خبير يكتب مقالاً بعنوان “إعادة تقييم لدور الناتو و أحقية مطالبة الدولة الليبية بالتعويض وفقاً للعرف الدولي”

282

كتب الخبير النفطي “محمد أحمد” مقالاً بعنوان “إعادة تقييم لدور الناتو وأحقية مطالبة الدولة الليبية بالتعويض وفقاً للعرف الدولي”

المقال التالي يجب أن يقرأ بعد التجرد من العاطفة والمشاعر والتحيز المصاحبون للأحداث السياسية التي تمر ومرت على ليبيا ، فهو لا يناقش صحة أو خطأ استدعاء قوة أجنبية و لا عن حيثياتها القومية والدينية بل يتعامل بتجرد ومن وجهة نظر وطنية ليبية مع النتائج الظاهرة التي تسبب فيها فعل التدخل العسكري لدول الناتو في ليبيا سنة 2011.

ووفقا للتسلسل التاريخي قامت قوات عسكرية من حلف شمال الأطلسي المعروف بالناتو بالاشتراك مع مجموعة دول أخرى بالتدخل عسكريا في ليبيا بتوجيه ضربات جوية على مدى ثمانية أشهر على قوات نظامية ليبية تحت مبرر قرار من مجلس الامن الدولي يدعي إلى حماية المدنيين وفقا للفصل السابع من ميثاق تأسيس الأمم المتحدة ، و قد أقفل الحلف ملف تدخله العسكري في ليبيا بمجرد تحقيق اسقاط النظام السياسي في ليبيا وأوقف جميع عملياته العسكرية وفقا لذلك.

التدخل العسكري لحلف الناتو كان بغطاء تشريعي أممي و من ثم فإن هناك مسؤولية دولية عن نتائج هذا الفعل العسكري، و يزخر التاريخ العسكري بعمليات تدخل مماثلة أغلبها لم تكن مغطاة بقرار دولي. وفي التاريخ المعاصر قامت مثلا الولايات المتحدة بالتدخل العسكري في يوغسلافيا السابقة في 1992 عن طريق حملة جوية لتدمير القوات الصربية التي حاولت منع تفكك الاتحاد اليوغسلافي المتكون من صربيا، البوسنة وكرواتيا ولم يحظ هذا التدخل بأي دعم دولي سواء من الأمم المتحدة أو الناتو، كذلك قامت الولايات المتحدة منفردة أساسا بالتدخل العسكري في أفغانستان لأسقاط نظام طلبان ومحاولة القبض على زعماء تنظيم القاعدة بعد حادثة برجي التجارة في نيويورك سنة 2001، ومن ثم اشترك معها بعض دول الناتو، وأخيرا قامت الولايات المتحدة بالتدخل بدون غطاء شرعي أممي في العراق في 2003 لأسقاط النظام العراقي بتهمة محاولته حيازة أسلحة دمار شامل و هناك أمثلة أخرى للتدخل العسكري الفرنسي في افريقيا والذي يميل أكثر إلى التدخل الأرضي.

كان هناك جدلا واسعا حول مسؤولية القوى المتدخلة عسكريا لتحقيق اهداف سياسية في دول أخرى من حيث طبيعة التدخل. فالتدخل العسكري عن طريق الغارات الجوية لم يتعامل معها القانون الدولي من حيث مسؤولية الدولة المتدخلة عسكريا في فرض النظام العام في الدولة التي تتعرض للاعتداء.

تعامل القانون الدولي بصورة مباشرة مع الغزو والذي يتمثل في وجود قوات على الأرض وفرض على الدولة المهاجمة صيانة النظام العام في الدولة التي تتعرض للاعتداء وربما تعويضها في حالة حدوث أضرار جسيمة نتيجة الاعمال العسكرية. وقد قامت قوات الحلفاء بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بهذه الواجبات الإنسانية من حيث صيانتهم للنظام العام في دول المحور ومن ثم تعويضهم اقتصاديا عن الاضرار التي تسببوا فيها بمساعدات مالية. الاستقرار الذي حل في دول أوربا الغربية وعلى رأسها ألمانيا المهزومة في الحرب و إيطاليا و تركيا كان بسبب دعم كبير أساسا من الولايات المتحدة الامريكية وكذلك فأن الاتحاد السوفييتي الذي مثل روسيا آنذاك كان داعما رئيسيا لدول شرق أوربا بما فيها يوغسلافيا المتمردة على سلطاته المركزية. وقد التزمت الولايات المتحدة بالمساهمة في استقرار العراق بعد اكتمال عمليات الغزو في 2003 (طبعا بالرغم من فشلها كما هو ملاحظ) ، الحروب الجوية والتي في الحقيقة مارستها قوة عظمى واحدة و هي الولايات المتحدة لم تسقط في نفس البرتوكول بالرغم من عدم منطقية هذا التوجه ربما في المثال اليوغسلافي والافغاني كان السبب يرجع في أن التدخل العسكري كان يقع بسبب اعتداءات اجنبية قامت بها الدول الصغيرة على دول أخرى.

ففي القضية اليوغسلافية فقد اعتبر أن الصرب اعتدوا على دول أجنبية وهي كرواتيا والبوسنة بينما في القضية الأفغانية فقد كان الاعتداء الإرهابي في نيويورك سببا في التدخل العسكري وبينما قامت الولايات المتحدة بشكل كبير بدعم الاستقرار في البوسنة و كرواتيا بعد التدخل العسكري وتشجيع دول أخرى مثل ألمانيا و كذلك تركيا في المساهمة في جهود دعم النظام العام والاستقرار في الدولتين ألا أنها واصلت الضغط على صربيا حتى استسلمت بالكامل للشروط الامريكية.

و لكن يجب القول هنا أن روسيا بالرغم من سنوات الاضطراب التي مرت بها قامت بدور كبير في مساعدة صربيا باستعادة توازنها من جديد سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية،القضية الليبية حقيقة يجب أن يتم فيها إعادة تقييم دور الناتو الذي فعليا دمر الجهاز الأمني والعسكري في ليبيا الذي يحافظ على النظام العام و هو موثق في العمليات العسكرية التي قام بها ولا يمكن هنا القبول بأن دول الناتو كانت تتوقع أن تستعيد الدولة الليبية اتزانها ذاتيا بدون أي دعم حقيقي.

عدم نزول القوات الأرضية على الأقل من الناحية العلنية والتي يستخدمها الحلف للتهرب من مسؤولياته دفاع ضعيف وغير مبرر هنا أنا أتكلم من ناحية نفعية وانتهازية وفقا لنموذج ميكافيللي في التفكير السياسي قبل أن يكون من ناحية مثالية وأخلاقية وأقول أن ليبيا تستحق أن يتم تعويضها عن كل الاضرار التي تسبب فيها حلف الناتو من تاريخ اقفاله للعمليات في ليبيا هذا لن ينفع ليبيا ماديا فحسب بل يجب أن يدفع الآخرون الذين يتدخلون في ليبيا من جميع الأطراف بإعادة احتساب تكاليف تدخلهم.