أكد المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا “غسان سلامة” أن الاقتصاد الليبي الذي عانى كثيرا خلال السنوات الثلاث الماضية، آخذٌ في الاستقرار في ظلّ ارتفاع قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية والانخفاض في الأسعار وحلحلة أزمة السيولة، مضيفا أنه لابد من بذل المزيد من الجهد لتحقيق اقتصاد يتسم بالازدهار والمرونة والشفافية.
الآثار الإيجابية للإصلاحات الاقتصادية
وقال “سلامة” في كلمته اليوم الجمعة بمجلس الأمن إنه نتيجة لما تم اتخاذه من تدابير اقتصادية شهر سبتمبر الماضي، فإن سعر صرف الدينار الليبي أمام الدولار الأمريكي في السوق السوداء شهد انحسارا كبيرا واستقر عند 4.3 دينار للدولار الواحد بعد أن وصل إلى عشرة دنانير في العام الماضي، الأمر الذي أثر إيجابا على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث انحفضت أسعار السلع بشكل كبير وصلت في بعض الأحيان إلى نسبة 40%.
وأضاف أن الإجراءات الاقتصادية المتخذة ساهمت كذلك في التصدي لأزمة السيولة، حيث أصبحت مشاهد الطوابير الطويلة للناس أمام المصارف للحصول على فتات أموالهم جزءا من الماضي، ولا تزال الحكومة تعمل على تعزيز ذلك وتوفير السبل للقضاء نهائيا على أزمة السيولة، كما قام وزيرا المالية والاقتصاد بإعادة تشكيل كوادر وزارتيهما وتنقيتها أملاً في تحسين أداء عمليهما خلال الأيام القليلة القادمة.
توحيد المصرف المركزي يبدأ بالمراجعة المالية في طرابلس والبيضاء
وأكد “سلامة” في كلمته أن البعثة الأممية تعمل بالتعاون مع شركائها على المراجعة المالية للمصرف المركزي في طرابلس والبيضاء، الأمر الذي يعتبر خطوة كبيرة من شأنها أن تسهل توحيد المصرف المركزي وإنهاء حالة الانقسام الذي تشهده هذه المؤسسة على مدى أكثر من أربع سنوات.
وقال المبعوث الأممي أن الاتحاد الأوروبي أرسل استشاريين متخصصين في مجال الجرائم المالية، كما أن العاملين في مصرف ليبيا المركزي تمكنوا من تلقي التدريب التخصصي من قبل بنك بوندسبانك بالتعاون مع الحكومة الألمانية، مشيرا إلى أن جهود المراجعة المالية للمصرف المركزي لا تزال جارية على قدم وساق.
وأضاف “سلامة” أن البعثة الأممية ساهمت في إبرام اتفاقية بين المصرفيْن المركزييْن في طرابلس والبيضاء بشأن شروط المراجعة المالية والتي ستكون بإشراف البعثة وستفضي إلى مراجعة واسعة لكشوفات التعاملات المالية منذ الانقسام الذي طال المؤسسة في 2014، الأمر الذي يعتبر خطوة جبارة نحو الوصول إلى توحيد المصرف المركزي مجددا.
إنتاج النفط ناهز المليون برميل ويجب إيجاد حل لإقفال الحقول
وفيما يتعلق بإنتاج النفط قال “سلامة” إن ليبيا استطاعت خلال الأشهر الماضية الوصول إلى أرقام جيدة وناهز إنتاجها من النفط المليون برميل يوميا، الأمر الذي أدى إلى تحسن إيرادات الدولة وهي في أمسّ الحاجة لزيادة مواردها.
بالمقابل أشار المبعوث الأممي إلى أن الاضطرابات التي طالت حقول النفط في الجنوب الليبي نتيجة لانعدام الخدمات في المنطقة أدت إلى الانخفاض في معدل الإنتاج الذي حدث مؤخراً، ونوّه إلى ضرورة إيجاد حل لهذه التظلمات دون وضع اقتصاد البلاد على المحك.
أهالي الجنوب يعانون الإهمال المجحف ولابد من تقديم الدعم لهم بشكل حاسم
وتطرق “سلامة” إلى ما تتعرض له المنطقة الجنوبية من إهمال، مشيرا إلى أنه وعلى الرغم من سنوات من الوعود بإيجاد حل للوضع فيها، إلا أن الظروف آخذة بالتدهور على نحو مفزع، والمواطنون هناك يقاسون المصاعب الفظيعة من وحشية تنظيم داعش إلى خوضهم في برك من مياه الصرف الصحي، فضلاً عن غياب الأمن ووجود المرتزقة الأجانب والمجرمين.
وناشد “سلامة” الحكومة والمجتمع الدولي للإسراع في تقديم الدعم للمنطقة الجنوبية بشكل حاسم، وأكد على ضرورة أن تضطلع السلطات الليبية بدورها لتحمل هذا العبء محذرا من مغبة التقاعس في تقديم الدعم للجنوب، حيث أن غضب الأهالي قد يترجم إلى هجمات على أنابيب المياه والمرافق النفطية، الأمر الذي يؤثر على اقتصاد ليبيا الذي يسير بخطى بطيئة نحو الانتعاش.
معاناة الليبيين وتردي الخدمات
وذكر “سلامة” خلال إحاطته بمجلس الأمن أن جميع الليبيين يعانون من تردي الخدمات العامة، كما أن المحتجزين في السجون والمهاجرين والصحافيين وأعضاء هيئة القضاء وغيرهم لا يزالون يتعرضون للإساءة وأعمال العنف على أيدي المجموعات المسلحة بينما يعاني الآلاف من ظروف إنسانية مقلقة، والعديد من المدنيين لا يزالون يعيشون في خوف من سقوط الضحايا جراء أعمال العنف.
وأشار إلى معاناة المواطنين في أماكن الاشتباك، حيث قال إن النزاع في مدينة درنة تسبب في سقوط شهداء في صفوف المدنيين وتعرضت أسر بكاملها للتهجير وسرقة محتويات منازلها، وشدد على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية دون قيد أو شرط وبشكل مستدام للمتضررين من المدنيين العالقين في المدينة، كما نوّه إلى تحرك الجيش الليبي إلى الجنوب والقتال الدائر هناك مؤكدا على ضرورة اتخاذ جميع التدابير الكفيلة بحماية أرواح المدنيين والمرافق المدنية والالتزام بالقانون الإنساني.
بوادر أمل تلوح في الأفق للمضي قدما نحو الاستقرار
وأكد “سلامة أنه رغم كل ما ذكر فإن بوادر الأمل ما تزال تلوح في الأفق من خلال ما لمسته البعثة في الأشهر القليلة الماضية من تقدم في مساعي تحقيق الاستقرار في البلاد وتحسين حياة الشعب الليبي.
وأثنى المبعوث الأممي على التغييرات الجديدة بحكومة الوفاق الوطني بتعيين وزراء جدد في بعض الوزارات الحيوية كالصحة والحكم المحلي، مشيرا إلى أن تلك التغييرات ساهمت في توسيع البعثة لنطاق دعمها لتقديم الخدمات والإصلاحات.
لابد من تحسين الأمن في عموم البلاد
وأوضح “سلامة” أن البعثة الأممية تواصل تعاونها مع وزارة الداخلية من خلال تقديمها للمساعدة الفنية للجنة الترتيبات الأمنية التي تم استحداثها وإنشاء مركز العمليات المشتركة المناطة به مهمة تنسيق الخطة الأمنية لطرابلس الكبرى وتنفيذها، مضيفا أنه لا يزال هناك المزيد من الأمور التي يتعين إنجازها إلا أن هذه المبادرات أسهمت في إعادة الهدوء إلى المدينة.
وأكد المبعوث الأممي على ضرورة تحسين الأمن في عموم البلاد خصوصا وأن الإرهابيين يهاجمون مدناً وبلدات عديدة، آخرها الهجوم الذي شنه تنظيم داعش في شهر ديسمبر الماضي على وزارة الشؤون الخارجية في طرابلس، إضافة إلى الاشتباكات المتفرقة التي لا تزال تحدث في عموم البلاد من قبل المجموعات المسلحة التي تسيطر على معظم سبل إنفاذ القانون عوضاً عن ضباط أمنيين محترفين.
لا يمكن النجاح إلا بوجود قيادة وطنية موحدة
واعترف “سلامة” أنه وبالرغم من كل الجهود فإنه لا يمكن النجاح في ظل غياب القيادة الوطنية الموحدة والمتضافرة، مضيفا أن المكاسب التي حدثت إلى الآن هي مكاسب هشة وقد تضيع أو ربما قد تنهار في نهاية المطاف في ظل البيئة السياسية الحالية، حيث سيجد النهابون طرقًا للتحايل على الإصلاحات الاقتصادية، وستختار الأطراف على الأرض العنف عوضا عن السياسة، والأحداث الأخيرة التي وقعت في طرابلس خير مثال على ذلك.
وأضاف أنه لابد من معالجة الاختلالات الأساسية للدولة الليبية والتي تعززها شبكة معقدة من المصالح الضيقة وإطار قانوني مختل ونهب لثروات البلاد الكبيرة، مشيرا إلى أن الليبيين فقط هم القادرون على إيجاد مسار يخرجهم من هذه الضائقة والسير نحو الاستقرار والازدهار.
البعثة الأممية تسعى لتعزيز جهود دعمها
ونوّه “سلامة” إلى أنه وسعياً لتعزيز جميع جوانب جهود الدعم المقدمة من الأمم المتحدة، عادت البعثة الأممية للعمل من داخل الأراضي الليبية بكامل طاقتها، مضيفا أنه يتوقع إعادة فتح مكتب البعثة في مدينة بنغازي أواخر هذا الشهر، وفي حال سمحت الظروف الأمنية سيتم فتح مكتب البعثة في الجنوب خلال العام الجاري.
المؤتمر الوطني الجامع سيجمع الليبيين لتقرير مصيرهم
وفيما يتعلق بمستقل العملية السياسية أكد “سلامة” أن البعثة تسعى لتسهيل عقد مؤتمر وطني يناقش فيه الليبيون مشاكلهم، مضيفا أن الليبيين سوف يجتمعون من جميع أنحاء البلد نساءً ورجالا في مكان واحد ويقررون بأنفسهم مسارهم إلى نهاية المرحلة الانتقالية.
وأضاف أن البعثة تعمل ليلًا ونهارًا لضمان نجاح هذا المؤتمر والاتفاق على مكوناته الأساسية للتوصل إلى إجماع جديد على أجندة وطنية لإعادة بناء دولة مدنية ليبية قادرة وموحدة من قبل اللاعبين الرئيسيين، مشيرا إلى أن الأوان قد حان لأن تستجيب الطبقة السياسية للنداءات التي تدعوها إلى تجاوز فهمها الضيق للحكم والذي يستند على المصالح الشخصية.
الليبيون يرغبون في إجراء الانتخابات في أسرع وقت
وأكد المبعوث الأممي في كلمته أن الليبيين يرغبون في إجراء الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة، وينبغي أن تكون إحدى المخرجات الاساسية للمؤتمر الوطني هي تحديد المسار الانتخابي المقبل.
وأضاف أنه ينبغي وجود دعم سياسي حقيقي لأي انتخابات تجرى فضلا عن ضمان قبول الجميع واحترامهم لنتائجها والتمويل مطلوب، كما يتيعن تحديد الترتيبات الأمنية للاستحقاقات الانتخابية، مشيرا إلى أن مشاركة أطراف الوضع الراهن في المؤتمر الوطني سيجعل معالجة الكثير من هذه الأمور بسلاسة أكبر.
دعم المجتمع الدولي كفيل بإيقاف المعرقلين
واختتم “المبعوث الأممي إحاطته أمام مجلس الأمن بالقول إن هناك من سيسعون إلى تقويض المؤتمر الوطني الجامع ونتائجه خصوصا أولئك الذين يأملون تأخير الانتخابات حتى يظلوا في مناصبهم، مضيفا أنه بدون دعم المجتمع الدولي فإن المعرقلين سيعمدون إلى تخريب العملية السياسية وإفشال أي تقدم، وإذا سمح لهذا بأن يحدث فسيتراجع تقدم ليبيا سنوات الى الوراء مما سيفتح الباب أمام من يؤمنون فقط بالحل العسكري لمشاكل ليبيا.
وأضاف أن دعم المجتمع الدولي لجهود البعثة أمر ضروري وهام لإنجاح المؤتمر الوطني الجامع والانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، مشيرا إلى أن كل ذلك هو أساسي لتعزيز التحول في ليبيا لتصبح دولة مستقرة وآمنة ترتكز على الهيئات الموحدة والمؤسسات المنتخبة ديمقراطيا.