ولم يتم استعادتها على الرغم من النوايا الحسنة للحكومات المتعاقبة في ليبيا بعد الثورة والطلب من الحكومة الإيطالية في عام 2016. حيث يعتبر الاتفاق بدوره في هذا الوقت علامة على التضامن والدعم من الجميع لحكومة الوفاق الوطني “
لكن ما هي النقاط القوية في إيطاليا مقارنة بفرنسا؟ وفقاً لـلهوني فإن إيطاليا بفضل خبرتها السياسية والاجتماعية الطويلة في ليبيا ، يمكن أن تتحصل على المزيد من الاحترام ، لأن معظم الليبيين ما زالوا يؤمنون بإمكانية أن تمارس إيطاليا دوراً ملموساً وحقيقياً للغاية عن طريق المصالحة الاجتماعية ودعم السلطة لإنهاء الأعمال العدائية ومحاولة إرساء الاستقرار ، دون نسيان تعزيز التجارة والحدود لهزيمة الهجرة غير الشرعية، وأنه يجب على هذا الاقتراح الإيطالي أن يثبت نجاحه.