Skip to main content
ليبيا والتقرير الدوري عن أهداف التنمية المستدامة في قارة أفريقيا للعام 2019 "الجزء الأول"
|

ليبيا والتقرير الدوري عن أهداف التنمية المستدامة في قارة أفريقيا للعام 2019 “الجزء الأول”

كتب: د. عبدالله ونيس الترهوني – أخصائي اقتصاديات النقل

قبل سنوات قليلة خلت اعتمدت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة 2015-2030  SDGs، وقد أستندت فيها إلى خمسة عناصر رئيسية وهي: الإنسان والكوكب والازدهار والسلام والشراكة، وهي بذلك استهدفت جمع دول العالم على حد سواء، المتقدم منها Developed أوالناشئ Emerging أوالأقل نموًا Developing، وبتوقيع الدول على هذه الأهداف تكون مُلـزمة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، والتي يمكن تقسيمها إلى شـقـيـن: الأول وهو تحقيق الأهداف بداخل الدول، والثاني وهو التعاون الدولي لتحقيق جميع الأهداف من خلال الشراكة والتعاون المثمر بين دول العالم.

إن أي سياسة مستدامة لابد لها من الارتباط بثلاثة جوانب معاً، وهي الاقتصادي والبيئي والاجتماعي، والتي تُعرف بالأركان الثلاثة للتنمية المستدامة، فالجانب الاجتماعي يكون فيه النظام مستداماً في حال ما تحققت العدالة في التوزيع، ووصلت الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم إلى من يحتاجونها فعلاً، وتحقيق المساواة في التنوع الاجتماعي والمشاركة الشعبية لكافة فئات المجتمع في عملية صنع القرار، أما الجانب الاقتصادي للتنمية المستدامة فنعني به ذلك النظام الذي يتمكن من إنتاج السلع والخدمات بشكل مستمر، وأن يحافظ على مستوى معين من التوازن الاقتصادي ما بين الناتج العام والدين العام، وأن يمنع حدوث اختلالات اجتماعية كنتيجة لبعض السياسات الاقتصادية، أما الجانب البيئي فهو ذلك النظام المستدام بيئياً والذي من خلاله يجب أن نحافظ على قاعدة ثابتة ومتينة من الموارد الطبيعية، وتجنب الاستنزاف الزائد للموارد الطبيعية، ويشمل ذلك إنتاجية التربة، والاتزان الجوي ( تلوث الهواء)، والأنظمة البيئية الطبيعية التي لا تصنف عادةً  كموارد اقتصادية.

لقـد أولت ليبيا ومنذ استقلالها أربع قواعـد أساسية للتنمية وهي: قهر التخلف وتحقيق التقدم، وتنمية وترقية البنية الأساسية، ونشر التعليم، وزيادة الناتج الإجمالي المحلي، ولكن مع سيطرة القطاع العام في دولة ريعية قليلة السكان فقد أنتج ذلك نموذجاً مشوهاً للتنمية، وبدلاً من التركيز على الإنسان الذي يُمثل عماد التنمية فقد كان تركيز الحكومات الليبية مُنصبًا على البعد الاقتصادي للتنمية: وذلك من خلال زيادة الناتج الإجمالي المحلي، والقيمة المضافة لعناصر الإنتاج والاكتفاء الذاتي، وفرض السياسات الحمائية للصناعات الوطنية، وقد أدى توجه الدولة الليبية إلى احتكار التوظيف والتشغيل إلى التقليل من مشاركة القطاع الأهلي (الخاص) في خلق فرص العمل، وترتب على ذلك تضخم الجهاز الإداري والخدمي الحكومي المترهل أصلاً، والذي يمثل لوحده نسبة زادت عن 75 % من إجمالي نسبة القادرين على العمل في ليبيا، صاحبهُ تدني الإنتاجية ومعدلات الآداء، وتدنت معه معدلات كفاءة العمالة الوطنية، ورافقه تخلف وتدني مستوى جودة الخدمات الاجتماعية وبالأخص في جانبي الصحة والتعليم، كما أدى إلى تزايد مؤشرات البطالة، وتفشت معه ظاهرة التواكل على الدولة، وتدني ملحوظ في مؤشرات الشفافية والإفصاح التي تُمثل أبسط متطلبات الحكم الرشيد، وبالمناسبة فإن الامم المتحدة قد حددت ثماني مؤشرات يُقاس من خلالها الحكم الرشيد في أي بلد وهي : المشاركة، وسيادة القانون، والشفافية، والاستجابة، والتوجه القائم على التوافق في الآراء، والعدالة والشمولية، والفعالية والكفاءة، والمسائلة.

لقد أنتج احتكار الدولة للتنمية في ليبيا، وتركيزها على الجانب الاقتصادي منها فقط وإهمال التنمية البشرية عجزاً في توفير فرص العمل، وزيادة في عدد الباحثين ((العاطلين)) عن العمل خاصة بين حملة الشهادات الجامعية والعليا بالتوازي مع إهمال التعليم التقني والفني والذي تحتاجه ليبيا أكثر من غيره من أنواع التعليم، وبالتالي فقد انحصر دور الدولة في كونها راعية وضامنة لجودة الخدمات، وصارت هي الموفرة لشبكة الأمان الاجتماعي، وللأمن الوطني، وهي المنظمة لعلاقات العمال وإنتاجيتهم، وهي الراعية لحقوق الإنسان، وحتى الضامنة لمناخ الشفافية والجودة والحكم الرشيد …الخ، وكدولة ريعية (دولة مُرضعة للجميع) فإنه يمكننا تلخيص معوقات التنمية المستدامة في ليبيا في الآتي:

  1. تفشي ثقافة الفقر، وظاهرة التواكل على الدولة.
  2. الهدر في أهم الموارد وهي مورد الوقت، والموارد الطبيعية، والموارد البشرية.
  3. الفجوة الرقمية والتخلف التكنولوجي عن باقي الدول.
  4. تراجع القدرة التنافسية لكل القطاعات، وبالأخص قطاعات التشغيل والتعليم والصحة على وجه الخصوص، وانتشار كل ما يؤدي إلى إعادة إنتاج البطالة، وبالتالي صارت البطالة مشكلة، وتحول النمو الديمغرافي الطبيعي إلى معضلة.
  5. ندرة المبادرات، والتأثر بالأحداث والمستجدات دون التأثير الفاعل فيها (أي الاكتفاء برد الفعل).
  6. احتكار التنمية من قبل الدولة، بل ومحاولة استنساخ ( أو استيراد) برامج/ خطط تنموية جاهزة دون خلقها محلياً.
  7. نمط الحياة الليبية المصاب بالمرض الهولندي.
  8. الاعتماد على التعليم التلقيني والمنتشر بكثافة أفقياً، وعدم الاندماج في التعليم المستدام، وإهمال التعليم التقني والفني والذي تحتاجه البلاد أكثر من غيره من أنواع التعليم.
  9. الهجرة المتزايدة من الأرياف إلى المدن والمناطق الحضرية بسبب مركزية الإدارة والخدمات، والتي تتطلب في المقابل إعطاء المناطق خارج المدن الكبرى وبالأخص الريفية منها الأولوية عند إعداد البرامج الصحية والتعليمية، وتزويدها بالبنية التحتية المناسبة.

يتبع …

ليبيا والتقرير الدوري عن أهداف التنمية المستدامة في قارة أفريقيا للعام 2019 "الجزء الأول"
مشاركة الخبر