في لقاء مع السيد محمد حسن صوان رئيس حزب العدالة والبناء تناولنا معه جوانب المشكلة الليبية من الناحية الاقتصادية وتحدث إلينا بكل صراحة عن وجهة نظره ورأي حزبه في أسباب هذه الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، والوسائل المتاحة لحلها ورأيه بأداء المصرف المركزي ومحافظه السيد الصديق الكبير.
أ. محمد ، هل هناك برامج اقتصادية لحزب العدالة والبناء عدا برامجه السياسية؟
طبعاً العملية السياسية التي تسمح للحزب بتقديم برنامجه الاقتصادي تكاد تكون متوقفة في ليبيا، نحن تقدمنا ببرنامجنا الاقتصادي عندما كان هناك انتخابات في زمن المؤتمر الوطني العام ومع ذلك لدينا الآن لجنة استشارية اقتصادية دائمة بالحزب، وهي موجودة لتقدم مشورتها ونصائحها حتى للمجلس الرئاسي وللجهات المختلفة حسب الظروف المتاحة وللمجلس الأعلى للدولة، لكن البرنامج الاقتصادي الشامل يحتاج تجديد خاصة في ظروف الحديث عن انتخابات قادمة، فبطبيعة الحال الحزب سيضع تصورا لرؤيته الاقتصادية، ولكن حتى ذلك الحين فهي معالجات جانبية، نحن حاولنا تقديم مجموعة مبادرات لأجل حل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد الآن، ولكن للأسف الانقسام السياسي وهذا التشظي لم يترك مجالاً لأي حلول اقتصادية حتى الآن.
من أين يستلهم حزبكم آراءه الاقتصادية عموما؟ بمعنى إلى أى المدارس الاقتصادية ينتمى نهجكم الاقتصادي؟
نحن في الحزب نتبنى الاقتصاد الحر الذي يقوم القطاع الخاص فيه بالدور الريادي وتضطلع فيه الدولة بدورها في إدارة الاقتصاد على المستوى الكلي والرقابة على سلامة وعدالة العلاقات الاقتصادية، ومنذ التأسيس لدينا دائرة كبيرة هي دائرة اللجان التخصصية وأكبر لجنة فيها هي اللجنة الاقتصادية التي تعتمد على خبراء، وهم الأعضاء في الحزب وأحيانا حتى من خارج الحزب، ولديهم اجتماعات دورية وليسوا في الغالب متفرغين لكن يتم التواصل معهم من حين إلى آخر ودعوتهم للاجتماعات وإعداد المقترحات والنصائح أو تقديم المبادرات لمعالجة الوضع الاقتصادي الليبي.
س: هل حزب العدالة والبناء مع إدماج بعض رجالات النظام السابق من الاقتصاديين ورجال الأعمال في صناعة القرارات الاقتصادية من أجل الخروج من النفق الذي يعيشه المواطن الليبي حاليا؟
الحقيقة هو أننا لا نفرق في حزب العدالة والبناء بين رجال النظام السابق ولا رجال النظام الحالي، فالميزان والفيصل عندنا هو القضاء، أما عدا ذلك فليس لدينا أي فروقات، وهم ليبيون ومن حقهم أن يشاركوا في بناء ليبيا وكافة المجالات، وو حل الأزمة الاقتصادية وغيرها ولا أظن أنه في الوضع الحالي يوجد حظر عليهم، فليبيا الآن مفتوحة للجميع، وكل الليبين في الخارج لديهم حق الرجوع والمشاركة في بناء الوطن، ربما هناك بعض الفئات البسيطة التي تتخوف بسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنية، لكن الجميع بالنهاية متساوون أمام القانون، لهم حقوق وعليهم واجبات ويجمعهم الوطن الأم ليبيا.
يرى الشارع الليبي بكافة أطيافه بما فيه الاختصاصيون الاقتصاديون أن أولى فقرات نجاح وتعافي الاقتصاد المحلي يكمن في تغيير محافظ المصرف المركزي، هل أنتم من أنصار ذلك؟ ولماذا؟
نحن لا نتمسك بالأشخاص مما يعني أن مصلحة ليبيا فوق كل اعتبار سواء كان رئيس حكومة أو رئيس برلمان أو محافظ مصرف أو غيره فيجب أن تكون مصلحة ليبيا فوق كل اعتبار.
وإجمالاً ما أثير حول إشكالية مصرف ليبيا المركزي نحن قلنا رأينا بكل صراحة أن ما تم اتخاذه من البرلمان بشأن المحافظ هو قرار مخالف للاتفاق السياسي، وتجاوز الاتفاق يفتح المجال لتجاوزات أخرى، وتحفظنا فقط على أن تغيير محافظ المركزي إذا كان سيتم، فيجب أن يكون وفقاً للاتفاق السياسي، لأن الاتفاق السياسي وحسب المادة 15 فإنه يجب لتغيير محافظ المصرف المركزي أو رئيس ديوان المحاسبة أو النائب العام وكل من يملك منصب سيادي لابد أن يتم وفق تشاور مسبق مع المجلس الأعلى للدولة، وبالتالي فنحن ليس لدينا تمسك بأي شخص لا في السابق ولا في اللاحق، لكن اعتراضنا فقط من باب أنه يجب أن يتم التشاور مع المجلس الأعلى للدولة حتى يستطيع مجلس النواب تغيير أي منصب سيادي .
واستكمالاً للحديث عن الأزمة الاقتصادية ففي تقديري أن أكبر مشكلة أصابت الاقتصاد الليبي هي قفل الحقول النفطية واستمرار القفل لأكثر من سنتين، الأمر الذي ترتب عنه خسائر بأكثر من 160 مليار، وهذا طبعاً أجهد وأرهق الاقتصاد الليبي
ثانيا توقف الشركات الأجنبية عن تنفيذ مشاريع التنمية بسبب عدم الاستقرار الأمني شكّل عاملا آخرا ، وربما لاحظنا أخيرا ماحصل مع فريق العمل الذي حضر لليبيا لاستكمال محطة أوباري الغازية، حيث ثم اختطاف المهندسين بالشركة ولم تستكمل عملها وانسحبت الشركة .
وكذلك من الكوارث قيام السيد الحبري بطباعة العملة في روسيا وكان يجب على السيد الصديق الكبير أن يصدر منشوراً بإيقاف تداول هذه العملة في حينها، وقد نصحناه بذلك ولكنه لم يفعل، وكان رأي الحزب في تلك الفترة آن يقوم السيد الكبير بإصدار منشور يمنع فيه تداول وقبول هذه العملة، وأصبح بعد ذلك تداولها كارثه كبيرة، وحقيقة يتحمل مسؤوليتها مصرف ليبيا المركزي طرابلس ، وبسبب ذلك تحركت أربعة مليارات وأصبحت ثقب أسود يثم تدويرها وسحب العملة الصعبة بطرق ملتوية وأصبحت كأنها نوع من غسيل أو تدوير شراء العملة وهذا ما سبب ارتفاع سعر الصرف وتسبب بمشاكل أخرى .
كذلك كان للقرارات السلبية التي اتخذت في البداية من قبل المجلس الانتقالي أثر سلبي، ومنها قرار المجلس الانتقالي بتوزيع المرتبات والمكافئات على كل من يطلق عليه اسم ثوار، وهذا فتح المجال لدخول كل من حمل السلاح أو لم يحمل السلاح، وبدأت الأموال المأهولة تخرج من المصرف المركزي بالأكياس نقدا، وتوزع على كل الليبين بطريقة عبثية، وهذا الأمر أثّر جدا على الوضع الاقتصادي وارتفع عدد الثوار الوهمي وحاملي السلاح وهذا جزء من المشكلة الأمنية وفوضى السلاح الآن.
بالإضافة إلى التوسع في التعيينات بعد الثورة بشكل مفرط وقد ارتفعت المرتبات من 8 مليار إلى 18 مليار الآن وهو ما زاد في ارهاق الاقتصاد الليبي.
ناهيك عن موظفي السلك الدبلوماسي والقطاع الخارجي بوضعه الحالي، فهو يمثل استنزافاً للعملة وعبئاً على الميزانية وأصبح عدد العاملين بهذا المجال بعشرات الآلاف في الخارج، ويجب تقليص عدد السفارات وعدد العاملين فيها، واستمرارها بهذا الشكل أمر محزن، إضافة إلى عوامل أخرى ولكن في تقديري هذه أبرز الأخطاء والمحطات التي حصلت وأرهقت الاقتصاد الليبي.
س : ما رأيك في أداء محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير؟
انا لا استطيع ان أقيّم أداء محافظ المركزي تقييماً علمياً ودقيقاً، فهذا يرجع للمتخصصين، لكن من المنظور السياسي يمكن أن أشير إلى نقطة مهمة هي أن المصرف المركزي يعمل في ظروف تجعله غير خاضع للرقابة، بسبب الانقسام وعدم وجود جسم تشريعي واحد، مما جعل محافظ المركزي يتصرف بشكل مطلق، ولا توجد أي جهة يمكن أن توجهه أو تراقبه أو تحاسبه، وهذا الأمر لا يسئل عنه المصرف المركزي، ولكن هذا هو الواقع، بالإضافة لغياب وزيريْ الاقتصاد والمالية لفترة غير قصيرة.
وفي الحالات الاستثنائية والأزمات يتم جمع الخبراء وأهل الاختصاص وإشراكهم في معالجة الأزمة وتحميل المسؤلية للجميع وهذا للأسف ما لم يفعله المركزي وانفرد برؤيته،ومن يتفق معه في اجتهاده مع إهمال المقترحات الأخرى.
س: من خلال لقاءاتكم المتعددة مع مسئولين سياسيين وصنّاع قرار دوليين، هل من حل دولي توافقي يلوح في الأفق للأزمة الليبية عدا رؤية المبعوث الدولي غسان سلامة؟ وإلى متى ينتظر المواطن الليبي ليرى حلا لمشاكله الاقتصادية؟
الأزمة الاقتصادية جزء من الأزمة السياسية العامة التي تمر بها البلاد وبالتالي من الصعب الحديث عن حل اقتصادي بمعزل عن حل الأزمة السياسية، والأزمة السياسية واضحة وهي متمثلة في هذا الانقسام السياسي وكان الاتفاق السياسي هو الأمل الذي سيوحد المؤسسات ويعيد ليبيا للطريق الصحيح.
ولكن للأسف هناك طرف لايريد الاستقرار ولا يريد أن تتوحد المؤسسات لأنه ينفذ أجندة خارجية تتعلق بأقطاب لها مصالح في ليبيا.
وقد أجمع الجميع بأنه لا حل إلا عبر الحوار وأن الاتفاق السياسي هو الإطار الوحيد للعملية السياسية، وأن خارطة الطريق المطروحة الآن تهدف للوصول إلى الانتخابات لإنهاء هذا الانقسام، يسبق ذلك مؤتمر جامع للمصالحة الشاملة، ونرجو أن يتم الاستفتاء على مشروع الدستور كمقدمة لإحداث الاستقرار ووثيقة تجمع الليبيين، ولا زالت الفرصة سانحة لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.