قال الباحث في جامعة كولومبيا الأمريكية عمان وأستاذ الاقتصاد بجامعة طرابلس سابقاً “المبروك درباش ” اليوم الخميس إنه يؤيد رفع الدعم عن المحروقات، والذي هو مرفوع أصلا عن عدد كبير من الليبيين منذ سنوات “بحسب وصفه”، ليس ذلك فحسب، بل أن عددا كبيرا منهم يدفعون ضريبة السوق السوداء المضافة.
وأضاف “درباش” أنه ليس مع استبداله بقيمة نقدية، بل بقيمة خدمية، فلا يجب أن نستبدل باطلا بباطل، فقرار دعم المحروقات وُجِدَ وفق أسس اقتصادية مؤقتة، أهمها تعديل مؤشر القوة الشرائية لدى المواطن الليبي خلال فترة التنمية لكي يواكبها، وهذه الضرورة قد ولت وولى زمنها، وهكذا فهي منعدمة الصلاحية الآن، وبالتالي انتهى مفعولها أو بالأحرى أمست سُمّاً وصار تناولها مُضرا بالصحة.
وتابع بالقول: يجب، وهنا بيت القصيد أن لا ننسُخ الحق في الباطل، أن نمزج الملح بالشاي، فقط لتشابه الشكل، فالشكل ليس كالمذاق، إلا إذا كنا قد فقدنا هذه الحاسة، وآنذاك ما ضرورة شرب الشاي أصلاً، يجب أن لانفعل ذلك في تفاصيل هكذا قرار؛ أي إلغاء الدعم، فلا يجب إلغاء الدعم بدون خلق بديل حقيقي، فغير ذلك يعبر عن فقدان الرؤية الاستراتيجية للمجتمع، وهو فعلا خلط للشاي بالملح.
وأوضح أنه من الخطأ أن تُصرف قيمة الدعم في شكل علاوات نقدية، أو قيمة مالية تُعطى مباشرة، فهذا يؤكد ثقافة الاستهلاك المستفحلة بشراسة، إنها تصبح آنذاك قيمة نقدية مُهداة للتجار الذين، وبطبيعة وديناميكية السوق، سوف يرفعون الأسعار، قبل أن تصل هذه العلاوة الى البيوت، والتي ستكون مرفقة بالمعاشات المعتادة على الوصول متأخرة، وبالتالي تسقط فعالية هذه القيمة، ليس ذلك فقط، بل أنها ستساهم في إخلال مؤسسي بتفاعل وقوانين السوق الطبيعية. أيضا، وبطبيعة المنطق الاقتصادي، سيساهم هذا في حدة تضخم النقد المحلي، أي الدينار، إنه الأجدر بالحكومة أن توظف هذا الفائض في بديله الطبيعي، فدعم المحروقات وجد لتسهيل عملية المواصلات الخاصة في زمن ما، لكي تعوض حاجة الدولة ومواطنيها الى مواصلات عامة الآن، على هذا البديل، أي الدعم، أن يُستخدم لدعم المواصلات العامة.
فهذه هي قيمة الدعم الحقيقية والمشروعة، على الحكومة أن تبتعد عن اتخاد قرارات ارتجالية، فالأسعار لا تنخفض بعد أن ترتفع، وقيمة الدعم، في أدنى تفاعلها، ستذوب ويذهب ريحها دون إضافة قيمية لمستوى عيش المواطن، إن قيمة الدعم على المحروقات، التي لم تتجاوز 400 مليون في 2005، تتراوح الآن بين 4 الى 5 مليارات دولار سنويا، أي حوالي 50 دينار شهريا لكل فرد، حسب السعر الرسمي للدينار، إذ أردنا أن نقسمها على جيب كل مواطن ليبي، أي ما يكفي لشراء 2 كيلو ثوم شهريا، حسب أسعار السوق اليوم.
وتساءل “درباش” هل هناك عاقل في ليبيا يثق بأن هذه الحكومات المُتوارِثة على ليبيا، قادرة على الإيفاء بوعودها وصرف 2 كيلو ثوم شهريا؟ وإلى متى؟، ونحن من حرب إلى أخرى ومن عربيد إلى آخر ومن مبعوث إلى أخر؟ وماذا ستعني هذه القيمة بعد عدة أشهر من اِستطْراد الأسعار؟ لكن، إذا أُخذت هذه القيمة وصُرفت خصيصا في محلها الذي أُُسست لأجله، وهو تسهيل المواصلات، فإن مفعولها سيكون إيجابيا، ليس فقط في إضافة خدمة نحتاجها، بل أيضا في خلق فرص عمل لعديد من أفراد المجتمع؛ الذين يتراشقون في الجبهات اليوم، ويقلل من تكاليف النقل، وبالتالي تكاليف الإنتاج، وبالتالي يخفض الأسعار، ويقلل من استيراد خردة أوروبا، ويساهم في الحفاظ على البيئة.
ناهيك عن حالة الازدحام وكل الكوارث الأخرى من جراء تضخم الاستعمال المخيف للمركبات الخاصة، الجدير بالذكر هنا، إن خسائر ليبيا من تهريب المحروقات لا تتجاوز المليار دولار سنوياً، أي لا تتجاوز هبة زيدان لمليشيات بنغازي، ولايمكن أن تتجاوز ما يصرف اليوم على المرتزقة المحليين، ومصاريف حراسة المفتيين عن بعد في إسطنبول أو المحافظ المالية في عمان ولندن ودبي، أو الدعم الذي لم يُصدر قرار برفعه على سفارات الحكومات، المنهمكة بشرب الشاي بالسكر، وفق قول “درباش”.
لكي لا أبتعد عن صلب الموضوع، إن قيمة الدعم تكفي لتغطية تكاليف قطارات مدن أي قطارات بين أحياء طرابلس، مثلاً، لكن، وللأسف، مادام شعبي لا يريد أن يخرج من مرابيعه إلى الشارع، رافضا لكل هؤلاء فستبقى الحالة كما عليها، كما هي في مجتمعات العالم الرديء، حيث الحكومات المفوضة والمفروضة، شرقا أو غربا، هي من تتخذ هكذا قرارات، أما المُنتخبة فتعرف أن هذا غباء وأنه سيسقطها في أول انتخاب قادم، فلا تُقدم عليه.