| مقالات اقتصادية
خبير مالي يُصَرّح بصحيفة صدى الاقتصادية حيال تَبَنّي مصرف ليبيا المركزي لتطبيق مُمارسات الإفصاح والشفافية
كتب خبير مالي لصحيفة صدى الاقتصادية؛ بعد قراءة بعض أرآء المُحَلّلين ومن لم تُعْجِبُهم خُطوة المصرف المركزي، وجب توضيح بعض النقاط:
لقد منحت بُلدان العالم في العُقود القليلة الماضية مصارفها المركزية صفة الاستقلال وكانت ليبيا من بين أحد هذه البلدان التي مُنح فيها المصرف المركزي صفة الاستقلال بغية تحسين الأداء الاقتصادي في المدى البعيد، وإن الإستقلالية التي كفلها قانون المصارف رقم 1 لسنة 2005 في أحكام المادة رقم 1 تأتي للتصدي الى التضخم والسيطرة على مناسيب السيولة النقدية والحفاظ على استقرار سعر الصرف والمُساهمة في الحفاظ على مُعدلات مُرتفعة من النمو الإقتصادي والحفاظ على استقرار النظام المصرفي.
وإن تحقيق هذه الأهداف تأتي كُلها وبصورة مُجتمعة دون تدخل من أي جهة، شريطة أن يعمل المصرف المركزي على زيادة شفافيتهِ وصدقية عملهِ في بلوغ أهدافهِ أمام الحكومة والسلطة التشريعية والجمهور، وهو الأمر الذي نصت عليه احكام المادة (25) من قانون المصارف بشأن المُراجعة المالية والتدقيق المالي على وفق المعايير المحاسبية والتدقيقية الدولية.
ولكي تكتمل صورة الأداء الأمثل للمصرف المركزي في إدارة عملياتهِ المالية بالصورة الرشيدة، فإن إحترام استقلالية المصرف المركزي بعدم تلقي أي تعليمات من أي شخص أو جهة بما في ذلك الجهات الحكومية كما نص على ذلك قانون المصارف الليبي النافذ، تعني في جوهرها أن السلطة النقدية باتت مُستقلة بأدواتها.
وفي هذا الشأن لا أعتقد أن مصرف ليبيا المركزي إتّجه الآن خوفاً من الدول الخارجية كما يعتقد البعض، بل تَعَمَّدَ المصرف المركزي أن يُقْبِل على هذه الخُطّوة حِفاظاً على أمن وسلامة النظام المالي والاقتصادي، خوفاً من التدخلات الخارجية، فبعد تصريحات السفارة الأمريكية الأخيرة وسعي بعض الأطراف إلى تجميد إيرادات النفط ومُناقشة سُبُل إنشاء لجنة مالية دولية لتوزيع عوائد النفط خوفاً من عدم المُساواة في الإنفاق، تدخل المصرف المركزي لمنع هذا التلاعب بِرِزق الليبيين، وهذا واضح وجلّي لِكُل من لَهُ بصيرة.
كما أن الاستقلالية التي يتمتع بها المصرف المركزي لا تعفيهِ من مبدأ رئيس من مباديء الحوكمة في البلاد وهو مبدأ المُشاركة التي تعني التشاور والحوار مع الحكومة والقيام بأعمال بالأنابة عنها لكونهِ الوكيل الإقتصادي والمالي للحكومة ومُستشارها حسب مانصت عليه أحكام المادة (5) من قانونهِ النافذ، وأعتقد أن هذا ما قام بِهِ المصرف المركزي بعد دعوته لِكآفة الأطراف المعنية، فلم يتجاهل أي جِهة (المجلس الرئاسي ومجلس النواب والحكومة مُتمَثِّلة في رئيس الوزراء ووزير المالية، وهيئة الرقابة الإدارية و ديوان المُحاسبة) كُلُ ذلك حسب القانون الليبي وتشريعاتِهِ، ولسد الطريق أمام التدخلات الخارجية.
إن من تَسَبَّبَ في هذه الضُغوطات هو من أقفل النفط (مصدر رزق الليبيين جميعاً) أكثر من مرّة، وأغرق البِلاد في دوامة من المُعاناة الإقتصادية والإنسانية.
وإذا ماجمعنا العناصر الثلاثة التي تقوم عليها الإستقلالية وهي المُساءلة والشفافية أو الافصاح والمُشاركة فأننا نتوصل الى مبدأ جوهري تقوم عليهِ السياسة النقدية في تسيير أدواتها، وهو مبدأ الحوكمة Governance الجيدة والتي تعني أفضل أداء بِـأقل التكاليف في تحقيق أهداف السياسة النقدية وهذا ماحققته تلك السياسة خلال سنواتها العشرة الماضية.
وعلى الرغم مما تقدم، فإن المصرف المركزي هو الجهة التي تتولى إدارة إحتياطات الدولة النقدية ومواردها المالية المُختلفة ولاسيما بالعملة الاجنبية، بكونهِ مصرف الدولة ومصرف المصارف والمؤتمن على تلك الموارد.
لا يخفى أن قوة استقلالية المصرف المركزي وصلابة عملياته تكتسب قدراً عالياً من الديمومة تتناسب ودرجة التنسيق والتشاور مع السلطات الأخرى وبشكل خاص السلطة المالية لبلوغ اهداف الاستقرار الكلي وتقوية نشاطات التنمية الاقتصادية الذي تتطلع إليه السياسة النقدية والسياسة المالية الى حد ما.
إن قوة العلاقة بين مصرف ليبيا المركزي والحكومة تبتدأ من قوة علاقته مع وزارة المالية، وهي العلاقة التي تتطلع الى رسم إطار مُستقر لأقتصاد البلاد الكلي عبر التشاور مع السياسة المالية بِشأن تطور تأثيرات محورين أساسيين من المشتركات هما:
استقــرار سعر صرف الدينار الليبي أو القيمة الخارجية للدينار الليبي.
استقرار القيمة الداخلية للعملة وسلامتها، بالسيطرة على التضخم وتدنية مُعدلات النمو السعرية السنوية وانعكاس ذلك على تقييم الأسعار الإدارية والدعم السعري للفقرات السلعية التي تقع في نطاق اهداف المالية العامة وموازنتها السنوية.
كما يلحظ بأن المشتركات أنفاً والتي تمثل أهمية ترابط العلاقة بين المالية العامة والمصرف المركزي قد جسدتها بحق نجاحات السياسة النقدية الراهنة التي إستطاعت من تحقيق إستقرار طويل الأجل في قيمة الدينار الليبي بعد ان ارتفعت قيمته تدريجياً خلال السنوات الثلاث الماضية.
وكذلك هبوط التضخم على الأساس السنوي الى 2-% في عام 2019 بعد أن بلغ 26% في العام 2017.
(وإنخفض هامش سعر الصرف بِشكل ملحوظ حيثُ إرتفعت قيمة الدينار الليبي مُقابل الدولار الأمريكي من 9 دينار للدولار الواحد ليصل إلى ما دون ال 5 دينار للدولار، ولَمِس ذلك المواطن، وإستطاع المصرف حل مُشكلة السيولة النقدية إلى حد كبير للغاية، فلم تَعُد هُناك طوابير تصطف أمام المصاف، وأصبحت شُحنات السيولة تتجدّول بِإستمرار).
فضلاً عن بناء إحتياطيات قوية من العُملة الاجنبية بلغت قُرابة 86 مليار دولار بحسب بيانات البنك الدولي، وهي الأعلى أفريقيّاً، والثالث عربيّاً، والتي تعد ساندة لقيمة العملة وسلامتها وحماية ميزان المدفوعات من الصدمات الخارجية.
وعلى هذا الأساس فقد حقق برنامج الإصلاح الإقتصادي ومن ثُم تغيير سعر الصرف الّذي دفع بِهِ المصرف المركزي نجاحاً مُتميزاً في إطار ما أدته السياسة النقدية في بلوغ أهدافها وحسب مانص عليه قانون المصارف أخذين بالإعتبار أن إستقرار السوق السلعية وتنمية العرض عدّت هي الأخرى حصيلة النتائج الإيجابية لإستقرار النظام الاقتصادي العام الذي ساندته السياسة النقدية عبر توفير مُرونة في التحويل الخارجي وتنشيط التبادل التجاري وتخفيف الأعباء عن السياستين المالية والتجارية في هذا الجانب الأساسي والمُهم في إستقرار السوق المحلية وتنمية نشاطاتها إلى حد كبير.
في هذا المقام، لا ننسى فضل المصرف المركزي في إبتِكار مُنحة لسد حاجة المواطن البسيط بعد أن تَبَنّى بادِرة صرف مُنحة أرباب الأُسر لرفع المُعاناة عن المواطِنين، والحق الحق نقول هُناك العديد من النقاط التي يجب أن تُضاف إلى رصيد المصرف المركزي.