Skip to main content
عبد اللطيف اطلوبه لصدى :الإنفاق الحكومي من أهم مسببات الأزمة واعادة هيكلة المصارف احد أفضل الحلول
|

عبد اللطيف اطلوبه لصدى :الإنفاق الحكومي من أهم مسببات الأزمة واعادة هيكلة المصارف احد أفضل الحلول

 

ضيفنا لهذا الاسبوع هو عضو هيئة تدريس متحصل على بكالوريوس اقتصاد 1987 وماجستير اقتصاد من جامعة قاريونس عام 1998 ،وعضو هيئة تدريس بقسم الاقتصاد جامعة مصراتة،وحاليا في طور الحصول على الدكتوراة في علم الاقتصاد من احدي جامعات المملكة المتحدة.

لديه اهتمامات عدة بالشأن الاقتصادي والسياسي وشارك في عدد من الندوات وورش العمل بالخصوص

انه الاستاذ عبداللطيف اطلوبة ، التقيناه وحاورناه في مجال تخصصه لنسأله عن الشأن الاقتصادي المحلي ، وكانت هذه محصلة اللقاء :

س/بصفتكم باحثاً ومهتماً بالشأن الاقتصادي كيف تنظرون للمشكلة الاقتصادية الحالية أعني انخفاض القوة الشرائية للدينار وارتفاع اسعار الصرف في وقت يتعذر فيه الخصول على العملة الصعبة للتاجر والمواطن؟

ج/ مايحصل في ليبيا حالياً هو امر متوقع وطبيعي جداً في دولة تغيب فيها سلطة الدولة تزامناً مع توفر ارصدة كبيرة من الثروة غير المخلقة بفعل الجهد البشري وهو ما يسمى في العرف الاقتصادي (بالريع) حيث لا احد يهتم ولا احد يشارك في (توليد الدخل والانتاج) بل يحاول الجميع ضمان حصة اكبر من الثروة الموهوبة بفعل النفط، اضافة الى ان البلاد تمر بشكل من أشكال اقتصاديات الحرب ولذلك فإنه اضافة الى ما ذكرت سابقاً فإن الانفاق على جوانب (تدميرية وليست للبناء) تساعد على تفاقم الوضع اكثر وبتأييد من كثير من كلا المسؤولين والشعب الذين يؤيدون استمرار الحرب لصالح هذا الطرف او ذاك بشكل عام يمكن مقارنة مايحصل في ليبيا مع مايحصل في العراق والصومال او لبنان ايام الحرب فانخفاض سعر صرف العملة الوطنية امر حتمي جدا وهو ما يدفع بمستوى الاسعار الى اعلى طبعاً اضافة الى تنافس السلطات التنفيذية على الانفاق غير المنتج فالحكومتان في طرابلس وطبرق وقبلها الثلاث حكومات كانت تنفق على قطاعات لاتنتج شيئاً وهذا الانفاق هو عامل مساعد على التضخم لانه يدفع المواطن الى الاستهلاك دون ان يقدم بالمقابل اي انتاج جديد للسوق ولذلك فالطلب كله يتجه الى السلع المستوردة التي يحدد كميتها المعروضة بما يعرضه المصرف المركزي من عملة صعبة للاستيراد. ولو تخيلنا ان كل ما يستهلك الليبيون يتم انتاجه محلياً فان زيادة انفاق الحكومة سيساعد المنتجين على زيادة انتاجهم لكن في الحقيقة فان انفاق الحكومة يساعد فقط جانب الطلب لكن في جانب العرض يتحدد بقرار من المركزي.

لذلك فالنتيجة المتوقعة هي المزيد من انخفاض سعر الصرف للعملة الوطنية ومزيد من ارتفاع اسعار السلع والخدمات، والحل الاقرب الآن هو اما بتخفيض انفاق الحكومات وهو امر صعب جداً الان واما بزيادة الواردات بفتح ابواب المصرف المركزي اكثر واكثر وهو مايعني السير في طريق الإفلاس أيضاً .

س/ما اسباب اختفاء السيولة وهل من حلول ترونها يمكن ان تعالج ذلك؟

ج/دورة السيولة في الاقتصاد الليبي أساساً مشوهة منذ ان هيمنت الدولة على اوجه النشاط الاقتصادي في نهاية السبعينات ولعلك تذكر او سمعت بمشكلة السيولة عام 1980 التي تجاوزتها السلطات انذاك بإعادة طباعة عملة جديدة واجبار الناس على ايداع اموالهم بالمصارف لكن الاجراء لم يكن لينفع لولا ان منع الجميع من سحب ارصدتهم انذاك فقد كان الحد الاعلى للسحب هو 500 دينار يعني بالضبط هو بنفس الوضع الراهن حالياً ,

اضافة الى ذلك فان القطاع المصرفي تأثر بعاملين اساسيين وخطرين جدا لكننا لانعي خطورتهما بالشكل المناسب، اولهما الحالة الامنية وتكرار حالات الاختطاف وابتزاز المال بناءً على توفر معلومات عن الرصيد المصرفي للرهينة سواء صح انه تسرب من المصرف ام لا لكنه يدفع الكثيرين الى الإحجام عن التعامل مع المصارف وثانيهما الغاء المؤتمر الوطني لفوائد دون اقتراحه نظاما بديلا ولو بشكل مؤقت لان النظام المصرفي في كل العالم مبني على الفائدة الربوية التي لانقبلها شرعا ولايمكن ان نتوقع ان يستمر اي نظام بالعمل اذا الغي الركن الاساسي له.

ولتوضيح المشكلة بشكل مبسط لابد من العودة الى دورة السيولة او العملة داخل البلاد الليبية : معظم السيولة يتم ضخها من الجهاز المصرفي في شكل مرتبات للقطاع العام وهي التي تتحول مباشرة الى السوق في شكل طلب استهلاكي على سلع وخدمات مستوردة اكثر من 80% منها مستورد , ولاستكمال دورة النقود فانه لابد ان يقابل هذه المبالغ سلع وخدمات ليشترى المواطنون السلع ويستلم التجار النقود ليعيدوها بدورهم الى تجار الجملة ثم الى المستوردين الذين يعيدونها بدورهم الى المصرف المركزي عند طلب فتح اعتمادات لتوريد بضائع جديدة وهكذا تعود النقود الى بداية دورتها لتعيد الكرة في الشهر التالي. عندما توقفت صادرات النفط عام 2013 بدا المركزي الضغط على العملة الصعبة فتناقصت كمياتها المعروضة للواردات وساهم في ذلك انتشار التهريب فيما سميناه بظاهرة الحاويات الفارغة وبالتالي اتضح ان هناك اعتمادات لاتعود في شكل بضائع اي ان المعروض من السلع المستوردة بدا يتناقص ثم حاول المركزي ان يشدد اجراءاته اكثر وفعلا تناقصت ظاهرة الحاويات الفارغة او تكاد تكون اختفت لكن هذا كان بالضغط على الاعتمادات وبالتالي لم يعد المستوردون يودعون اموالهم في المصرف للحصول على اعتمادات .

وهذه هي مشكلة الاقتصاد الليبي فالدولة ملزمة بتوريد كميات محدد من السلع المستوردة لتغطية جانب الطلب والا فان السيولة المتوفرة في ايدي الناس لن تجد قناة لتعود من خلالها الى المصارف. الحل الاقرب الان ايضا هو بتخقيض جانب الانفاق الحكومي لكنه صعب جدا في هذه الظروف لانه يمس المرتبات التي صار الجميع معتمدا عليها.

الحل الاقتصادي عادي ليس سحراً ولا فجائياً ولا سريعاً بل يحتاج الى الصبر والتدريج وهو ما يتطلب توافق السلطة التنفيذية مع المصرف المركزي يعني الحكومتان مع المركزي وهو ما نتأمل ان يحصل بعد ان جرب كل المسؤولين تقريباً ان يضعوا حلولاً انفرادية من جانب واحد لكنهم ربما اقتنعوا الان باستحالتها رغم ان الجميع كان عليه ان يعرف منذ البداية انه لا المركزي لوحده ولا احدى الحكومات لوحدها قادر على ايجاد اي حل جذري. لابد من التوافق شئنا ام ابينا.

س/هل يمكن للمصارف ان تتعافى وتعاود ممارسة دورها بكونها اداة استثمارية غير انها مكان للاحتفاظ بالنقود؟

ج/دور المصارف لاشك انه اهم في جانب الادخار و الاستثمار خاصة في دولة مثل ليبيا تزخر بالفرص الاستثمارية ولاينقصها توفر راس المال، لكن هذا مرهون بامكانية والقدرة على اعادة هيكلة وتنظيم القطاع المصرفي بشكل يبعده عن وظيفة تقليدية تعودنا عليها حتى في داخل عقلية الموظف المصرفي بكون المصرف هو مركز لتوزيع النقد والمرتبات لا اكثر، قبل الحديث عن ادماج المصارف في قطاع الاستثمار علينا ان نفكر في شيئين اولهما وهو المهم ماهو بديل الفوائد الربوية التي الغيت لاننا نعرف جميعاً تقريباً انه في كل دول العالم هناك نظام سائد هو النظام التقليدي اما النظام الاسلامي فلا اعتقد انه وحيد في كل دول العالم بإستثناء ليبيا يعني بكلمات اخرى في كل دول العالم هناك بديلين: تقليدي واسلامي ولايزال النظام التقليدي هو المهيمن والمستحوذ على سوق الاستثمار لكن في ليبيا هذا النظام الغي نهائياً وليس امام المستثمر والمدخر الا النظام الاسلامي لكن هل يوجد بالفعل منظومة متكاملة من القوانين والآليات والأدوات المساعدة لتسيير النظام المصرفي الاسلامي؟ هذا سؤال موجه للمسؤولين في القطاع لكن بشكل مبدئي اشك ان مايوجد لدينا كافياً لذلك.

مثلاً كيف يتعامل المصرف مع طلبات السلف الاجتماعية التي كانت تدار وفقا للنظام الربوي؟ كيف يستوفي المصرفي حقه مقابل خدمات فتح الاعتمادات؟ وغيرها من الأسئلة كثير والامر الثاني هو ضرورة تغيير عقلية العمل المصرفي ليكون تنافسياً وليس حكومياً حتى يتم دفع ادارات المصارف الى البحث عن الفرص الاستثمارية لتمويلها واجتذاب المدخرات وليس مجرد مراكز توزيع للمرتبات الشهرية.

س/الا ترون بأن للبنك المركزي يد في الازمة الراهنة؟ ام ان البنك المركزي لايزال صمام امان للاقتصاد الليبي عموماً والدينار الليبي خصوصاً؟؟

ج/فيما يخص البنك او المصرف المركزي فإنه لاشك يصح ان يوصف بكلا الوصفين فهو مساهم في مشكلة الاقتصاد الليبي وفي نفس الوقت هو صمام الأمان طبعاً الحكم النهائي على ادارة المصرف وليس على المصرف نفسه فالمصارف المركزية متساوية في العالم من حيث مسؤولياتها، قد يصعب الان إصدار حكم على او لصالح المركزي قبل ان تمر فترة لتقييم الأخطاء واكتشافها لكن بشكل عام ما يحسب لادارة المركزي حتى الان هو النأي بنفسها عن كثير من التجاذبات اليومية في البلاد واستمرار محافظتها على ادراة العملة الصعبة ومقاومتها (نسبياً) للضغوط من اجل فتح خزائن المركزي امام طلبات الاستحواذ والابتزاز لكن بالمقابل لاتتضح الصورة بشكل واضح عما اذا كان هناك مقاومة للفساد و المحسوبية داخل المركزي والى اي درجة يتنشر الفساد داخل آروقة، وفيما اذا كانت قراراته تتخذ بشكل عقلاني وموضوعي ام لا؟ مازال الوقت مبكراً للحكم فكثير من الاحداث يصعب فهمها قبل مضي وقت.

لكنني لست اميل الى تحميل المركزي كل مايحصل في ليبيا طالما السلطة السياسية غائبة او عاجزة ففي النهاية حاكم المركزي هو موظف لدى الحكومة ولو كان للحكومة رؤية افضل منه لكانت عزلته، لكن لايمكننا اتهام موظف بالعجز وتناسى رئيسه الاعلى الأكثر عجزاً على حاكم المركزي ان يوضح للناس ما مقترحاته وكيف تعامل مع الحكومة وهل في جعبته شيء للحل حتى يحرج الحكومة او يغادر منصبه لا ان يسكت متهما الاخرين.

س/هل من تفسير اقتصادي لارتفاع سعر صرف الدينار مقابل الدولار ومع ذلك لاتزال اسعار السلع والخدمات تشهد ارتفاعاً تصاعدياً مخيفاً ؟؟

ج/ الارتفاع الأخير لسعر صرف الدينار لايشجع التجار على تخفيض اسعار ما بحوزتهم من بضائع لسببين: اولهما ان كثيرا مما هو موجود من بضائع انما تم بالفعل توريده باسعار منخفضة للدينار وبالتالي فالتاجر يحاول الا يخسر،

ثانياً ليس هناك ضمان باستمرار السعر المرتفع للدينار وقد يعود للانخفاض في اي وقت في ظل حالة عدم التاكد وبالتالي فالتاجر لايمكنه ان يعدل اسعار مخزونه يومياً والأضمن له ان تظل اسعار البضائع على الارفف كما هي الى ان يتاكد ان الاسعار الجديدة ستكون بالتاكيد اقل والا فانه لن يغامر، وكما قلنا سابقاً فان غياب سلطة الدولة يدفع الناس الى الاحتماء وراء معتقداتهم الشخصية حيث لاتوجد اي سياسات واضحة او اجراءات متخذة لرفع سعر الدينار الليبي لذلك فالاعتقاد السائد انه قد يعود للانخفاض.

ختاماً هل ترون ان هناك بوادر انفراج اقتصادي قد تلوح قريبا في الأفق ؟ ام ان الوضع الاقتصادي يتجه الى المزيد من التعقيد؟؟

ج/حقيقة ان وضع اي من الدول النفطية عموماً لايبشر بخير فكلها كما يقول المثل على “كف عفريت” طالماً ظل اعتمادها على سلعة واحدة تتحدد مقوماتها في السوق العالمي ولا سيطرة لها عليها .

في منتصف الثمانينات إنهارت اسعار البترول كنتيجة لسياسات اتبعتها حكومات الغرب منذ صدمة النفط الاولى عام 1974 التي اضرت باقتصادياتهم فقررو التخلص من اعتمادهم الكبير على النفط ومع الوقت بدات سياسياتهم فتؤتي ثمارها فى منتصف الثمانينات بوصول سعر النفط الى اقل من 15 دولاراً، هذا مثال على انه لا احد يمكنه فعل شيء اذا انهار سوق النفط وماعلينا الا مواجهة الجوع للاسف.

ليبيا تمثل حالة واضحة للاعتماد المتزايد على النفط خاصة بعد عام 2011 فاذا حصل لاسمح الله انهياراً لأسعار النفط فانه ليس لنا الا ان نعيش على ماوفرناه في السنوات الماضية لكن هذا سيساعدنا لسنوات معدودة ثمهذا بشكل عام اما بشكل خاص عن الحالة الراهنة فإنه وان كان موضوعاً سياسياً اكثر منه اقتصادياً الا ان المتتبع يلاحظ بوضوح انه منذ 2016 هناك اتجاه عام نحو التهدئة والمصالحة لكنه يظل اقتناعاً عاماً بين الناس وحتى المسؤولين نأمل ان تتبعه خطوات واجراءات نحو توحيد المؤسسات السيادية وسلطات القرار.

خلال سنتين تم توحيد مؤسسة النفط وتوفق الصراع بين البنك المركزي وفرعه في البيضاء وتم تقريباً توحيد منظومات وزارة المالية ونأمل ان يتم اتخاذ خطوات جادة لتوحيد الحكومة والسلطة التشريعية وعندها فقط نتوقع تحسناً ملحوظاً في الاداء الاقتصادي اليومي على مستوى المتغيرات الشكلية كالاسعار والتبادل اما انفراج الحالة الاقتصادية عموماً بزيادة الانتاج وتوقعات الرخاء فهي توقعات طويلة الأمد وتحتاج الى اجراءات هيكلية واسعة من حكومات متعددة وعلى فترة طويلة.

مشاركة الخبر