كتب الدكتور والخبير الاقتصادي “يوسف يخلف”
أوصيت في دراسات أعددتها على الاقتصاد الليبي، وكتبت (على حسابي بـ Face book) في 9 يونيو 2018م، منبهاً من وهم اصلاحات بعثة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، ولكن أصر صانع السياسات الاقتصادية رهن الاقتصاد الليبي لوهم اصلاحات المنظمات الدولية، واستمرار نزف ما تبقى من بواقي احتياطيات، وإكمال مسيرة ضياع الثروات الطبيعية بجرها نحو سياسة النفط مقابل الغذاء، السياسة التي اتبعت في العديد من الدول وبأساليب مختلفة ولكن النتيجة واحدة، ولعل أقربها للاذهان ما حدث في العراق سنة 2003م.
واليوم 17 مايو 2020 يهوي الدينار الليبي إلى 6.11 دينار ليبي مقابل 1 دولار (أي دينار مقابل 0.16$)، مع انعدام السيولة بالمصارف وتضخم كبير بالاسعار وتردي خدمات الصحة والكهرباء والماء والاتصالات وغيرها. واصرار صانع القرار على مزيد من تدهور الدينار وأرتفاع الاسعار، والعمل على رفع دعم المحروقات بوعد منحه للمواطن نقدا، لتذهب أدراج الرياح كما ذهبت نقود دعم السلع التموينية، والتي أقسم متخذ القرار مطلع 2016 بأغلظ الإيمان، أنهم للشعب ناصحون وعلى أمواله ورفاهيته عازمون، فرفع الدعم ورفعت معه الأموال لتضيع في غيابات الجب فلا النقود أعطوا ولا الدعم تركوا. أما أسطورة الاصلاح لعلاوة الأسرة والأبناء فبقيت بين الوعدين بالمنح والزيادة، ليتقن الشعب اليوم بأنها ولدت ميته.
عموما بالرجوع إلى ما كتب في 9 يونيو 2018م حول ملخص أخفقات تونس على يد ويليامز، والتي تتمثل في: المسئول القائم عن عمل السفاره الأمريكية بليبيا، رفع الدعم عن المحروقات. – تحفيض قيمة الدينار الليبي إلى نحو 4 د.ل مقابل 1$. – زيادة مخصصات الأسر السنوية من الصرف الأجنبي. – إعادة رفع علاوة الأسرة والأبناء.
لكن السؤال كيف يمكن أن يقري هذا الترياق بزعم إصلاحات سحرية؟
1- تحفيض قيمة الدينار الليبي الحالي من 1.35 د.ل أمام 1$ إلى 1د.ل أمام 0.25$.، الهدف المعلن، إصلاح اقتصادي لعلاج أو تخفيض عجز الموازنة العامة وعجز ميزان المدفوعات. والحقيقة، التمهيد لإنشاء سوق تجاري للنقد الأجنبي يزيل سيطرة الدولة على سعر صرفها، وبالتالي جعل ما تملكه الدولة الليبية زهيد الثمن للأجنبي وباهظ الثمن للمواطن المحلي.
فكما هو معلوم أن الاقتصاد الليبي معتمد بشكل شبه تام على النفط الخام ويصل مساهمته حسب تقارير صندوق النقد الدولي من 93- 97% من أجمالي الدخل الليبي، وسياسة تخفيض قيمة العملة المحلية هدفها الرئيس هو خلق ميزة نسبية للصادرات المحلية من ناحية التكلفة والتي تساعدها على المنافسة بالسوق العالمية وزيادة الحصة من النقد الأجنبي (بغض النظر على المنظمات والتكتلات الدولية)، إلا أن ليبيا لا تصنع ولا تصدر شيء!، أذا هذا الهدف وهمي وخيالي وغير فعال، وما سيحدث هو تشجيع تهريب السلع المستوردة عبر الاعتمادات التجارية والمستندات برسم لتحصيل إلى دول الجوار لأنها رخيصة بالنسبة لهم نتيجة للأنهيار الممنهج لقيمة العملة المحلية وتحقيق أربارح لعصبة الاعتمادات التجارية من شاركهم.
2- رفع الدعم عن المحروقات، رائع جدا اذا لتر البنزين سيقفز من 0.15 د.ل إلى 2 د.ل وخزان سيارة شعبية سعته 40 لتر سيصبح 80 د.ل هذا ان لم تكن هناك أزمة نقص الوقود المعتادة وقتها سيصبح،ولكن السؤال هل فعلاً سيكون هذا رادع للمهربين وداعم للاقتصاد الليبي؟ الحقيقة: أن رفع قيمة البنزين مثلا سينجم عنه ارتفاع عام للمستوى العام للاسعار”بغض النظر عن قيمة الزيادة”، لان الوقود وعلى رأسهم البنزين يعد تكاليف وسيطة في الخدمات التجارية، فسعر رغيف الخبز سيصبح .3.35 د.ل تقريباً، وقس ذلك على جميع الأسعار للسلع الاستهلاكية والسبب ان كلفة النقل ستتضعف 13 مرة بسبب رفع الدعم هذا فضلا عن قيمة وقود الطهي والأستخدمات الأخرى للوقود.
ولكن قد يقول أحدكم التهريب سيقف، الإجابة لن يقف فسعر لتر البنزين العالمي 1.17 دولار على أقل تقدير، ونتيجة تخفيض قيمة العملة المحلية إلى 4 د.ل مقابل 1$ـ فسيكون قيمة لتر البنزين 2 د.ل اي 0.50$ وهذا سيكون مشجع للمهرب لأنه سيكسب 0.67$ للتر أي الربح 134% على أقل تقدير.
سيقول أحدكم سينخفض عجز ميزان المدفوعات والموازنة العامة، الإجابة لا، لأن الإنفاق العام هو إنفاق استهلاكي، وأن قيمة العملة منحفضة، وبالتالي لن ينحفض العجز بسبب تحفيض العملة، واستمرار التهريب، واستمرار نهب الاحتياطات عبر جريمة الاعتمادات التجارية ومستندات برسم التحصيل، وكذلك فشل الحكومات الليبية في القيام بدورها والسيطرة على الحدود هذا فضلا عن الفساد الغير مسبوق الممارس على المال العام.
3- زيادة مخصصات الأسر السنوية من الصرف الأجنبي و إعادة رفع علاوة الأسرة والأبناء، الحقيقة: أنها رشوة أممية للجمهور من ثروته، وضحك على المواطن البسيط ولكم في رفع الدعم عن السلع الغذائية الأساسية خير عبرة، حيث قالوا ستستبدل بدعم نقدي والنتيجة أضافوها إلى قيمة المال العام الضائع، فلا القيمة النقدية للمواطن أعطوا ولا تهريبها منعوا، ومن جهة أخرى هي لن تكفي حتى لمواجهة الأرتفاع الذي سيحدث لرغيف الخبز فضلا عن باقي متطلبات الحياة نتيجة لهذا الوهم بزعم الاصلاح. ثم كيف تزيدون المخصصات وانتم عاجزون عن توفير السيولة فعن اي مخصصات وعلاوة تتحدثون.الأصلاحات لا تأتي في أعتماد الأنفاق العام على الأنفاق الاستهلاكي حيث بلغ معدل الانفاق الاستهلاكي الليبي حسب ما أورته تقارير المؤسسات الرقابية إلى 95% في حين بلع معدل الانفاق الاستثماري (التنموي) 5% (تقرير ديوان المجاسبة، 2017). والأفضل هو مكافحة نهب المال العام، فمكافحته هو من أهم الأصلاحات التي يجب أن يعمل عليها، وكذلك أيقاف هدر الاحتياطيات عبر الاعتمادات التجارية والمستندات برسم التحصيل، ففئة معينة تستأثر بالعملات الصعبة وتبيعها في السوق السوداء، وبالتالي بدل القضاء على سوق السوداء يدعم بقوة عبر السياسات المتبعة من البنك المركزي منها مستندات برسم التحصيل والاعتمادات التجارية ومرتبات فلكية لفئة معينة من المجتمع …الخ.أما إصلاح الاقتصاد الليبي فهو سهل وبسيط جدا ولا يحتاج إلى معجزة او عبقرية.