كتب رجب المسلاتي لصحيفة صدى الاقتصادية مقال بعنوان : إلى صديق بعيد هناك..
إلى صديق بعيد هناك هذه رسالتي الثانية لك ولعلّها الثالثة أو الرابعة لم أعد أتذكّر تضررت الذاكرة ولم تعد تنفع معها المكابرة ولا العقاقير لقاؤنا هذه المرة يختلف عن كل لقاءاتنا السابقة في مكانه وموضوعه وظروفه ومناسبته لقاؤنا هذه المرة تم في “زردة” دعاني إليها مع آخرين صديقنا المشترك والمصرفي الكبير في مزرعته في البقاع حينها كنت في زيارة خاصة لبيروت بعد غياب طويل وكسائح هذه المرة كانت تلك الزيارة هي زيارتي الأولي لبيروت بعد انتهاء حرب لبنان الأهلية بفترة ليست طويلة، وكانت أيضاً هي الأخيرة، أثار الحرب علي بيروت كانت لا تزال باقية كم توجّعت على بيروت توجّعت على مكتباتها الزاخرة التي تضم رفوفها القرآن الكريم إلى جانب الإنجيل، وكتاب “رأس المال” لكارل ماركس نبي الاشتراكية إلي جانب كتاب “ثروة لأمم” لآدم سميث رسول الرأسمالية، وفلسفة الثورة لجمال عبد الناصر إلى جانب أشعار يحي حميد الدين إمام اليمن توجّعت على عماراتها التي كانت منيفة وعلى أسواقها التي كانت زاخرة وعلى ملاهيها التي كانت متلألئة، توجّعت على بيروت الحسناء الفاتنة المعطّرة المرفّهة التي أصبحت عجوزا شمطاء تسير متعثرة على أكوام القمامة وأنقاض مبانيها المدمّرة متّكئة على عكاز.
أتتذكر؟؟ أخذتك أو أخذتني، لم أعد أتذكرّ بعيداً عن بقية الضيوف لنتجول في طرقات المزرعة بعيداً عن هرجهم ومرجهم تأمّلت فيك طويلاً لم تعد صديقي الذي تعرّفت به وتعرّف بي منذ زمن في أحد مقاهي شارع الحمراء في بيروت، بدلة فاخرة من “أرماني” وقميص من “كريستيان ديور” وحذاء إيطالي لامع، وعطر باريسي فاخر، قلت لك: خبّرني ماذا حدث هل فزت بورقة “يناصيب” عالية القيمة أم عثرت على كنز من كنوز سليمان؟؟ :كان ردك: وماذا عنك؟؟ ألا توجد أي تطور جديد في حياتك ، قلت لك: دعك عنّى فلست سوى مراب متقاعد لا يلفت الانتباه فقلت رجاء لا ترجع بي لأياّم المراهقة وأحلام اليقظة أبعد عنّى أحلامك المستحيلة لا تزعجني بأوهام الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس اليوم تملك لا شيء لا تساوى شيئاً، تملك ليرة تساوي ليرة تملك مليون ليرة تساوي مليون ليرة قلت لك: لن أزعجك لم أعد قادراً ولا راغباً في إزعاج أحد أريد فقط أن أعرف كان ردّك: أتذكر؟ قلت لك مرّة أننا في لبنان ننقسم إلي ثلاث فئات، فئة فقيرة مهدودة ليس لها هدف غير الحصول علي لقمة العيش، وحكومات عاطلة أو معطّلة لا تفعل شيئا، وفئة غنية لاهية عابثة، قامت الحرب الأهلية إحترق فيها الفقراء وظلّت الحكومة عاجزة لا تفعل شيئاً كما هي دائما، وغادر الأغنياء لبنان للعيش في مناف اختيارية مترفة، لحقت بهم وببساطة عشت بينهم قلّدتهم وفعلت ما كانوا يفعلون وها أنا ذا كما تراني قلت لك: عجباً، قلت لي: فيما العجب المترفون في كل مكان وزمان مصدر فساد وإفساد قلت لك صدق الله العظيم هيا بنا نعود فقد يكون الطعام جاهزاً .