كتب: الخبير النفطي “محمد أحمد”
بمجرد حدوث أي طارئ عالمي فإنه سرعان ما يدب الهلع بين المستثمرين، وتوفر الآليات التجارية الحديثة المرونة الكافية لتغيير المواقع من مجال إلى آخر بسرعة كبيرة، حيث تنتقل الأموال عبر الحدود وعبر الصناعات والأدوات الاستثمارية بسرعة البرق. تتناقل الأخبار والإشاعات بين الأثير وتسبب حالة ضبابية تنقطع فيها رؤية ما سبق من توقعات الاتجاهات الاقتصادية والربحية ويسارع الكثير إلى حماية مدخراتهم لتحويلها إلى مجالات استثمارية أكثر أمنا ولكنها قد تكون أقل ربحا.
الهلع الذي أصاب الأسواق في الأسبوع الحالي يتمثل في انتقال عدوى فيروس كورونا عبر الحدود الصينية إلى قارات أخرى، في الاستجابة الأولى لموجة الهلع يمكن أن نتوقع تراجعا كبيرا في سوق أسهم المناطق الأكثر أثرا بانتشار المرض ومن ثم بأسعار تلك السلع المرتبطة بمسار الانتشار من ناحية التصنيع أو النقل.
آثار الهلع وفقا للتجربة مضخمة جدا خصوصا في بداية حدوث الطارئ عندما تكون الرؤية ضبابية، وأحيانا قد تترك الحركة الحادثة استجابة للهلع آثارا غائرة وعميقة في المرحلة التي تأتي بعد انحسار موجة الفوضى التي تحدثها القرارات العشوائية فترة الهلع. تحتاج الأجهزة السياسية والاقتصادية إلى عقلنة ردود أفعالها على مرحلة اللا استقرار هذه وذلك بالاعتماد على إمكانياتها الذاتية مع محاولة احتواء المخاوف التي تثار عند المستثمرين نتيجة قلقهم على أمن مدخراتهم. هي بلا جدال مهمة في غاية الصعوبة ولكن الارتباك الذي يصاحب هذه الظروف قد يكون حاسما في مستقبل مشاريع اقتصادية كثيرة نتيجة سحب التمويل المالي لها.
الأموال لا تختفي ولا تتبخر بل هي تنتقل من أصل إلى آخر، الأصول الآمنة معروفة “الذهب”، “الدولار”، “العقارات”، “بعض المعادن الثمينة”، الأصول المشكوك فيها هي “الأسهم”، “السندات الحكومية”، “العملات غير الدولار”. ويجب أن نلاحظ أيضا أن هناك فروقا بين أسواق الأسهم حيث يتحرك المال من الأسواق الأكثر تهديدا إلى الأسواق البعيدة نسبيا عن التهديد.
كم يحتاج للزوبعة أن تمر؟ في العادة الزوبعة الرئيسية تحتاج إلى ما يقارب أسبوع تكون فيها الحركة مرتبكة إلى حد كبير ويمكن أن تمتد إلى أبعد من ذلك ولكن ليس بنفس القوة. المشكلة هي في مرحلة التعافي بعد الصدمة فهي إما أن تكون على هيئة V وهو الوضع الذي تسترجع فيه الأسواق عافيتها بسرعة نتيجة لاكتشاف المستثمرين “حماقتهم” في الخوف على أموالهم أو أن تكون على هيئة U وهو الوضع الذي تستمر فيه أسباب الأزمة بدون إيضاح كافي من الأجهزة الرقابية على مدة استمرارها وعادة تستمر هذه الفترة من ثلاثة أشهر إلى سنة، وأحيانا تأخذ الأزمة هيئة W وهي عندما يكون التعافي مبكرا وليس على أساس صحيح بما يسبب من انتكاسة جديدة للسوق.
في مرحلة ما بعد الأزمة تحتاج الأطراف المنتجة أن تقرر كيفية التعامل مع الاضطراب الذي أحدثه الطارئ على أنظمتها الإنتاجية، هذا سيتعلق كثيرا بآليات تصريف المخزون، وتسعير الإنتاج الجديد، وتسريع التطور الذي فقد مقارنة مع المنافسين. نأخذ الصين مثالا فالسلع التي تم إنتاجها قبل أزمة كورونا والتي هي اليوم مجمدة في مخزونات كبيرة ستحتاج إلى تصريف في أسواق إما جديدة أو تلك القديمة ولكنها لن تكون بنفس السعر فبينما سيكون هناك ضغط تكلفة التخزين لرفع السعر سيقابله من ناحية أخرى ضغط التطور (مثلا ملابس شتوية في الصيف أو ملابس موضتها قديمة).
جمعت لكم بعض الرسومات عن حالة السوق اليوم وهي تشرح بعض الحقائق:
الملاحظة الأولى: تراجع أسواق الأسهم والسندات عالميا:
الأسواق كلها متراجعة لكن هناك تباينا في قيمة التراجع، بينما التراجع كقيمة مطلقة هو الأثقل في روسيا والنرويج والولايات المتحدة واليونان ولكن بنسبة مئوية فإن تراجع مؤشر هانج سنج الصيني هو الأكثر بينما مؤشر ستاندرد أند بورز 500 هو التراجع الأقل.
التراجع الحالي رغم شدته لم يصل بعد إلى مرحلة الأزمة حتى الآن فهو لم يتجاوز 6% من أعلى نقطة وصل لها مؤشر ستاندرد أند بورز 500 مقارنة بالتراجع الذي حدث في الأزمة المالية العالمية سنة 2008 والذي وصل إلى 33%.
الملاحظة الثانية: السلوك التقليدي للمستثمرين في اللجوء إلى الذهب والدولار
هذا واضح في الارتفاع الكبير لسعر الذهب الذي وصل إلي زيادة 10%، والدولار الذي وصل إلى 3% مقابل اليورو. السؤال المطروح الآن هو هل سيتراجع السعران بعد انقشاع غبار الأزمة؟. في تصوري الشخصي إن الذهب سيفقد القيمة أسرع من الدولار وهذا سيعتمد على طول الفترة التي ستستمر فيها الأوضاع الحالية. يلاحظ كذلك أن هناك قوة لأسعار الفضة بينما يوجد تراجع كبير في أسعار الحديد.
من ناحية فإنه حتى اليوم لا يوجد ما يشير إلى خطر جسيم في الأسواق المالية، إنما حالة هلع كبير تتحرك فيه الأموال بارتباك شديد بين الخيارات، ولكي أكون اقتصاديا محترفا يجب أن أقول أما من الناحية الأخرى فإن هذا لا يؤكد أننا وصلنا إلى الأسوء ويبقى الأمر مرشحا لمزيد من الانهيارات في حال اشتداد الأزمة.