| مقالات اقتصادية
خبير نفطي يكتب مقالاً بعنوان”ما هي سيناريوهات سعر النفط في ظل حرب الأسعار السعودية الروسية وما بعد أزمة فيروس كورونا”
كتب الخبير النفطي محمد أحمد مقالاً حول سيناريوهات سعر النفط في ظل حرب الأسعار السعودية الروسية وما بعد أزمة فيروس كورونا
هل كانت حرب الأسعار النفطية بين روسيا والسعودية مخططة أم أنها جاءت كردود أفعال بعد انفجار أزمة فيروس كورونا. سؤال من الصعب الإجابة عليه بدون الدخول في نفسيات ونيات الجانب الروسي وهي في الحقيقة مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة لاختراق حصن ضابط الكي بي جي الروسي بوتين.
منذ نهايات الصيف الماضي كانت هناك إشارات روسية بأنهم غير مستعدين لتمديد الاتفاق مع أوبك حول خفض الإنتاج. العديد من المؤشرات كانت تدل على هذا الاتجاه حيث إن روسيا بدأت تفقد حصة في سوق الطاقة نتيجة العقوبات الامريكية ضدها سواء في النفط أو الغاز. وباستمرار هذا الاتجاه مع تثبيت روسيا لإنتاجها النفطي بدون إضافات فأن الاستهلاك المحلي الروسي سيأكل كميات متعاظمة من الإنتاج وبذلك تحرم من تدفق نقدي هام في المستقبل ويوضح الرسم المرفق عن العلاقة بين الإنتاج والاستهلاك في روسيا بأن نسبة الاستهلاك سترتفع إلى 30% من الإنتاج الروسي في حال تثبيت الإنتاج عند مستوياته الحالية في سنة 2024.
كذلك فأن الأسعار المرتفعة أتاحت للدولة الروسية تكوين وسادة مالية مريحة لتستغلها في أي انخفاض في مستويات الأسعار، حيث استطاعت أن تخفض السعر التوازني للنفط في ميزانياتها من 70 دولار للبرميل إلى أقل من 50 دولار للبرميل (يشار إلى متوسط الاربعينات كمستوى مقبول). وبسبب ابتعاد الشركات الغربية عن الصناعة النفطية الروسية لم يعد من المبرر أن تقوم روسيا برفع حافز الاستثمار خارجها بسبب السعر المرتفع خصوصا بعد اتجاه السعودية لبيع أسهم من شركة أرامكو مستغلة الأسعار المرتفعة في السوق.
السعودية كانت متحسبة لهذا الاتجاه الروسي وفي أغلب الظن وضعت خططا للرد عليه، ولابد من التشديد هنا إن هذا يدخل في إطار رؤية طويلة الأمد ولا تهتم للنظرة القصيرة التي كثير منا يقع أسيرا لها. لنكن واضحين السعودية ترى ما هي حصتها في السوق بعد خمس سنوات من الآن، وهي أن سمحت للروس بالخروج من اتفاقية تحديد الإنتاج ستجد نفسها في وضعية سيئة بسبب توسع روسيا انتاجيا في مناطق جديدة. إذا الرد السعودي لا يأتي على الاطلاق كرد عاطفي بدون تفكير عقلاني.
في أقرب الاحتمالات فأن السعودية كانت تميل إلى أن الروس قد يتراجعون عن اتجاههم في الخروج من اتفاقية خفض الإنتاج بسبب أزمة فيروس كورونا واحتمالات حدوث كساد عالمي شديد يؤثر على الطلب على النفط. لذا فقد كان اقتراحها لخفض كبير في انتاجها لأغراء الجانب الروسي بقبول تمديد الاتفاق على الأقل من ناحيتهم. ولكن عكسا للتوقعات هذه فإن الروس صمموا على التمسك بموقفهم الذي سبق وأن أطلقوا إشارات تحذيرية به على أمل أما أن يتراجع السعوديون وهم يعرفون مدى الضغط الذي يمكن أن تمارسه عليهم الولايات المتحدة مثلا كممثل لمنتجي النفط الصخري أو الدول المنتجة الأخرى للنفط.
كيف تغير السوق استجابة لهذا التطور الحاد. الأسعار انخفضت بالطبع نتيجة الهلع بسبب عدم وجود ضامن يمنع تكون تخمة نفطية، مع قيام السعودية باتخاذ اجراء متطرف بتخفيض إضافي لأسعارها النفطية في إشارة لا يمكن اغفالها عن عزمها القيام بحرب أسعار ضد باقي المنتجين.
في الرسوم المرفقة ستجدون بعض إشارات السوق الآجلة عن احتمالات تطور السعر وقد أخذت البيانات من سوق لندن وسوق نيويورك. سوق لندن ينتهي أفقه الزمني سنة 2024 وسوق نيويورك يمتد إلى 2028. الإشارة الأولى في السوق الآجلة هي تثبيت نهاية منحنى السعر الآجل فوق 50 دولار للبرميل وتلاحظونها في الحالتين. بالطبع هذا له تفسير منطقي جدا وهو أن التكلفة الحدية لإنتاج النفط (النفط الصخري في الولايات المتحدة) هي عند هذا المستوى في المتوسط. إذا في التصور العام إذا ما استمرت هيكلية السوق وفقا للظروف الحالية فأن السعر لا يفترض بأن ينخفض عن هذا المستوى التوازني بين العرض والطلب. إذا ما أنخفض عن هذا المستوى فإن هذا سيشير إلى حدوث اختلال جوهري في ميزان العرض والطلب (ضد العرض)، وسيؤدي نتيجة خروج النفط الصخري إلى أزمة عرض في المستقبل.
الإشارة الثانية هي عن مستوى الكونتانجو في المنحنى الآجل. عادة الأسعار الآجلة يمكن أن ترتفع عن السعر الحاضر بمستويات مقيدة أساسا بتكلفة التخزين في الوضع الطبيعي. قبل اجتماع أوبك كان الكونتانجو بين شهر مايو 2020 وشهر مارس 2021 يصل إلى 0.26 دولار للبرميل وهو أمر مقبول نظريا. بعد اجتماع أوبك وصل الكونتانجو إلى 6.0 دولار للبرميل وهو أمر غير مقبول وواضح أنه سيعود للمستوى التوازني (خلال سنة واحدة) والذي لا يصح أن يكون أكثر من 2 دولار. بعد وصول السعر القريب يوم الجمعة بعد انتهاء اجتماع أوبك إلى 32.0 دولار للبرميل وبقاء السعر الآجل فوق 48 دولار للبرميل كان من المتوقع أما أن ترتفع الأسعار القريبة أو تنخفض الأسعار الآجلة أمس الاثنين 9/3/2020 لتقريب الفجوة بين الاثنين. وبسبب تثبيت السعر في نهاية المنحنى عند 50 دولار للبرميل لم يكن للسعر إلا الارتفاع ليصل إلى 36 دولار تقريبا. اليوم في بورصة لندن تشير إلى أن المستوى حاليا 3.5 دولار للبرميل وهذا سيحتاج إلى تعديل أكثر وببقاء السعر عند نهاية المنحنى فوق 50 دولار لا يتوقع إلا ارتفاع في السعر لتضييق الفجوة أكثر.
كنت قد وعدتكم عن المستوى الذي يمكن تثبيت السعر عليه لسنة 2020 بواسطة الخيارات حقيقة سوق الخيارات متقلب جدا حاليا للفترة القادمة وهو أمر مفهوم ومن الصعب تحديد قيمة معينة للسنة الحالية، ولكن يمكن نظريا تثبيت السعر باستخدام آلية التغطية المباشرة اليوم عند مستوى 39 دولار للبرميل من مايو 2020 إلى ديسمبر 2021.
يمكن حد يسأل “اعطينا النتيجة في سطر واحد بدل كل هذه التعقيدات؟” إجابتي ستكون على النحو التالي “في حال استمرار حرب الأسعار بين روسيا والسعودية لا أتوقع أن الأسعار ستنخفض تحت 40 دولار للبرميل في المتوسط (يمكن في فترات تتراجع كثير ولكنها ستتعدل في المتوسط)، على المدى الأطول ستتوازن الأسعار فوق 50 دولار للبرميل وفقا لاقتصاديات الإنتاج”.