Skip to main content
"محمد أبو سنينة" يكتب: دعوة للتفكير (تداعيات جائحة فيروس كورونا المستحدث)
|

“محمد أبو سنينة” يكتب: دعوة للتفكير (تداعيات جائحة فيروس كورونا المستحدث)

كتب: الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة”

هناك شيء غير مفهوم حول جائحة فيروس كورونا المستحدث ( COVID19 )، وما نعلمه عنها أقل بكثير مما لا نعلمه، لا أتكلم عن التداعيات المرضية للفيروس، ولا أشك في قدرة الخالق عز وجل على قهر العباد وحتى استبدال قوم بآخرين، ولكن في ظل الصراع الاقتصادي المحموم بين الاقتصادات الكبرى؛ الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من جهة، والصين والاقتصادات الناشئة من جهة أخرى، كيف يسمح النظام الاقتصادي العالمي القائم اليوم بهذه الانهيارات التي شهدتها الأسواق العالمية والبورصات، وكيف يقف الجميع عاجزًا في مواجهة تدني معدلات النمو الاقتصادي نتيجة للإغلاق القسري والطوعي للأعمال والنشاطات الاقتصادية وتوقف عجلة الإنتاج في كبريات الصناعة العالمية، بل التحول نحو صناعات جديدة تركز على إنتاج المعدات الطبية كما حدث في الولايات المتحدة، وإفلاس الكثير من الشركات، وفقدان الملايين لمصادر رزقهم، وتعرض حوالي 25 مليون عامل للبطالة، وضياع مليارات الدولارات من الضرائب التي كانت تجبيها الحكومات من الممولين، أفراد وكيانات، وما خصصته حكومات الدول المختلفة من دعم وتعويضات لمختلف الأعمال كإجراءات احترازية بغية تحفيز النشاط الاقتصادي وانقاذه من الانهيار نحو الكساد.

حيت تجاوز ما رصدته الحكومة الأمريكية وحدها كحزمة لإنعاش الاقتصاد أكثر من 2 ترليون دولار، وخصصت إيطاليا 25 مليار يورو، وخصصت بريطانيا 30 مليار جنيه إسترليني، وأبدت الصين استعدادها لتخصيص 137 مليار دولار في مواجهة الجائحة ، ورصد صندوق النقد الدولي 50 مليار دولار لدعم الدول المتضررة، ورصد البنك الدولي 12 مليار دولار مساعدات للدول المتضررة، فضلا عن الانهيار الذى شهدته أسعار النفط ؟؟

وقد أنجر وراء هذا السيل من الإجراءات كل دول العالم بدون استثناء، في تسابق رهيب نحو الحظر والحجر والحجز والمنع والإغلاق، وتخصيص ميزانيات خاصة كل حسب إمكانياته، فانكمشت اقتصادات الدول طواعية وعلى حين غرة كل حسب حجمه ودوره في الاقتصاد العالمي، حيث قدرت الخسارة في النمو الاقتصادي العالمي بأكثر من 160 مليار دولار ( والنتيجة أزمة اقتصادية عالمية مصاحبة للجائحة ). ترى كيف تستعيض الدول الكبرى الخساير التي تعرضت لها وتستعيد ما قامت بإنفاقه ؟ ومن الذى سيدفع الثمن ؟ وما هي الاوضاع المحتملة لما سيكون عليه العالم بعد احتواء الجائحة مقارنة بالأوضاع الحالية ؟.

وبالرغم من أن الجائحة في أوجهها، نسمع عن أخبار بتوقع انتهاء الأزمة برمتها خلال منظور زمنى محدد مع نهاية 2020 وربما أقرب من ذلك، بمعنى أن الحد الأقصى لوقت إغلاق الاقتصاد (recovery time of operations ) يبدو أنه محسوب مسبقا، وحتى عدد الوفيات الذى يمكن قبوله (ضحايا كورونا )يبدو أنه مقدر سلفا.

وعندها من المتوقع أن يتم الإعلان عن اللقاح المناسب وربما العلاج الشافي، وستدور عجلة الاقتصاد العالمي من جديد ولكن وفقا لأنماط إنتاج وعلاقات عمل مختلفة، وربما نشهد تقسيم جديد للعمل مختلف عن التقسيم السائد قبل الجائحة، بمعنى أن الأموال والموارد والسلع ستتدفق في اتجاهات جديدة، في إطار علاقات اقتصادية دولية جديدة، لتعويض كل الخساير المصاحبة للجائحة، بل لاستعاضة ما انفق ( أولًا ) في إطار ما يعرف بالاستثمار في الأزمات، وإرساء قواعد جديدة للمعاملات الاقتصادية بين الدول ( ثانيًا) أي أن هناك أبعاد وتبعات اقتصادية وسياسية واجتماعية وحتى نفسية وربما عسكرية لهذه الجائحة ستتكشف للعالم وسيكتب عنها الكثيرون، فهل هي ترتيبات لنظام عالمي جديد ؟ ام أنها، كما يعتقد البعض، لا تعدو كونها ظاهرة عابرة أثرت في الأوضاع الاقتصادية القائمة اليوم ؟

إن ما يدعو للدهشة هو أن الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم عبر تاريخه الطويل كان ورائها أسباب اقتصادية في المقام الأول، كما حدت في أخر أزمة مالية عام 2008 أو ماعرف بأزمة الرهن العقاري، او كنتيجة حتمية لطبيعة النظام الرأسمالي، تحت تأثير الدورات التجارية، ومن ثم يصحح النظام نفسه ويخرج من الأزمة بتأثيرات معاكسة.

وهنا لا مجال للمقارنة بين أسباب الأزمة الاقتصادية المصاحبة لجائحة كورونا وما حدث إبان الكساد الكبير في ثلاثينات القرن المنصرم الذي كان من بين أسبابه انهيار سوق الأسهم في الولايات المتحدة الأمريكية والتحول الذي شهدته الصناعة إبان الحرب العالمية الأولى، حيث كانت الجهود الرامية لإنقاد الاقتصاد ودعم الطلب الكلي ( الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الإستثماري والإنفاق الحكومي ) خلال الفترة 1932 – 1936 للخروج من وضع الكساد، وأعاد للدولة دورها في دعم النشاط الاقتصادي خلافا للفكر الاقتصادي الذي كان سائدًا في ذلك الوقت.

وقد يفهم كل ذلك من منظور أن هياكل النظام الاقتصادي العالمي في ذلك الوقت لا زالت تتشكل ولم تكتمل بنيتها بعد، وكان دور التكنولوجيا محدودًا، بل أن حتي ما عرف بعصبة الأمم ومن بعدها هيئة الأمم المتحدة لم تتشكل بعد، وكان عصر الاستعمار لازال قائماً.

أما اليوم فإن ماسيحدث كتداعيات لجائحة فايروس كورونا، والتي يسميها أخرون جائحة الفيروس الصيني، الجائحة التي أسقطت ورقة التوت عن النظام الصحي العالمي، عندما عجزت حتى الولايات المتحدة عن إنتاج مايكفي من الكمامات، ناهيك عن أجهزة التنفس الصناعي، الجائحة التي تحدت عنها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فى السابق ( جورج بوش الابن وبراك اوباما ) عندما دعيا للاستعداد للتخفيف من الآثار المحتملة للجائحة وتطوير النظام الصحي في مواجهتها، الجائحة التي ورد وصفها في بعض الكتب التي صدرت منذ ما يقارب عقدين من الزمن، ومن خلال استقراء الواقع والصراع الاقتصادي القائم اليوم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين باعتبارهما أقوى اقتصادات العالم، والضغوط التي تتعرض لها منظمة الصحة العالمية، والحملة الإعلامية الضخمة المصاحبة للجائحة وما أفضت إليه من هلع في أوساط الناس وبين الدول، جعلت الجميع يتسمرون أمام الشاشات.

وأخيرا سعي الرئيس الأمريكي الحالي ( ترامب ) لإعادة فتح الاقتصاد ( لأن وقت افتتاحه قد حان ) رغم أن المنحنى الوبائي والوفيات المعلنة في الولايات المتحدة الأمريكية لازال في تصاعد، كل ذلك يوحي بأن هذه الجائحة (COVID 19 )في شكلها الجديد، قد تم تسخيرها اواستغلالها، كأداة للتغيير ولتحقيق أهداف مرسومة سلفًا، رغم أن الفيروس معروف مند ستينيات القرن المنصرم على أنه فيروس يتطور، وستكون الصين والدول الهشة ومن تدور في فلكه هي الدول المستهدفة التي ستدفع الثمن، مالم ينقلب السحر على الساحر.

مشاركة الخبر