كتب الدكتور والخبير الاقتصادي “يوسف يخلف”
عندما ترى جحافل المراقبين الماليين المزروعين في كل مؤسسات الدوالة، تشعر للوهلة الأولى أنك تعيش في دولة في صفاف الدول المتقدمة، والتي يعد مؤشر الفساد (CPI) فيها في أدنى مستوياته، لا في دولة تعاني من تسرب المال العام والخاص.
والأنكي من ذلك تلك الجحافل الكثير منهم يغض الطرف عن الحقوق المالية للموظفين والتي تعد أحدى أهم وظائفهم. ليصبح الشغل الشاغل لوزارة المالية ومراقبيها هو ايقاف وعرقلة علاوات وترقيات وحقوق ومرتبات موظفي يقع دخول جلهم تحت خط الفقر (لا ما نع من ذلك إن كان وفق القانون)، وبالمقابل تهمل وزارة المالية مشاكل لها تداعيات وأثار كارثية لدول متقدمة فضلا عن اقتصاد دولة نامية مثل ليبيا، ومن تلك المشاكل على سبيل المثال لا الحصر، عجز وزارة المالية عن جباية الايرادات السيادية، حيث قالها وزير المالية في ورشة اعدتها وزارته في نهاية 2019، أن أكثر من 150 مركز جباية لا يحصل منها إلا 1% من الإيرادت العامة! هنا تعترف الوزارة عن عجزها عن قيامها بأهم وظائفها.
ولا تعمل على أحداث توزان لمؤشرات التوازن الكلي لاقتصاد البلد بالتعاون مع الجهات المعنية، ولا تقوم بوظيفة الإشراف بشكل رئيس على إعداد الموازنة التقديرية سنويا، فضلا على نشرها بكل تفاصيلها وارفاقها بتقارير شاملة دورية وسنوية تظهر انحراف او توافق المخطط مع المحقق، مع بيان اوجه الانحرافات فيها بكل شفافية، لا أن تنشر تقارير دورية تشبه الطلاسم وفيها العديد من علامات الاستفهام والاقتضاب المريب، وبالتالي تصبح الموازنة والميزانية كأنها سر من أسرار إدارات الاستخبارات ولاتضع الجمهور والمتخصصين والخبراء في الصورة لحقيقة عمق المشاكل والمختنقات التي تمر بها وزارة المالية وغيرها من مؤسسات الدولة.
العقبة التي تمرر على أنها ترياق وبلسم لحل مشكلة بالاساس السبب فيها وزارة المالية وجحافل مراقبيها الماليين، وهي اللجنة 260 الدائمة لترشيد المرتبات!، والتي لم تنفك عن ايقاف وقطع مرتبات الموظفين عبر وهم المطابقات، فمطابقات اللجنة 260 الدائمة كالسراب في الصحراء ظاهره ماء وحقيقته وهم، كذلك الأمر ينطبق على المطابقات فظاهرها الإصلاح وباطنها سوء إدارة الموارد ووهم منح الحقوق والمرتبات.
عموما، تعتبر آلية المطابقة الحالية التي تتم عن طريق وزارة المالية لا تعالج جوانب عدة من الاختراقات والانحرافات، حيث قام ديوان المحاسبة وفق تقريره الصادر مطلع 2018، بإجراء اختبارات لعينة من الجهات العامة ومقارنة اعداد وقيم المرتبات المحالة إليها من وزارة المالية، مع ما يتم صرفه فعليا لموظفي الجهات العامة، وكانت النتائج سيئة لما تبين من وجود تحايل وتلاعب بالبيانات من قبل عدد كبير من الجهات تتمثل في التالي:
أولا- حالات ينتج عنها فائض في المبالغ المسيلة على قوة المرتبات تتمثل في:- وظائف وهمية: حيث أن الجهات تحيل ارقام وطنية لأشخاص لا يتبعونها (قد تكون علاقتهم بالجهة انتهت بسبب الانتقال أو الاستقالة أو الوفاة أو غيرها) وتطلب مرتبات لا تقوم بصرفها.- تقديم بيانات مضللة: حيث أن الجهات تقوم بطلب مرتبات بقيم أكبر من القيمة الحقيقية لمرتبات موظفيها (تضخم في قيمة مرتب الموظف) أو أنها تستقطع من مرتبات الموظفين دون إعلام وزارة المالية. – قطع مرتب موظفين على رأس عملهم وقيام المؤسسة بانفاقها، وذلك بسبب عدم وجود المتابعة والمراقبة الفعلية من قبل وزارة المالية.
ثانياً- حالات ينتج عنها صرف مرتبات بالتجاوز (خارج منظومة الرقم الوطني) باستعمال البواقي التي نتجت عن الحالات الواردة في (الفقرة أعلاه) تتمثل في، أن الجهات تقوم بصرف مرتبات للأشخاص الواردة دون رقم وطني ولم تدرج أسماءهم بالقوائم المحالة من وزارة المالية.
(أين المراقب المالي) إن الجهات تقوم بصرف مرتبات لبعض الموظفين بقيم أعلى مما تم التصريح به لوزارة المالية (لا توافق درجاتهم الوظيفية).عينة على فشل نهج المطابقة بوزارة المالية: تم فحص ومطابقة بيانات 260 جهة عامة تتضمن 217482 موظف، بما يعادل 14% من موظفي القطاع لعام 2017، حيث تم مطابقة وزارة المالية مع المصروف فعلا بالجهات العامة برعاية عميان ماليي بومطاري، فظهرت النتائج المرفقة بالبوست.
1- فالمرتبات التي قامت وزارة المالية بإحالتها وتسييلها إلى هذه الجهات كانت لعدد 244764 موظف بقيمة اجمالية 188,630،279 د.ل شهريا، في حين أن العدد الفعلي الذي يستحق مرتبات وفق منظومة الرقم الوطني هو 209610 موظف بقيمة 136,835,967 د.ل.
2- أي هناك زيادة غير قانونية في عدد موظفي تلك الجهات تتمتل في أشخاص لم يخضعوا لمنظومة الرقم الوطني و أسماء وهمية عددها 35154 موظف بنسبة 14% من أجمالي العينة وكانت قيمة المرتبات التي تصرف لهم بالمخالفة 51,794,312 د.ل شهريا، أي 621,531,744 د.ل سنويا.
3- لإسقاط هذا الاتحراف على الدولة ككل أي نسبة انحراف 14% مرتبات غير قانونية سينتج عدد أكثر من 200 ألف موظف وهمي وقيمة مرتبات غير قانونية تتجاوز 3 مليار د.ل سنوي.
الخلاصة: يخرج رئيس اللجنة 260 الدائمة لترشيد المرتبات كل بضع شهور ويطالب بالمطابقة ويعلن بأنه سيوقف مرتب الموظف الكادح حتى يفي رؤسائه بما نطالب، والذي ليس له ناقة ولا جمل في تقصير المراقب المالي ولا رغبات وأ|منيات اللجنة الدائم. والنتيجة، لا اصلاح حققت هذه اللجنة ولا حقوق الموظف ارجع ولا مال عام تم الحفاظ عليه … واستمراراللجنة الدائمة لتحقيق الرفاهية عبر أستمرار المكأفات المزايا التي لها أول وليس لها أخر، ليستمر حصار مرتبات الموظفين عبر المماطلة والتسويف والافرجات ساام بعد إذن الأرض والسموات … يامسئول لاتكرر نفس الخطوات بهدف الحصول على نتائج مختلفة.
