Skip to main content
"محمد أبوسنينة" يتساءل: هل حظيت جائحة فيروس كورونا بما تستحقه من اهتمام في ليبيا؟ .. دعوة لتوحيد الجهود
|

“محمد أبوسنينة” يتساءل: هل حظيت جائحة فيروس كورونا بما تستحقه من اهتمام في ليبيا؟ .. دعوة لتوحيد الجهود

كتب: الخبير الاقتصادي “د. محمد أبوسنينة”

لا شك أن جائحة كورونا شملت كل بلدان العالم، وبدرجات متفاوتة، ولذلك سميت جائحة، وكانت ولا تزال محل اهتمام ودراسة ومتابعة على أعلى المستويات، من قبل القيادات السياسية والمنظمات الدولية المعنية، ومنظمات المجتمع المدني، والجامعات ومراكز الأبحات العلمية، فقد تجاوز عدد الإصابات على مستوى العالم 26 مليون إصابة وفي ليبيا تجاوز إجمالي عدد الحالات المصابة 16الف إصابة، أي ما نسبته 2.4 في الألف من إجمالي عدد السكان، مما ينذذر بكارثة إنسانية.

ذلك أن هذا الوباء رتب مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية للدول والحكومات والجماعات البشرية والأفراد على حد سواء، وخلق واقعا جديدًا في المعاملات الدولية وفي طرق ووسائل عقد الموتمرات والاجتماعات والتواصل الاجتماعي والسفر والتنقل وأساليب تقديم الخدمات، وحتى في البروتوكولات السياسية، وللتخفيف من الاثار السلبية للجائحة وضعت الدول خطط طوارئ، ورصدت ميزانيات خاصة لتوفير الاحتياجات الطبية وتقديم الدعم والمساعدة للقطاعات الاقتصادية لانتشالها من الانحدار نحو الركود ولتعزيز آفاق النمو الاقتصادي.

نحن في ليبيا، وقد اتسعت دائرة انتشار الفيروس وخرجت عن السيطرة في بعض المناطق وصارت تهدد الأمن الصحي والاجتماعي للبلاد، ماذا أعددنا على مختلف الصعد لمواجهة هذا الخطر؟

أولا؛ على الصعيد الاقتصادي، هل تم تقييم أثر الجائحة على النشاط الاقتصادي من خلال تقدير حجم التراجع في النشاط الاقتصادي والخسائر التي تعرض لها القطاع الخاص والمنشآت الفردية الصغيرة، والفرص الضائعة على الاقتصاد الوطني وتأثير الجائحة على معدلات الفقر التي من المتوقع أنها قد تفاقمت، والزيادة في نسبة من هم تحت خط الفقر بسبب توقف مصادر رزقهم مدفوعة بسوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الاخرى وعلى رأسها مشكلة الكهرباء. فهل قامت الجهات المسؤلة بتقدير حجم الضرر وعملت على التخفيف من آثاره على غرار ما قامت به الدول الاخرى؟

ولما كانت المؤشرات تنبئي بتفاقم الوضع وأن الجائحة قد تستمر لفترة أطول، فإن آثارها الاقتصادية سوف تمتد وتتعاظم، مما يستوجب وضع خطة للتعايش مع المشكلة وفرض أنماط عمل جديدة وخططا لاستمرارية الأعمال، وإقرار إجراءات تتبع في مختلف القطاعات والتوسع في تقديم الخدمات المصرفية الالكترونية، ومتابعة تنفيذها على أرض الواقع، وأن تتحمل الدولة مسؤلياتها كاملة في هذا الاتجاه. وهل مواجهة الجائحة يقع في أعلى سلم الأولويات من حيت رصد الميزانيات اللازمة والحرص على دقة تنفيذها وإخراجها من دوائر الفساد والبيروقراطية؟ أم أن مشاكل الحياة الأخرى قد طغت على جهود مواجهة الجائحة مما أدى إلى استفحالها وخروجها عن دائرة السيطرة؟

ثانيًا؛ على الصعيد الاجتماعي، لقد فقدت الكثير من العائلات من يرعى شؤونها، وتقطعت سبل التواصل بين مختلف الأفراد والعائلات، وخضعت الكثير من العائلات للحجر الصحي المنزلي، وتوقفت الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية التي تربط الليبيين مع بعضهم، وفرض التباعد الاجتماعي واقعا جديدا لم يألفه الليبيون في السابق، فكيف كانت ردود أفعال الناس، وما هو أثر الصدمة عليهم. هذا الموضوع يجب أن يكون محل اهتمام ودراسة من قبل مراكز الأبحات وأقسام علم الاجتماع في مختلف الجامعات لتقييم هذه الاثار وتبعاتها والتوجيه ببعض التوصيات التي قد تحد من انعكاساتها السلبية على المجتمع. فهل تم تبني مثل هذا التوجه والعمل على تنفيذه ضمن خطة مواجهة الجائحة؟

ثالثا، الأبعاد النفسية للجائحة واثارها على سلوك الافراد ، والصحة النفسية للمجتمع ، سواء على من تعرض للاصابة وشفي منها او على مستوى العائلات التي فقدت بعض افرادها بسبب الفيروس. كيف اثرت الجائحة والواقع الذي فرضته على سلوكيات الافراد في تعاملهم مع الاخرين وفي انماط ممارسة حياتهم اليومية ، وفي كيفية التسوق ، واسلوب التخاطب ، وربما منهم من تعرض للاكتئاب ، فضلا عن الفزع والخوف الذي صار يحاصر الكثيرين تحسبا للاصابة او الموت … فهل اهتمت مراكز الأبحاث في الجامعات والاقسام العلمية بهذه الاثار والانعكاسات النفسية للجائحة في المجتمع الليبي؟ وما هي التدابير الواجب اتباعها للتخفيف من هذه الاثار ، وتوفير الدعم النفسي والجهود التوعوية الواجب بذلها من قبل المختصين والمسؤولين عن صحة المجتمع؟

رابعا؛ الاثار على المنظومة الصحية ، ينبغي تقييم الامكانيات والاجهزة والمعدات اللازمة لمواجهة الجائحة ومدى توفر وكفاءة وجاهزية اماكن العزل ، ومدى كفاية عدد الاطباء والاطقم الطبية المساعدة ، ومدى توفر التخصصات الدقيقة القادرة على التعامل مع الحالات المصابة سواء في العناية الفائقة او في اقسام الاستقبال والطوارئ ، ووضع خطة لاستكمال النقص بالاستعانة بعناصر طبية اجنبية ورصد الاموال اللازمة لذلك ، ودراسة الاسباب والعوامل التي تؤدي الى تعرض العناصر الطبية للاصابة بالفيروس لاسيما في ظل تسجيل عدد من الوفيات بين الاطقم الطبية على ندرتها ، واتخاذ الاجراءات اللازمة للحد من هذا الخطر … هذه الاعتبارات ، يجب ان توضع ضمن خطة متكاملة الاركان بابعادها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والصحية ، خطة موحدة تشمل كافة المناطق ، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، تجري متابعتها من قبل خلية ازمة مسؤولة تخضع للمتابعة والتقييم المستمر ، ولا يجدي ان تكون لكل منطقة او مدينة خطتها الخاصة بها لمواجهة الجائحة ، لان وجود خطة موحدة يعنى تكامل الامكانيات وتوحيد الجهود ودعم افاق التتبع و السيطرة على الفيروس، وهو الامر الذى نفتقده اليوم ، ولعل تفشي الجائحة وخروجها عن السيطره مرده تعامل كل منطقة على حدة مع المشكلة بمعزل عن بقية المناطق الأخرى، رغم ان منافذ الدولة مشتركة وحركة الافراد والسلع غير مقيدة ، ولا يجب ان تقيد ، ومصدر الموارد والاموال واحد ، فهل توحد جائحة كورونا جهود الليبيين في مواجهتها؟


مشاركة الخبر