لا يزال مصير الطلبة الليبيين الموفدين للدراسة في الخارج مجهولا، في ظل الصراع الحاصل بين مصرف ليبيا المركزي من جهة ووزارة التعليم بحكومة الوفاق الوطني من جهة أخرى .. صراعٌ تمسكَ فيه كل طرف بموقفه دون مراعاة لمعاناة آلاف الطلبة الليبيين الذين بات مستقبلهم على المحك، ومجهود سنوات يوشك أن يذهب هباء منثورا، صراعٌ واتهاماتٌ، واتهاماتٌ مضادة، وتستمر القضية والطلبة همُ الضحية.
بداية قصة معاناة تحويل الربع الثاني للطلبة الليبيين الدارسين بالخارج
القضية طفت على السطح قبل بضعة أشهر عندما استلم وزير التعليم الجديد المفوض بحكومة الوفاق الوطني “عثمان عبد الجليل” مهام الوزارة نهاية شهر أبريل الماضي، ومنذ توليه الوزارة أكد الوزير الجديد في عدة تصريحات على عزمه مراجعة هيكلية الوزارة والإدارات التابعة لها والملحقيات الثقافية والتدقيق في أوراق الطلبة الموفدين للدراسة بالخارج في مختلف الساحات الدراسية والقضاء على الفساد في إدارة البعثات.
ومع بداية عمل الوزير الجديد وجد أمامه ملف إتمام إجراءات تحويل الربع الثاني للطلبة الليبيين الدارسين بالخارج والذي تضمّن طلبة تفويضات 25-1، وأمر الوزير في حينه بضرورة التدقيق في أسماء وأوراق وإجراءات الطلبة قبل الإذن بصرف الربع الثاني .. وبالفعل تمّ تشكيل لجنة من قبل الوزارة لدراسة مسألة التفويضات المالية للطلبة، كما طالب الوزير المفوض الطلبة الدارسين في الخارج بضرورة استكمال بعض الإجراءات الإدارية لتصحيح بعض الأخطاء التي تسببت في تعطيل التفويضات في السابق.
وعود وانتظار بلا جدوى
وبعد عدة أسابيع من الانتظار والطلبة يشتكون تأخر وصول منحة الربع الثاني وما تبع ذلك من صعوبات مادية للطلبة الموفدين وعائلاتهم خصوصا مع ارتفاع سعر الصرف إلى مستويات غير مسبوقة، ومتطلبات الحياة المعيشية في الدول الأجنبية، خرج الوزير ليطمئن الطلاب الليبيين الدارسين في الخارج على إجراءاتهم الإدارية والمالية، مؤكدًا أن الوزارة تولي اهتمامًا خاصًا بتذليل كل المشاكل والعراقيل التي تعترض مسيرة الطلبة الدراسية بكافة التخصصات في مختلف دول العالم.
وطال الانتظار والقضية لم تُحَلّ رغم كثرة الوعود، حتى أن بعض الطلبة الليبيين الدارسين في ماليزيا اعتصموا أمام السفارة الليبية في العاصمة كوالالمبور مطالبين بصرف منحهم الدراسية، وبعضهم الآخر يئس من إمكانية وصول المنحة وعاد إلى ليبيا لعدم قدرته على تحمل الأعباء المالية، وبعد مرور فترة طويلة وتحديدا في التاسع من أغسطس خرج علينا الوزير ليقدم اعتذاره للطلبة عن التأخر في إحالة الربع الثاني وأمر بفتح تحقيق لمعرفة أسباب تأخر صرف منح الطلبة ومحاسبة المتهاونين في استكمال الإجراءات.
الوزير يحمّل المصرف المركزي المسؤولية
ومع تواصل معاناة الطلبة دون حلول وفي بداية شهر سبتمبر الحالي وجه وزير التعليم المفوض “عثمان عبد الجليل” كلمة للطلبة الدارسين في الخارج أكد فيها أن مصرف ليبيا المركزي هو من يعرقل صرف منح الطلبة ورفض إحالة الربع الثاني للطلبة طالما أن القائمة المحالة من التعليم تحتوي على بعض من طلبة التفويضات 25-1.
وأضاف أن الوزارة تنظر لكل الطلبة الليبيين بنفس المنظار، والطلبة أصحاب التفويضات 25-1 المتواجدين ببلد الدراسة والملتحقين بجامعاتهم ولعدة سنوات قد تقرر صرف منحهم الدراسية من قبل وزارة التعليم، وهي صاحبة الرأي الأول والأخير في هذا الشأن لأنه من صلب اختصاصاتها ولا يحق لأي جهة أخرى بالتدخل في اختصاصات الوزارة.
ولوّح الوزير في كلمته بالاستقالة، مشيرا إن الحلول الثلاثة التي لديه لحل القضية هي إما أن يحال الربع الثاني لجميع الطلبة بمن فيهم طلبة التفويضات 25-1 وكما أحالته الوزارة لجهات الاختصاص، وإما أن لا يحال الربع الثاني لأي طالب ويتحمل مسؤولية ما ينتج عن ذلك الجهة التي تعرقل إحالته، أو أن يستقيل الوزير من منصبه ليأتي من يقوم بفصل من يشاء والصرف على من يشاء، بحسب كلام الوزير.
وزارة المالية تخلي مسؤوليتها
من جهتها أكدت وزارة المالية بحكومة الوفاق الوطني أن الوزارة استكملت دورها فيما يخص التفويضات المالية الخاصة بالربع الثاني للطلبة الموفدين للدراسة بالخارج بعد إحالة الإجراءات لمصرف ليبيا المركزي، مضيفة أن أمر تعطيل الربع الثاني للطلبة الموفدين للدراسة بالخارج هو أمر خارج نطاق اختصاص الوزارة.
وأوضحت الوزارة في بيان لها أنها تابعت الإجراءات المتخذة من وزارة التعليم بشأن إعداد الربع الثاني لعام 2017 للطلبة الدارسين بالخارج، خصوصا تلك المتعلقة بالطلبة الجدد تفويضات (27,26,25)، مشيرة إلى أنه وفور استكمال وزارة التعليم إجراءات الإعداد والمراجعة وأحالتها لوزارة المالية؛ قامت الوزارة بدورها وفقا للتشريعات المالية النافذة بإحالة الإجراءات لمصرف ليبيا المركزي.
المصرف المركزي يردّ ويتّهم الوزير بالتضليل وصنع بطولات وهمية
وبعدها خرج علينا المصرف المركزي ببيان يفند فيه اتهامات وزير التعليم، معتبرا أن تصريحاته التي اتهم فيها المصرف بعرقلة إجراءات تحويل الربع الثاني للطلبة الليبيين الدارسين بالخارج تضّمنت مغالطات وتضليل للرأي العام وصنعٍ لبطولات وهمية وتحريض غير مبرر تجاه المصرف المركزي.
وأوضح المصرف المركزي أنه ملتزم بتنفيذ قرارات لجنة الأزمة التي نصّت على تأجيل تنفيذ قرارات الإيفاد للدراسة بالخارج الصادرة بعد القرار رقم 24، والتي جاءت ضمن برنامج متكامل لترشيد الإنفاق العام للدولة، بحسب ما جاء في بيان المصرف.
وطالب المركزي وزارة التعليم بضرورة إحالة مستحقات الربع الثاني للطلبة بشكل عاجل وفقا لما هو معمول به سابقا، مضيفا أن المصرف لا يرى مبررا للربط بين صرف هذه المستحقات وتنفيذ قرارات الإيفاد اللاحقة للقرار 24، إذ لا يُعقل بحسب ردّ المصرف، معاقبة أكثر من 8000 طالب بالخارج لمجرد الرغبة في إقحام أسماء الطلبة المؤجلة قراراتهم بعد القرار 24.
وزير التعليم يرمي الكرة مجددا في ملعب المصرف المركزي
ولم يتأخر رد وزير التعليم طويلا، بعدما عاد في تصريحات تلفزيونية ليؤكد أن المصرف المركزي هو من عطل صرف مستحقات الربع الثاني للطلبة الدارسين بالخارج برفضه إدراج أسماء الطلبة المؤجلة قراراتهم، معتبرا المبررات التي يتحجج بها المركزي غير مقنعة خصوصا وأن الوزارة توصلت معه إلى حل في هذا الشأن لم يتم تنفيذه إلى الآن، على حد تعبير الوزير.
وقال إنه عندما استلم الوزارة شهر أبريل الماضي كانت التفويضات 25 و26 و27 من 2014 والتفويض 1 من 2015 وعددهم 1423 طالبا ضمن الربع الثاني ولم تكن قد صرفت لهم المنحة من قبل، واعترف أنه كان مسؤولاً عن تأخير إقرار الربع الثاني لثلاثة أسابيع بسبب هذه التفويضات، وذلك حتى يتمّ مراجعتها والتدقيق في إجراءات طلبة تلك التفويضات.
وأضاف الوزير أنه شكل لجنة لبحث ملفات هذه التفويضات والتي أنهت عملها خلال أيام وثبت من كان يستحق ومن لا يستحق وتم نشر ذلك في الصفحة الرسمية للوزارة، ومن ثمّ حولت الوزارة الملف إلى الخزانة وديوان المحاسبة ومنها إلى مصرف ليبيا المركزي الذي أوقفه أكثر من مرة، وفي كل مرة كان الملف يحصل على موافقات الخزانة وديوان المحاسبة ويتوقف عند المصرف المركزي.
المركزي يتمسك بقرار لجنة الأزمة ويتهم الوزارة بتأخير صرف منح الطلبة
من جديد استمر الجدل واستمرت القضية بين اتهامات واتهامات مضادة وعاد مصرف ليبيا المركزي ليرد على وزير التعليم ببيان طالب فيه بضرورة تعجيل إحالة مخصصات الربع الثاني لعدد 8500 طالب وفق السياق المتبع تخفيفا لمعاناة الطلبة الدارسين بالخارج، معتبرا أن قيام وزارة التعليم بإقحام أسماء 400 طالب ضمن تحويلات منح الطلبة للربع الثاني من هذا العام مخالف لقرار لجنة الأزمة.
وأضاف أن إصرار وزير التعليم على ربط مصير أكثر من 8500 طالب دارس بالخارج بتمرير 400 اسم تمت إضافتهم مؤخرا، يطرح تساؤلات حول آلية اختيار تلك الأسماء من بين قرارات الإيفاد الأخرى المؤجلة بعد القرار رقم 24 على حد وصف بيان المصرف، معتبرا أن اتهامات الوزير له بوقف تنفيذ قرارات الإيفاد مغالطة كبيرة.
وأوضح المركزي في بيانه أن قرار التأجيل صدر عن لجنة الأزمة بناءً على مبررات تتعلق بأوضاع الأزمة المالية التي تمر بها البلاد وتدني إيرادات الدولة خلال السنوات الثلاث الماضية والعام الحالي، وأبدى المصرف استعداده للتحاور مع المجلس الرئاسي والمؤسسات المعنية في الدولة، لحلحلة مشكلة الـ400 طالب الدارسين بالخارج بما لا يتعارض ومقتضيات الأزمة.
معاناة الطلبة مستمرة والكل يتنصل من المسؤولية
ووسط كل ذلك ضاع الطلبة الليبيين الدارسين في الخارج وازدادت معاناتهم وأحوالهم سوءا بعد أشهر طويلة دون صرف منحهم التي هي من حقهم دون ذنب اقترفوه إلا كونهم ذهبوا ضحية صراع طال أمده بين المسؤولين الذين تشبثوا بآرائهم دون النظر لمعاناة أكثر من 8400 طالب وربما أسرة ليبية تعني الأمريْن من ضيق العيش وتقطع السبل في بلد المهجر ومستقبل على وشك الضياع بسبب تعنت المسؤولين.
واختلفت ردود الطلبة فيمن يُحمِّلُونَهُ مسؤولية معاناتهم، هل هو وزير التعليم أم محافظ مصرف ليبيا المركزي أم من تحديدا ..
فقال أحد الطلبة : “الوضع كارثي يا سيادة المحافظ، الطلبة في الخارج تعاني من تراكم الديون والتسجيل بدأ في الجامعات، ونحن ليس لدينا قدرة على دفع رسوم الدراسة، ولدينا جميع الإفراجات، ولجنة الازمة انتهت وتحصلنا على الإفراج من الرئاسي، ارحمونا الله يرحمكم!” بحسب ما جاء في تعليق أحد الطلبة.
وتحدث طالب آخر من طلبة التفويضات 25 قائلا : “نحن طلبة نعانى لمدة سنتين نتيجة إصرار وتعنت المصرف بعدم صرف منحتنا، على الرغم من تحصلنا على الإفراجات من لجنة الازمة وديوان المحاسبة ووزارتيْ التخطيط والمالية”، وأضاف معترضا على بيانات المصرف بالقول : “وجود أسمائنا ضمن قوائم الربع الثاني ليس إقحاما؛ بل هو حق خوله لنا القانون”.
بالمقابل قال طالب آخر : “أنا كطالب أتبع وزارة التعليم وليس المصرف المركزي، ووزير التعليم هو المسؤول، واليوم وجدتُ نفسي بين وزير يخلي مسؤوليته ويقول المصرف هو السبب، ومصرفٍ يخرج ببيانات ليقول وزير التعليم هو السبب”، وأضاف “ما علاقتي أنا بالمصرف، أنا طالب مسؤول منك يا وزير التعليم ولستُ مسؤولا من محافظ المصرف، والأولى أن وزير التعليم هو من يتنازل ليجد أسرع الحلول وأخفها ضررا لمصلحة الطالب”.
اجتماع للرئاسي لمحاولة إيجاد حلّ للقضية
وفي الحادي عشر من سبتمبر اجتمع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني “فائز السراج” مع رئيس ديوان المحاسبة ووزراء التعليم والمالية والتخطيط والاقتصاد لمناقشة التأخير في صرف الربع الثاني للطلبة الدارسين بالخارج وذلك نظراً لعدم إحالته من مصرف ليبيا المركزي.، ومحاولة إيجاد الحلول لهذه القضية.
وتناول الاجتماع المبررات التي ساقها المصرف المركزي لعدم إحالته هذه التفويضات والتي اعتمد فيها على محضر الاجتماع السادس للجنة معالجة الأزمة بالمؤتمر الوطني العام لسنة 2015، والذي ينص في أحد مواده على وقف إصدار أي قرارات جديدة بالإيفاد للدراسة بالخارج مع تأجيل قرارات الإيفاد الصادرة بعد القرار رقم 24 لسنة 2014 وهي القرارات 25 و26 و27 والقرارات 1 و2 و3 لعام 2015، وذلك إلى حين تحسن الأوضاع المالية للدولة”.
كما ناقش الاجتماع القرار رقم (5) لسنة 2017 للمجلس الرئاسي بخصوص لجنة الترتيبات المالية، والذي تم اعتماداً على نتائج مشاورات المجلس الرئاسي مع ديوان المحاسبة ومصرف ليبيا المركزي نهاية العام الماضي بشأن وضع وتنفيذ ترتيبات مالية والذي أشار في الباب الثالث منه والخاص بالدراسات العليا والبعثات إلى تخصيص مبلغ 700 مليون دينار لهذا البند.
وتمخّض الاجتماع عن توجيه رئيس المجلس الرئاسي لخطاب لمحافظ مصرف ليبيا المركزي أشار فيه إلى حساسية وضع الطلبة الليبيين بالخارج وعائلاتهم والتي لم تتقاضى منحها الشهرية منذ أشهر، واعتبر فيه أن توصيات لجنة معالجة الأزمة فيما يخص البعثات الدراسية غير ملزمة لسياسة حكومة الوفاق الوطني ووزارة التعليم بعد صدور القرار رقم (5) لسنة 2017 بشأن الترتيبات المالية.
كما تضمّن الخطاب ضرورة تضمين التفويضات المالية (25 و26 و27) لعام 2014، و(1) لعام 2015 في الصرف بدايةً من الربع الثاني لعام 2017 حسب اللوائح والقوانين المعمول بها، وإلزام وزارة التعليم بالصرف ضمن المخصصات المذكورة للوزارة في القرار رقم 5 المذكور سابقا، وعلى مصرف ليبيا المركزي عدم التدخل في اختصاصات الوزارة في آلية صرف هذه المخصصات طالما أنها من ضمن ما تم تخصيصه للوزارة في هذا البند.
المركزي يرفض مجددا تحويل الربع الثاني وتستمر المعاناة
وأخيرا وليس آخرا طالما أن القضية لا تزال دون حل؛ أكدت وزارة التعليم الأربعاء الماضي أن المصرف المركزي قد رفض مجدداً تحويل الربع الثاني للطلبة الليبيين الدارسين بالخارج بحجة أنه يتضمن طلبة التفويضات 25-1، الأمر الذي سيؤدي غلى المزيد من التأخير في وصول المخصصات بحسب الوزارة، والتي أضافت أن وزير التعليم أرسل خطابا إلى محافظ مصرف ليبيا المركزي يحمله المسؤولية في عواقب ما سينتج عن قراره هذا.
وتستمر الحكاية بلا نهاية والمعاناة بلا حلول على، ما بين بيانات وردود واتهامات، وفي النهاية الخاسر الوحيد هم طلبتنا الذين أوفدتهم الدولة ليكونوا هم عمادها والمعول الأساسي لبنائها وتطويرها، وإذ بهم يجدون أنفسهم بلا منحة ولا تأمين ولا رسوم دراسية، يعانون الأمريْن مع عائلاتهم وأسرهم ويقاسون مصاريف المعيشة المرتفعة وفواتير الإيجار والعلاج وغيرها، لا لشيء، إلا لكون مسؤوليْن من مسؤولينا دخلوا في عناد ولا أحد منهما يريد التنازل للأخر.