كتب: الباحث الاقتصادي الدكتور عبدالجليل على أبوسنينة، لصحيفة صدى الاقتصادية مقالاً بعنوان “إقتصادنا وفيروس كورونا”
في ظل إجتياح فيروس كورونا العالم، دائما ما تكون الحلقة الأضعف تلك الدول التي تعتمد إعتماد مباشر على الواردات بالنسبة لمعظم احتياجاتها الإستهلاكية والإستثمارية وعلى مجموعة محدودة من المنتجات التصديرية، وبالتالي تكون شديدة التعرض للصدمات الإقتصادية الخارجية، بالأضافة الى شدة حساسية قطاع الخدمات والسياحة للتغيرات التي تطرأ على أوضاع الأسواق العالمية، وعموماً فإن شدة الإعتماد على السوق العالمية تجعل تحقيق التنمية المستدامة والأمن الغذائي في هذه البلدان أكثر تعقيداً وصعوبة، فعزلتها الجغرافية في حال داهمها كورونا يعتبر تحدياً خاص مقارنة بالدول المتقدمة.
ففي تصريح لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (ما يعرف بالأونكتاد) مؤخرا يفيد بإن صادرات الصين وهي ثاني أكبر إقتصاد في العالم وبؤرة تفشي فيروس كورونا من قطع الغيار والمكونات الحيوية لمنتجات تتراوح بين السيارات والهواتف الخلوية من المتوقع أنها انكمشت بنسبة 2% على أساس سنوي في فبراير الماضي، وهو ما يكلف دول أخرى وصناعاتها 50 مليار دولار. وأضافت أونكتاد إن فيروس كورونا الذي إنتشر في 75 دولة يشكل 20% من التجارة العالمية في المنتجات الوسيطة. ووفقا لأونكتاد فإن الدول أو المناطق التي تعاني أعلى خسائر في التصدير بسبب تداعيات فيروس كورونا هي الإتحاد الأوروبي، حيث تبلغ الخسائر حوالي 15.6 مليار دولار، والولايات المتحدة (5.8 مليارات دولار) واليابان (5.2 مليارات دولار) وكوريا الجنوبية (3.8 مليارات دولار) وتايوان (2.7 مليار دولار) وفيتنام (2.3 مليار دولار).
بالتالي فإن فيروس كورونا يشكل مخاطر متصاعدة على نشاط الدول ذات الإقتصاديات الهشة، وبالتأكيد على الدول التي لا تمتلك بنية تحتية أساسها الصحة والتعليم. وبما أن المدعو كورونا يعبر الحدود دون طلب الحصول على إذن أو تأشيرة دخول رغم كل التحوطات والإجراءات المشددة للسلامة، فما بالكم بدولة مثل ليبيا الحبيبة والتي للأسف انطبقت عليها كافة الشروط والتسهيلات التي تمكن من إحتضان فيروس كورونا. كيف ذلك…؟
حرب طاحنة تدور رحاها بتدخلات إقليمية وفساد ينخر هيكل الدولة إلى حد تداخل الإختصاصات وإنقسام المؤسسات التشريعية والتنفيذية والصراع العلني على موارد النفط، بمعني غياب كامل لدور الدولة علي أرض الواقع، والتي من المفترض أن تجند نفسها إﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎً وإﻗﺘﺼﺎدﻳﺎً وﺳﻴﺎﺳﻴﺎً لمواجهة كورونا.
فلقد أعلنت إدارة المؤسسة الوطنية للنفط وقف حركة الطيران أو جلب المستخدمين الأجانب إلى حين إشعار آخر، على خلفية إنتشار فيروس كورونا في بعض الدول ومنها إيطاليا. إلى جانب حالة القوة القاهرة بعد إيقاف صادرات النفط من قبل مجموعات “خارج القانون والعرف” للموانئ النفطية مصدر الرزق والممول الوحيد الذي من الممكن أن يشكل فارق في مواجهة كورونا، إذا توافرت الإرادة والإدارة الوطنية, إلى جانب إنهيار أسعار النفط إلى 30$ للبرميل ,أسوأ خسارة منذ حرب الخليج عام 1991م لتتراكم أعباء الكارثة على الكثير من المنتجين مما يبشر بركود الاقتصاد العالمي, الأمر الذي يستدعي تطبيق نظام فعال لترشيد وضبط الإنفاق والعمل على تعظيم موارد الدولة بعد إهدار تكلفة الفرص البديلة الضائعة نتيجة الأغلاق لمواجهة حالات الطوارئ.
درجة الإنكشاف في ليبيا مرتفعة جدا أكثر من (40%<) بكثير، حيث يشير إرتفاع هذا المؤشر إلى عمق إعتماد الإقتصاد المحلي الليبي المباشر على الأسواق الخارجية للحصول على حاجاته من السلع والخدمات، ومدى حساسية الإقتصاد وتأثره بالمتغيرات الخارجية كالأسعار العالمية والأحداث العالمية” كورونا مثلا” والمحلية ونهج السياسات المالية والإقتصادية والتجارية المتبعة.
وﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ أن اﻟﺴﻠﻌﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ للصادرات اﻟﻠﻴﺒﻴﺔ متمثلة ﺑﺎﻟﻨﻔﻂ اﻟﺨﺎم ﻓإن نسبة التركيز الجغرافي من صادرات ليبيا النفطية تذهب إلى الدول التي أعلن كورونا تفشيه فيها وهي إيطاليا، فرنسا، والصين، والتي ﺗﺘﺄﺗﻰ ﻣﻌﻈﻢ إﺳﺘﻴﺮاداتنا ﻣﻨﻬﺎ.
الجانب الأخر حجم العمالة الوافدة وخصوصا من الجناح الشرقي للبلاد الذي لا يبشر بخير في ضل تعتيم الفلتر المصري عن قدرته واحتياطاته في السيطرة على فيروس كورونا.
القطاع الحاضر بالإنفاق عليه والغائب على أرض الواقع في هكذا ظروف قاهرة، قطاع الصحة الذي يتناسب طرديا مع الفساد المنتشر فيه، فكلما زاد الفساد يزيد الإهمال، مع غياب الإستعدادات ونشر التوعية وغياب الطمأنينة والأمن في المجتمع.
منافد الدولة الرسمية بحرًا وجوًا وبراً خارج السيطرة مما تسهل على كورونا الدخول الطوعي، إما بسبب حالة الفوضى نتيجة العدوان على المطارات وتهديها المستمر، أو بسبب تحكم بعض الأدرع الأمنية عليها أو بسبب الإهمال المتعمد من قبل الحكومة وعدم السيطرة على كامل جغرافية الدولة.
لجان الأزمات ومتصدرين المشهد الحاضرين في الإعلام والغائبين على أرض الواقع، بتضارب مصالحهم وصراعهم الدائم على التنفد في الدولة يجعل من كورونا مرحباً به بين شتات النازحين والمهجرين والمتضررين من الحرب، الأمر الذي ساق المواطن إلى الجري وراء حاجاته الأساسية اليومية بعد أن أصبح المرتب “لوية دراع” وهو ما تبقى للمقهور الليبي كعائد دخل من ثروة يملكها وغيره يتحكم بها.
النظام الليبي شمولي في الحكم وفي الإدارة وفي التفكير في رقعة “وهي جغرافيا تستحق أن يخلق فيها تنمية مستدامة”, يجعل ليبيا رهينة من يجلس على الكرسي.
نخلص بأن يكون إقتصادنا نداً في مواجهة كورونا وغيرها من التحديات، بأن نبلور رؤية واضحة للإقتصاد الليبي، والعمل على تطوير البنية التحتية خصوصاً الصحة، التعليم، الطرق، المواصلات، وسائل الإتصال والمياه والصرف الصحي.
تنويع مصادر الدخل في تمويل مختلف نفقات الدولة التنموية والجارية، لتدارك الخلل الهيكلي في بنية الإقتصاد المصاب بمرض أحادية الإعتماد على إيرادات النفط.
إيقاف نزيف إهدار المال العام ومحاربة ظواهر إنتشار فيروس الرشوة والمحسوبية وضعف الأداء وضعف وإنعدام الشفافية وســوء الإدارة وضعف الخدمات التعليمية والصحية.، تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية وتحفيز مساهمات القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي.، تشجيع ودعم مساهمة القطاع الخاص في الإنتاج ليكون شريك في النشاط الإقتصادي.
تشديد الرقابة على أداء القطاع المصرفي، والتركيز على دور الموارد البشرية المدربة والعمالة الماهرة ومجابهة ظاهرة البطالة بتحفيز قدرة القطاعات الإقتصادية المختلفة على إستيعاب سوق العمل في مختلف المناطق للتخفيف من حدة هذه الظاهرة برفع كفاءة تقديم الخدمات العامة وزيادة معدلات الأداء والإنتاجية.
إعادة هيكلة إدارت الدولة مع تعزيز فاعلية جباية الإيرادات السيادية والمحلية بمختلف أنواعها مع إعادة السيطرة على المنافذ الحدودية وتطبيق اللوائح الجمركية بالشكل السليم وبما يضمن تحقيق الأهداف الرئيسية للسياسات الإقتصادية. أخيرا وليس أخرا، إعادة النظر في التشريعات والقوانين التي تعرقل المسيرة التنموية للإقتصاد الليبي.
ولأن كورونا يوثر بشكل سلبي على أنماط الحياة والمعيشة والإنتاجية وبشكل كبير على من حولنا وعلى إقتصادنا، فمن المفترض وجود خطة طوارئ يعمل بها في مثل هكذا ظروف،السؤال أين الخطة ومن له شرعية التنفيد …؟