| مقالات اقتصادية
“رمزي الجدي” يكتب مقالاً بعنوان: هل للتنقيب عن الغاز شرق المتوسط علاقة بزيادة معدل الزلازل بالمنطقة؟
كتب الخبير النفطي “رمزي الجدي” مقالاً بعنوان: هل للتنقيب عن الغاز شرق المتوسط علاقة بزيادة معدل الزلازل بالمنطقة؟
مع ازدياد حمى البحث والتنقيب عن الغاز والنفط ومصادر الطاقة الهيدروكربونية في شرق المتوسط بدأ بعض علماء الجيولوجيا في دق نقوس الخطر حول تأثير هذه استخراج الغاز على بيئة المنطقة.
أملاً في الاستفادة من الأزمة الأوروبية وتعويض الإمدادات الروسية من الغاز، والتي تشكل نحو 40 % من احتياجات القارة الاوربية، أصبحت منطقة شرق المتوسط تثير المنافسات والصراعات بين الدول التي تتداخل أو تتقاطع حدودها البحرية، وتزايدت معه المطامع ومحاولات مد النفوذ في مياه المتوسط، وانعكس ذلك بوضوح في استكشاف عدد من حقول الغاز والمسارعة في عملية تحديد الحدود البحرية بين بعض الدول المعنية، أيضا في التنازع على الحدود البحرية، ومحاولات مد المنطقة الاقتصادية لبعض الدول إلى أبعد مسافة ممكنة.
نعم يشكل شرق المتوسط موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية حيث يربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، ولديه احتياطيات تقدر بنحو 3455 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ونحو 1.7 مليار برميل من النفط حسب تقديرات هيئة المساحة الأمريكية عام 2010.
لكنه من جانب آخر يعتبر منطقة تكتونية معقدة للغاية، حيث تصطدم الصفيحة التكتونية الإفريقية، مع الصفيحة الأوراسية في منطقة شرق المتوسط والتي توجد بها بعض الميزات الجيولوجية القليلة تجعل منها منطقة متحركة وغير مستقرة وتسبب في العديد من الصدوع الكبيرة.
ونتيجة لهذه الحركة يوجد على الحدود بين الصفيحتين صدعان كبيران هما صدع شمال الاناضول وصدع شرق الاناضول، كلاهما يبدأ من نقطة مشتركة غرب بحيرة فان التركية، ثم يسلكان طريقين منفصلين. فيمتدّ صدع شمال الأناضول غرباً على طول الجزء المتبقي من شمال تركيا، بينما يمتد الصدع الآخر، وهو صدع شرق الأناضول، نحو الجنوب الشرقي، لينتهي في البحر الأبيض المتوسط، شمال شرق قبرص، وهو المسؤول عن الزلزال الذي ضرب منطقة كهرمان مرعاش بداية هذا الشهر، وحيث أن زلزال تركيا الأخير، هو الأقوى منذ أربع عقود تقريبا فقد جاء بقوة تصل إلى 7،8 على مقياس ريختر. وقد أثارت شدة الزلزال وقوته التدميرية تساؤلات جدية حول تأثير استخراج الغاز في المنطقة على التركيبات التكتونية في شرق المتوسط
فهل هنالك علاقة بين النشاط الزلزالي الذي حصل في تركيا وسوريا وتزايد عمليات استخراج الغاز في شرق المتوسط؟
نظريا يمكن أن يؤدي استخراج الغاز إلى بدء عملية تعرف باسم “النشاط الزلزالي المستحث”,حيث يحدث هذا عندما يتم إزعاج الضغط الطبيعي لقشرة الأرض من خلال عملية الاستخراج، مما يؤدي إلى نشاط زلزالي, في بعض الحالات، يمكن الشعور بتأثير استخراج الغاز على بعد 10 كيلومترات من موقع الاستخراج.
ولكن كيف تتسبب عملية استخراج الغاز في وقوع الزلازل؟
لحث الغاز على الخروج من باطن الأرض هنالك عملية تسمى عملية التكسير الهيدروليكي، (fracking) تتضمن هذه العملية ضخ سوائل مضغوطة (ماء ورمل ومواد كيميائية) في البئر المحفورة بهدف تكسير الصخور وإنشاء ممرات صغيرة في الصخور الجوفية، من أجل فتح المسمات للغاز للخروج من بين الصخور يتسبب التكسير الهيدروليكي في حدوث زلازل دقيقة، بالكاد يمكن اكتشافها أو الإحساس بها، تسمى الزلازل المستحثّة يحدث هذا عادةً بالقرب من مكان تكسير الصخور، على عمق 6000 إلى 12000 قدم تحت الأرض معظم هذه الزلازل أقل من 3 درجات على مقياس ريختر لكن هذا لا يعني عدم وجود خطورة حقيقية؛ إذ إن هناك بعداً آخر لعمليات التكسير الهيدروليكي، كشفت عنه دراسات حديثة، يتعلق بتأثيرها على الصدوع، وما يُسمى صخور الإجهاد، وهي المناطق ذات الحركة العالية، والنشاط الزلزالي الطبيعي، إحدى الدراسات المنشورة في مجلة Science، وجد الباحثون أن ضخ المياه في مناطق الصدوع تسبب في انزلاق الصخور على طول الصدع ، ولم تنتج هذه الحركات “الصامتة” زلازل عند نقطة الانزلاق الأولية، ولكنها زادت الضغط تدريجياً على أجزاء أبعد من الصدوع، ما أدى إلى حدوث زلازل على مسافة أبعد بكثير من منطقة التنقيب.
وأكدت دراسة كندية نشرت عام 2021، وجود أدلة على العلاقة بين استخراج الغاز وبين زيادة النشاط الزلزالي، فقد وثق فريق البحث الكندي نوعاً جديداً من الزلازل الناتجة عن عملية التكسير الهيدروليكي في الصخور بالقرب من أحد آبار الغاز، وقد ساعد هذا في تفسير كيف يمكن للهزات غير المحسوسة التي تحدثها عمليات استخراج الغاز أن تؤدي إلى أحداث زلزالية أكبر.
وذكرت الدراسة أن استخراج النفط والغاز يمكن أن يؤدي إلى حدوث زلازل صغيرة، بطيئة الحركة وطويلة الأمد، والتي وثّقها العلماء في حقول استخراج الغاز الكندية لأول مرة، أظهرت الدراسة التي وثقها العلماء حول بئر الغاز نوعاً جديداً من الإشارات أو الموجات الزلزالية، التي يُطلق عليها “الزلازل الموجية ذات التردد الهجين”، والتي تتميز بسرعة تمزيقها وبقائها لمدة أطول هذه الموجات الزلزالية تؤدي إلى حدوث انزلاقات زلزالية تتفاعل مع الصدوع القريبة، وتؤدي إلى أحداث زلزالية أكبر، على بعد بضع كيلومترات من آبار الغاز.
هذا يعني أن عملية التكسير الهيدروليكي يمكن أن تكون مسؤولة عن وقوع زلازل أكبر في الصدوع القريبة، وهذه الظروف مشابها لزلزال تركيا وسوريا, وربطت دراسة علمية أصدرتها دائرة اوكلاهوما للمسح الجيولوجي نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال سنة 2015 العلاقة بين الزلازل في اوكلاهوما وبين عمليات حقن المياه المنتجة التي تنتج بشكل ثانوي إلى جانب النفط والغاز أثناء عمليات التنقيب، وقد أكدت هذه الدراسة إجماع متزايد بين الباحثين بأن إنتاج الغاز تسبب بنشاط زلزالي في أوكلاهوما وتكساس وأجزاء أخرى من الولايات المتحدة, وقد أصدرت دائرة أوكلاهوما للمسح الجيولوجي بيانا قالت فيه إنها تعتبر “من المرجح جدا” أن معظم مئات الهزات الأرضية التي حدثت في مركز الولاية في السنوات الأخيرة، سببها “حقن المياه المنتجة في آبار تصريف”, يذكر أن أوكلاهوما شهدت سنة 2015 أكثر من 585 هزة أرضية بقوة 3.0 درجات أو أكثر، وهي قوة كافية ليشعر بها سكان المنازل، وهذا المعدل من الهزات يفوق ما وقع من هزات مجتمعة على مدى الثلاثين عاما الماضية.
وقد ضرب أكبر زلزال ناتج عن التصدع الناجم عن التكسير الهيدروليكي، الصينَ في عام 2018، وبلغت قوته 5.7 درجة، وعلى الرغم من أن الزلازل التي هي من صنع الإنسان نادرة، الا انها تمتلك قوة تدميرية كبيرة.
نعم , لا توجد بعد اي دراسة خاصة بمنطقة شرق المتوسط، تُظهر الآثار المترتبة على عمليات استخراج الغاز في المنطقة على النشاط الزلزالي الذي حصل في تركيا وسوريا، لكن الدراسات المشابهة في مناطق أخرى اشارت إلى أن استخراج الغاز الطبيعي المتزايد له تأثير عميق على النشاط الزلزالي في المنطقة. هذه العلاقة، كانت من أحد الأسباب التي دفعت هولندا، إلى وقف التنقيب في حقول نفط وغاز برية جديدة، بهدف السعي الى الحدّ من المخاطر المتعلقة بالنشاط الزلزالي”.
العلاقة بين استخراج الغاز والزلازل لا يمكن إنكارها, على الرغم من أن العديد من الناس ينكرون وجود علاقة متبادلة، إلا أنها حقيقة مدعومة بالبحوث والبيانات، ويجب أن تؤخذ العلاقة على محمل الجد ويجب أن يكون هنالك تنظيم لعملية استخراج الغاز وفق الطبيعة الجيولوجية لكل منطقة، فإذا سمح باستمرار عمليات استخراج الغاز دون تنظيم مناسب، فإن خطر حدوث زلازل أكثر قوة يزداد كل يوم.