| مقالات اقتصادية
محمد الشحاتي يكتب : ماذا يتهدد مستقبل الإنتاج الليبي من النفط: نظرة إلى تكاليف الإنتاج في 2020
كتب: الخبير النفطي محمد الشحاتي مقالا:
تهدف الصناعة النفطية إلى استقرار وتطوير الإنتاج النفطي في ظل المحافظة على أقصى درجات الحفاظ على البيئة والسلامة.
وبالرغم من أن الثروة النفطية هي مورد طبيعي لا يحتاج إلى تصنيع، ألا أن الحصول عليه يحتاج من مالك المورد إلى تكبد تكلفة مالية كبيرة، أولا في مراحل الاستكشاف والتنقيب وثانيا في مراحل الإنتاج والتطوير.
الانفاق على التكلفة يغطي نوعان هما التكلفة الرأسمالية والتكلفة التشغيلية. كل نوع من التكلفة كما يعرف المختصون مصنف وفقا لإجراءات وتعاريف محاسبية دقيقة وهناك بالطبع خلاف نظري على بعض التفاصيل ليس محل نقاشها هنا.
التكلفة الرأسمالية تتعلق بتلك المصروفات التي تنفق لتغطية الحصول على أصول للشركة المشغلة بما يدخل فيها آلات الحفر، الانابيب، وسائل النقل، المضخات ووسائل الحماية والسلامة، بينما تغطي التكلفة التشغيلية منها بنود الأجور، رسوم الكهرباء والانارة، الكيماويات المستعملة وخدمات الغير.
تختلف الصناعات في نسبة توزيع التكاليف بين الرأسمالية والتشغيلية ولكن بالنسبة للصناعة النفطية فأن متطلبات التطوير والسلامة تجعل منها صناعة كثيفة الاستعمال لرأس المال وهو ما يقتطع جزءا كبيرا من الأرباح المتوقعة من النشاط النفطي.
وقد زادت المتطلبات الرأسمالية نتيجة عاملين هامين هما تقادم الصناعة حيث إن معظم الحقول العاملة الجديدة تفتقد ميزة حداثة الإنتاج من ناحية ضغط المكمن أو الانسياب الطبيعي مما يزيد من تكاليف المعالجة والرفع والصيانة بشكل كبير، أما العامل الثاني فأن الصناعة أصبحت أكثر حذرا في التحوط ضد الاخطار البيئية والكوارث الصناعية مما رفع هذه التكاليف بشكل كبير مقارنة بالممارسات السابقة التي كانت أقل اهتماما في هذه الناحية.
ولأن التكلفة الرأسمالية قليلة المرونة ويتم تخفيضها على المدى الطويل بواسطة التقدم التكنولوجي فأن نجاح الصناعة يعتمد إلى حد بعيد على نجاحها في التحكم في مستويات تكاليف التشغيل الأكثر مرونة نظريا.
وبينما يصعب تحديد التوزيع المئوي لكل صنف من التكاليف بنسبة مئوية لأن ذلك يعود للظروف المحيطة بالعملية الإنتاجية ألا أنه يوجد عرف من ناحية تخطيطية أن التكاليف الرأسمالية لا يجب أن تقل عن 50% من التكاليف الاجمالية.
وبينما معظم هذه الحقائق تنطبق على الإنتاج الليبي من النفط ألا أن هناك بعض العوامل التي تخفض التكاليف بشكل عام في ليبيا.
فالإنتاج النفطي في ليبيا يتعامل في الأغلب مع أنواع نفط خفيفة أسهل في التناول مما يخفض إلى حد كبير تكاليف النقل والضخ مقارنة بخامات دولية أخرى كما إن وجود النفط في المناطق البرية ذات الطقس المعتدل يساعد أيضا في تخفيض تكلفة اللوجستيات.
بالإضافة إلى ذلك فأن اتساع الرقعة الصحراوية التي يوجد فيها النفط يساعد في تخفيض مصاريف الاحتياط من الكوارث الصناعية التي قد تتهدد السكان أو الحياة البرية.
يتساءل الكثير من الأصدقاء على متوسط تكلفة انتاج النفط الخام بالبرميل في ليبيا وقد تناولت هذا الموضوع في مقالات أخرى وأظن أن نفس هذا السؤال سيتكرر هنا.
إجابتي أن الوضع الحالي لا يمثل أبدا وقتا مناسبا لحساب تكلفة الإنتاج بالبرميل نتيجة لعدة عوامل عرضية تؤثر في هيكلية التكلفة في ليبيا. يجب أن نعترف أننا نمر بأزمة عميقة في عمليات تمويل الصناعة وهناك خطر كبير يلوح في الأفق أمام مستقبل الإنتاج النفطي في ليبيا.
استعرض معكم هنا بيانات حديثة عن تقدير التكاليف الرأسمالية والتشغيلية في عدة دول منتجة للنفط في سنة 2020 في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
الرسومات البيانية واضحة بذاتها
معظم الدول تخصص في المتوسط أن لم يكن أكثر 50% من التكاليف الاجمالية لتغطية النفقات الرأسمالية، بينما ليبيا قامت خلال العام الحالي بصرف أكثر من 90% من التكاليف الاجمالية على بند التكاليف التشغيلية. التكاليف الرأسمالية لم يتعد الصرف عليها أكثر من 48 مليون دولار خلال السنة وفقا للتقديرات الصناعية، بينما وصل الانفاق عل التكاليف التشغيلية إلى أكثر من مليار دولار.
متوسط الانفاق الاجمالي على برميل واحد لدول أوبك في المجموعة الجزائر، السعودية، الامارات، الكويت، العراق يصل إلى 11.60 دولار/برميل بينما ليبيا لم تنفق سوى 2.85 دولار/برميل.
أتجنب وضع هذه الحقيقة في رسم لأني في مقال سابق وضعتها للتدليل على ضعف الانفاق ففوجئت بأن الرسم أصبح يتداول للتدليل على انخفاض تكلفة البرميل في ليبيا وهو غير صحيح.
ولهذا السبب فقد أوضحت في عناوين الرسم أن انخفاض الانفاق هو تهديد لمستقبل الإنتاج وليس عاملا إيجابيا.
وفي حين أن الانفاق التشغيلي مرتفع جدا مقارنة بالإنفاق الرأسمالي كما تمت الملاحظة ألا أنه يجب القول إن الانفاق التشغيلي أيضا منخفض جدا مقارنة بمستويات الانفاق في الدول الأخرى.
فعند مقارنة نسبة الانفاق الإجمالي بما فيه الانفاق التشغيلي لدعم مستوى الإنتاج النفطي فأن نجد أن هذه النسبة لا تتجاوز 4% بينما تصل في كل الدول إلى أكثر من 60% كما هو موضح بالرسم.
هناك دلائل قوية على أن الوضع الحالي يهدد مستويات انتاج النفط مستقبلا مما يحتم إيجاد نموذج تمويلي كفؤ وفعال للصناعة النفطية في ليبيا.