كشف محافظ مصرف ليبيا المركزي في مراسلة وجهها إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية بأن السياسات المالية والاقتصادية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة أدت إلى اختلالات في الاقتصاد الوطني.
وتابع بأن الاجراءات والسياسات التي قام بها المصرف المركزي في يناير 2021 هي التي أدت إلى تحقيق استقرار نسبي وتحقيق فائض في ميزان المدفوعات والميزانية العامة.
ولم تقم الحكومة بالإجراءات التجارية والمالية المصاحبة بجانب تدابير مصرف ليبيا المركزي.
مع توسعة الحكومة في الإنفاق العام وبالأخص الاستهلاكي بما في ذلك المرتبات التي تجاوزت 65 مليار دينار، وتوسع الحكومة الإنفاق على بنود الدعم والمنح والإعانات.
هذا ولم تعالج الحكومة الإنفاق المتزايد على دعم المحروقات، مع توسعة الحكومة في التوظيف في القطاع العام، حيث بلغ عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة 2.2 مليون موظف، اي ما يعادل 31% من عدد السكان وهو الاعلى في العالم.
كما اضعفت الحكومة دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني من خلال الزيادات غير المدروسة في المرتبات، وكل اجراءات وسياسات الحكومة التوسعية افشلت جهود مصرف ليبيا المركزي وأثرة على قدرته على الحفاظ على استقرار سعر الصرف وقيمة الدينار الليبي.
كما أن الحكومات الحالية والسابقة لم تقدم رؤية اقتصادية للعمل على تنويع مصادر الدخل، والوزارات المعنية بالسياسة المالية والتجارية لم تقدم برامج إصلاح لتعزيز النمو الاقتصادي، وينبغي استغلال الموارد الطبيعية بشكل أفضل عبر القطاع الخاص لتخفيف الاعتماد على قطاع النفط.
وكشف الكبير بأن التوسع غير المدروس في الإنفاق العام يهدد استدامة المالية العامة للدولة، ويزيد التوسع غير المدروس من الضغوط على سعر الصرف ومعدلات التضخم.
كما نتج عن التوسع غير المدروس ارتفاع عرض النقود بأكثر من 30 مليار دينار في 2023 ليصل إلى 160 مليار دينار.
ونتج عن التوسع غير المدروس زيادة في الطلب على النقد الأجنبي، وإن الترويج لصورة مثالية للاقتصاد الوطني بدون توجيه للواقع يهدد مصالح الوطن والمواطنين ومستقبل
ومن المتوقع أن يزيد إجمالي الإنفاق خلال سنة 2024 عن 165 مليار دينار جله إنفاق استهلاكي، وإجمالي الإيرادات المتوقعة خلال سنة 2024 حوالي 120 مليار دينار، منها 5 مليار دينار إيرادات سيادية أخرى ومبلغ 115 مليار دينار إيرادات نفطية حسب بيانات المؤسسة الوطنية للنفط
كما توضح رسالة رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الموجهة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية بتاريخ 18/09/2023 التي أشار فيها إلى أن مصروفات دعم الطاقة أصبحت تستنزف نصف الإيرادات النفطية.
مع استنزاف نصف إيرادات النفط في شكل دعم للطاقة لا يعكس الوضع الجيد جداً الذي أشرتم إليه في كلمتكم، بل هو خلل وتشوه يتطلب معالجةً فورية
وعزّز التوسع في بند دعم الطاقة من مخاوف مصرف ليبيا المركزي وقدرته على الدفاع على سعر الصرف خلال سنة 2024 في ظل تراجع الإيرادات الموردة إلى مصرف ليبيا المركزي.
ويبلغ العجز المتوقّع في الإنفاق العام لعام 2024 في ظل الوضع الراهن حوالي 45 مليار دينار، متسائلاً من أين ستغطي الحكومة العجز المتوقع هذا العام أم أنها ستضيف أعباءً جديدة على الدين العام القائم؟
هذا وتقدر احتياجات الاقتصاد الليبي من النقد الأجنبي خلال سنة 2024 بحوالي 36 مليار دولار لكل القطاعات تتضمن مُخصَّصات الميزانية الاستثنائية للمؤسسة الوطنية للنفط والشركة العامة للكهرباء ومشروعات التنمية الأخرى.
كما أن العجز المتوقع في إيرادات النقد الأجنبي لعام 2024 يبلغ حوالي 11 مليار دولار.
ومن المتوقع أن تكون الإيرادات النفطية حوالي 25 مليار دولار في عام 2024، مع خصم مبادلة المحروقات بمبلغ 8.5 مليار دولار.
وبلغ صافي المبلغ المتوقع توريده من النقد الأجنبي للمصرف المركزي يصل إلى 16.5 مليار دولار، وهو غير كافٍ لتلبية احتياجات الاقتصاد الوطني.
كما أن احتياجات الاقتصاد الوطني من النقد الأجنبي بلغت 26.4 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 27.5 مليار دولار في عام 2024.
كما اضطر المصرف المركزي إلى ترشيد استخدامات النقد الأجنبي واستخدام جزء من احتياطياته لتلبية الاحتياجات الأساسية للدولة.
وارتفع بند الدعم من 20.8 مليار دينار في نوفمبر 2021 إلى 61 مليار دينار، منها 41 مليار دينار فاتورة استيراد المحروقات في سنة 2022 ومبلغ 41 مليار دينار في سنة 2023
هذا الارتفاع يتجاوز احتياجات الاقتصاد الوطني، ويشير إلى تهريب جزء كبير من المحروقات إلى الخارج.
وبحسب إفادة المؤسسة الوطنية للنفط من المتوقع أن تزيد فاتورة دعم المحروقات في عام 2024، ولم تتخذ الحكومة إجراءات لمعالجة هذه الظاهرة.
ولم يتحصل المصرف المركزي على تفسير مقنع لسبب ارتفاع قاتورة دعم المحروقات ومبرراته.
وتابع الكبير بالقول أنمصرف ليبيا المركزي يحتاج إلى استخدام احتياطيات الدولة لمعالجة العجز في ميزان المدفوعات، وهذا الإجراء يجب أن يكون جزءًا من حزمة إجراءات لتجنب العجز المستدام.
وأن استخدام الاحتياطيات دون إجراءات ترشيدية يتعارض مع مبدأ المحافظة على استدامة الدولة.
كما يجب تفادي استخدام الاحتياطيات في عمليات مثل شراء الوقود بأسعار منخفضة وإعادة بيعه بأسعار مرتفعة لصالح التهريب.
وينبغي توجيه استخدام الاحتياطيات نحو تمويل الاستيرادات الضرورية ومنع التهريب للحفاظ على استدامة الدولة.
كما أشار رئيس الحكومة إلى أن الاحتياطيات من النقد الأجنبي تقدر بـ 84 مليار دولار، ولكن هذا الرقم غير دقيق.
وتابع الكبير أندجزء من الاحتياطيات لا يمكن استخدامه ليس قابلاً للاستخدام كغطاء العملة مثلاً، ومنها أموال تخص مؤسسات ليبية أخرى يديرها مصرف ليبيا المركزي ولا يملكها.
متابعاً أن إنّ المتاح من الاحتياطي العام “الاحتياطي الحرّ السائل” حوالي 29 مليار دولار كما في 01/03/2024.
وإنّ المتاح من الاحتياطي العام غير كافٍ لتلبية احتياجات الاقتصاد الليبي، خاصة مع الاستهلاك المتوقع خلال عام 2024 أو في حالات الصدمات المحتملة مثل انخفاض أسعار النفط أو توقف صادراته
كما أفاد بأن تصريحات رئيس الحكومة حول تسوية “تصفير” الدين العام غير دقيقة ومتعارضة مع الواقع، ولم يتم حتى الآن أي تسوية للدين العام، وما زال مسجلًا في سجلات مصرف ليبيا المركزي.
وأن السجلات تظهر وجود قروض وسلفيات للخزانة العامة بإجمالي 84 مليار دينار، ويمكن التحقق منها من خلال سجلات وزارة المالية.
كما أفاد أيضاً بأن الدين العام مسجل أيضًا في سجلات مصرف ليبيا المركزي بنغازي، والتي ترتب خلال فترة الانقسام وما زالت قائمة.
وتابع بأن فرض الرسم إجراء اضطر إليه المصرف المركزي للتحكم في السوق الموازي في ظل المعطيات المذكورة سابقاً، ووجود عملة فئة 50 دينار تتداول مجهولة المصدر والكمية، وتنامي الطلب على النقد الأجنبي خارج المنظومة المصرفية.
وفرض الرسم على مبيعات النقد الأجنبي هو إجراء مؤقت، في ظل غياب إجراءات إصلاحية من قبل الحكومة وسيؤدي إلى انخفاض سعر الدولار في السوق الموازية من 9 دنانير إلى 6 دنانير.
وأن فرض الرسم على مبيعات النقد الأجنبي سيؤثر على المستوى العام للأسعار، مما يخفف العبء عن المواطن.
وأفاد أن المواطن سيستفيد من تخفيض سعر الصرف، بينما كان الاستفادة محصورة سابقًا على بعض التجار والمضاربين.
وأن مصرف ليبيا المركزي وانطلاقاً من واجبه الوطني ومسؤوليته أمام الوطن والمواطن سيعمل على المحافظة على الاستدامة المالية للدولة بكل ما أمكن، وبكل شفافية ووضوح، سواء بشكل منفرد أو بالتعاون مع بقية مؤسسات الدولة.
ودعى الكبير الجميع للعمل معاً وإقرار السياسات الاقتصادية والمالية الضرورية للخروج من هذه الأزمة الخانقة، وذلك من خلال:
▪ إقرار ميزانية موحدة لكامل التراب الليبي.
▪ إيقاف الإنفاق الموازي المجهول المصدر والكمية (عملة فئة 50 دينار المزورة).
▪ ترشيد الإنفاق بما يحافظ على احتياطيات الدولة وتنميتها وحقوق الأجيال القادمة.
▪ معالجة موضوع الدعم.
▪ وضع رؤية اقتصادية شاملة لتنويع مصادر الدخل وتعزيز دور القطاع الخاص وتخفيض الاعتماد على الواردات الخارجية في توفير السلع للاقتصاد الليبي، حيث تجاوزت السلع الاستهلاكية نسبة %80.
▪ على المدى القريب والمتوسط، زيادة إنتاج النفط وتصديره، وهو ما حرصنا عليه جميعاً من خلال دعم المؤسسة الوطنية للنفط بميزانية استثنائية بلغت 50 مليار دينار خلال سنتي 2022-2023.
▪ أن تكون أولوية الإنفاق للاستثمار في التنمية الشاملة.
▪ ضبط المنافذ للحد من ظاهرة التهريب ومحاربة الفساد.