كتب: د. عبدالله ونيس الترهوني أخصائي إقتصاديات النقل
عادةً ما يكون لدى البلدان المتقدمة ذات المستويات الأعلى في الناتج المحلي الإجمالي GDP عالمياً أنظمة ضمان اجتماعي أكثر شمولاً من البلدان النامية، وتُشكل شبكات الأمان الاجتماعي فيها عاملاً رئيسياً ضمن الحماية الاجتماعية والذي يدفع بعجلة النمو الاقتصادي للأمام، ويمكن لبرامج الآمان الإجتماعي من توفير رأس المال البشري لصالح الأطفال والبالغين على حد سواء، والذي بدوره سيؤدي إلى زيادة الإنتاجية من جهة، وإلى تحصين الفقراء من الصدمات الاقتصادية أو الطبيعية وبالأخص المناخية منها من جهة أخرى، وأن كل هذا سيصب حتماً في خانة ضخ المزيد من الاستثمارات في الزراعة (المدعومة بالتقنية الحديثة)، والتي بدورها تساعد المزارعين على تحسين دخولهم.
ومن جانب آخر، يمكن لشبكات الآمان الاجتماعي أن تخفّف من حدة الفقر، وسرعة التأثر بالأزمات عن طريق تقليص تداعيات الصدمات السلبية على الفقراء والمهمّشين: فمن دون شبكات الآمان الاجتماعي قد تغرق الأُسر الفقيرة أكثر فأكثر في لجّة الفقر، وقد تُلقي الصدمات الاقتصادية بثقلٍ أكبر على الأسر ذات الدخل المتدنّي أو المحدود، وعلى الرغم من أن شبكات الأمان الاجتماعي بمناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى ليست على درجة كافية من السخاء إلا أن خبراء صندوق النقد الدولي صنفوا التحديات التي تُعرقل نجاح عملها في ثلاثة تحديات رئيسية وهامة، وهي:
1- الفقر: حيث يبلغ الفقر في أوساط الأطفال نسبةً عاليةً جداً، فعلى سبيل المثال يعيش نحو ثلث الأطفال في اليمن دون مستوى خط الفقر، كما تزيد نسبة الفقر في المناطق الريفية عنه في المناطق الحضرية.
2- فرص العمل وعلاقتها بالتعليم: حيث تُشكّل مستويات التعليم المتدنية تحدياً رئيسياً، كما يقع عمل الفقراء في معظم هذه المناطق ضمن الإطار غير الرسمي، فهم لايتلقون أجراً جيداً، كما أنهم لايتحصلون على كل المنافع من الوظيفة.
3- الإقصاء الاجتماعي: إنّ وجود أو فرض المزيد من القيود وعدم إمكانية الوصول إلى فرص العمل والخدمات الاجتماعية يعني إستبعاد بعض الفئات: مثل النساء والمعاقين والمهجّرين.
وبحسب تقريرالبنك الدولي للعام 2018 فقد أنتجت هذه التحديات عديد الفوارق، ونتج عنها صعوبات في عمل شبكات الآمان الاجتماعي، والتي تميزت بإنعدام الفعالية كنتيجة مباشرة لهذه التحديات، وبعبارة أوضح فإن تركيز أغلب برامج شبكات الأمان الاجتماعي ينصب على إعانات الوقود، وهي بكل أسف طريقة غير فعالة كونها تصب في مصلحة الأغنياء أكثر منها في خانة الفقراء، أضف الى ذلك التباين في البرامج: حيث يوجد طيف متنوع في أوساط شبكات الآمان الاجتماعي في مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، فبينما تمتلك العراق وسورية عدد قليل من برامج شبكات الأمان الاجتماعي، وهذه الشبكات لاتوفر إعانات مباشرة للفقراء، فإنه في الوقت ذاته يتجاوز عددها عشر برامج في كل من الأردن والمغرب، كما أن الطرق المستهدفة والوسائل للوصول للفقراء قد رافقها خلل في نظام عمل شبكات الآمان الاجتماعي، وبالتالي لجأت أغلب الدول إلى إعتماد طريقتين : الأولى وتشمل إستهداف شرائح محددة من المجتمع كالاطفال والأيتام والمعاقين بغرض رعايتهم، وللحد من نقص التغذية في الأجل الطويل، والثانية تستهدف مناطق محددة، وهذه الطريقة تُعد أكثر فاعلية في حال تم تركُّيز العمل بها على مستويات الفقر في مناطق معينة (رأسياً) بدلاً من توزّيعها أفقياً في كل أرجاء البلاد.
لقد أطلقت الامم المتحدة النسخة الاخيرة من أهداف التنمية المستدامة (2015- 2030 ) وهي تهدف في مجملها إلى سعادة الانسان في حدود الموارد الطبيعية المتاحة وضمن بيئة نظيفة، وبما يضمن حقوق الاجيال القادمة في هذه الثروات، والجدير بالذكر أن منظمة الأغذية والزراعة ( فاو) قد قامت في السنوات الاخيرة بضم جهودها إلى جهود كل من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ووزارة التنمية من الحماية إلى الدولية بالمملكة المتحدة، وسبعة بلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وذلك بهدف دراسة تأثير برامج التحويلات النقدية على عملية إتخاذ القرارات الاقتصادية وأثرها على الأُسر، وعلى الاقتصاد المحلي، ويسعى هذا المشروع إلى فهم الأثر المحتمل على الفقراء الريفيين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والتي يمكن أن تُساهم في الحد من الفقر، وهي تعمل في الوقت ذاته على تحقيق النمو الاقتصادي وبصورة مُستدامة للُأُسر والمجتمعات المحلية، والذي يتم تحقيقه بواسطة عدد من الآليات والوسائل ، نذكر منها: إستخدام آليات إدارية مشتركة، والتسجيل الموحد للمستفيدين، والأساليب المشتركة لتحديد وتحقيق الهوية، وتحديد المستهدفين، والنظم المشتركة للرصد والتقييم، وطرق التحويلات المتكاملة والمتزامنة، مستفيداً من البيانات المتوفرة، وبالأخص برامج التحويلات النقدية من أجل اليتامى والأطفال الضعفاء في كينيا، ومشروع تيغراي الريادي للتحويلات النقدية الاجتماعية في إثيوبيا وملاوي وزيمبابوي ، وبرنامج تمكين كسب الرزق من أجل مكافحة الفقر في غانا، وبرنامج مِنَح الأطفال في ليسوتو وزامبيا.
لقد أوصى صندوق النفد العربي بإجراء إصلاحات تقوية لشبكات الأمان الاجتماعي العربية لأجل تحقيق عدد من الأهداف: كزيادة المخصصات المالية الموجهة إلى شبكات الأمان الاجتماعي، وتوسيع نطاق تغطية المستهدفين، وتحسين آليات استهداف الفئات المستحقة، والتحول إلى برامج الدعم النقدي المباشر، وتطوير سبل إدارة شبكات الأمان الاجتماعي بما يضمن زيادة مستويات كفاءتها وفاعليتها، ومن جانبها فإن الولايات المتحدة الامريكية قد أوجدت برامج الأمان الاجتماعي، ثم نظمتها بموجب قوانين تحفظ للإنسان كرامته وأمنه وتشمل:
1- تأمين البطالة بما يوفر للعمال حماية أساسية للدخل عندما يتعطلون عن العمل مؤقتاً، وبما يساعدهم على الحفاظ على الاستهلاك فى أوقات الشدة .
2- برامج التعليم والتدريب ” إعادة التأهيل ” للعمال الذين سُرحوا من وظائفهم لغرض تحسين قدراتهم، وبما يمكنهم من الحصول على وظائف أفضل .
3- تقديم قروض للطلاب الذين ينتمون إلى أسر منخفضة / محدودة الدخل .
4- إئتمان ضريبة الدخل المكتسب، ومنافع التأمين الصحي كعناصر فاعلة ضمن شبكة الأمان للعمال ذوى الأجر المنخفض.
ختاماً، بدون أدنى شك أن هناك عدد من المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس آداء برامج شبكات الأمان الاجتماعي لتحديد الفجوة بين الأداء الفعلي للبرامج والآداء المستهدف، أذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر:
- نسبة السكان تحت خط الفقر والذين شملتهم برامج الدعم النقدي.
- عدد الأسر الفقيرة المستفيدة من برامج الدعم النقدي.
- حجم الإنفاق على شبكات الأمان الاجتماعي.
- نسبة النساء المستفيدات من برامج شبكات الأمان الاجتماعي لا سيما فيما يتعلق بالمرأة التي تعول أسرة.
- عدد أطفال الأسرة المستحقة للدعم والمنتظمين في التعليم.
- عدد الإناث المستحقات للدعم والمستفيدات من برامج الرعاية الصحية.
يتبع…
رابط الجزء الأول من المقال: