Skip to main content
خبير نفطي يكتب عن الصحيح والخطأ في جدال توزيع الثروة النفطية بليبيا
|

خبير نفطي يكتب عن الصحيح والخطأ في جدال توزيع الثروة النفطية بليبيا

كتب: الخبير النفطي “محمد أحمد

كنت قد كتبت فيما مضى حول النموذج الحالي للدورة النقدية والمالية للثروة النفطية في ليبيا، وكان ملخص ما كتبت هو حول الدورة النقدية التي تمر بها العوائد النفطية بناء على قانون ملكية الدولة للموارد المعدنية. وتتلخص هذه الدورة وفقا للإجراءات الحالية في تأميم كل المناطق الموجود بها الاحتياطي النفطي وتقوم الدولة بعدها سواء عن طريق أجهزتها الفنية والمالية أو بالمشاركة مع قطاع خاص أجنبي بالاستثمار في استخراج النفط وبيعه في الأسواق سواء المحلية أو العالمية وتتحصل بذلك على عوائد بيعه. وافتراضيا هذا يتم بقوة تفويض الشعب للحكومة مقابل أن تقوم الحكومة بإعادة تدوير العائدات المالية في عملية تنموية اقتصادية تهدف إلى توفير مستوى معيشي مرتفع للفرد.

وبعكس الكثير من الدعوات التي لا تعتقد بوجوب توزيع الثروة النفطية سواء من محللين اقتصاديين أو سياسيين فالحقيقة فإن توزيع الثروة هو نتيجة منطقية لوجود واستمرار القانون الحالي بملكية الدولة للموارد النفطية. وقد تفطن المشرع مبكرا لهذه القضية المفصلية وتم سن قانون 79 لسنة 1958 بشأن توزيع العوائد البترولية. ولأن هذا القانون وضع على الرف لا أجد فائدة من إعادة ما تم نصه به ولكن أظن أن هذا يحسم الجدل حول وجوب عملية توزيع الثروة النفطية بشكل أو آخر.

وإذا ما افترضنا أن عوائد النفط هي دخل إضافي غير متوقع أو بما يسمى في الاقتصاد الحر Windfall Revenue وهي في الغالب حصيلة ضرائب للدولة تأتيها من تفتح مصادر جديدة للدخل مثل وجهات استيرادية جديدة أو انخفاضات غير متوقعة في التكلفة نتيجة تطبيق تقنيات حديثة وغيرها، وبسبب عدم عدالة تطبيق النظام الضريبي السائد القائم على متوسط عوائد النشاطات فهناك معالجات اقتصادية ومحاسبية خاصة بهذا الدخل الإضافي ويمكن تطبيقها على عملية توزيع العوائد النفطية. من ضمن هذه المعالجات الضرائب التصاعدية وإعادة توزيع الفوائد بين الأطراف المنتجة والمستهلكة وغيرها.

وفي هذا الخصوص يمكن مقارنة وضع تقوم فيه الدولة مثلا بإصدار قانون يمكنها من ملكية الثروة السمكية في البحر أو النهر لتقوم بتصديرها للخارج وتستدعي شركات أجنبية للقيام بهذا العمل بعد فرض احتكار حكومي. هذا سيضر بالطبع بالدخل المتوقع للسكان الساحليين مقابل سكان المناطق الداخلية، ولابد للدولة أن تقوم بتعويض أهل الساحل بجزء كبير من الدخل لتضمن قبولهم بالقانون المفترض.

هذا يؤدي بالضرورة إلى مسئولية الدولة عن طريقة توزيع هذه العوائد مثلما هي مسؤوليتها عن توزيع عوائد الضرائب في أنظمة الاقتصاد الحر. وفي رأيي فإن موضوع العدالة في التوزيع الآن يخضع للتطبيق المنحرف لقانون الملكية العامة للموارد المعدنية بدون إنفاذ قانون توزيع الثروة البترولية. ولأن العدالة ستختلف مفاهيمها هنا فهي يمكن أن تبدأ من إعطاء صاحب الأرض حقه في ملكية المورد مثلا، أو إعطاء العمالة القائمة على الصناعة النفطية حقها في عملها بدون مساواتها مع العمالة في القطاعات الأخرى أو إعطاء المناطق التي يمر بها النفط حقها في المرور وهكذا. الممارسة العملية في ليبيا لمفهوم الملكية العامة للمورد انحرفت بشكل كبير جدا بشكل أضر أضرارا جسيما بمفهوم العدالة النظرية.

ما يغيظني اليوم صراحة هم أولئك الذين يتفلسفون ويحاضرون على الليبيين “من الليبيين أنفسهم” حول الطريقة السليمة التي ينبغي على الليبيين أن يوظفوا بها مواردهم النفطية بعيدا عن الضغوط التي تمارسها المجتمعات المحلية من ضرورة تحمل الدولة مسؤولياتها في التوزيع العادل للثروة النفطية (المقصود الضغوط العادية وليست السياسية تجنبا لاي جدل والممارسة من كل المجتمعات المهمشة من التوزيع الحالي). فقد استمعت إلى محلل ليبي من الولايات المتحدة يقوم بالتنظير على الليبيين بأن عليهم أن يقوموا باستثمار عوائد ثروتهم النفطية مثل ما هو موجود في تكساس، في مشاريع تدر عليهم أموال أكثر من العائد النفطي. واقترح بعض الأمثلة التي أعتبرها بأقل وصف غير عملية. ردي عليه ببساطة ألغي قانون الملكية العامة للموارد الطبيعية ومن ثم أتبع نموذج تكساس الاستثماري.

اليوم ليبيا أنتجت ما يقارب من 70% من احتياطاتها المؤكدة من النفط ويمكن أن نقيم كيف تم توزيع الثروة في الفترة السابقة وبدون زعل فأن المدن الرئيسية استفادت بشكل متحيز جدا منها وبقت المناطق المنتجة ليست محرومة فقط من نصيبها العادل بل أيضا تجرجر مشاكل بيئية خطيرة نتيجة ممارسات الشركات النفطية غير المسئولة. وفي الفترة المتبقية التي يتوقع أن تصل إلى 30 سنة من الإنتاج فأن مسئولية الدولة في توزيع الثروة النفطية يجب أن تستعيد التوازن إذا ما أريد للقانون الشيوعي في الملكية العامة للموارد المعدنية أن يستمر خلال المدة الباقية.

مشاركة الخبر