بين جشع المصحات والشركات الوسيطة وفوضى الملحقيات الصحية وغياب دور وزارة الصحة التي إبتكرت مصدراً جديد للفساد وهو ماعُرف بالشركات الطبية والوسيطة وتحيّيد دور الملحقية الصحية لتصبح عبارة عن مكتب للتنسيق فقط.
تستمر معاناة المرضى الليبيين في الخارج والحديثُ هُنا عن مرضى الأورام في دولة تونس، وفي ظل غياب الأجهزة الرقابية والإجراءات الرادعة وتأخر تسديد الديون للمصحات الأمر الذي يترتب عليه في أغلب الأحيان إخراج المرضى قسراً من المصحات التونسية، ناهيك عن التأخر المستمر في إعطاء الجرعات العلاجية، إضافةً إلى تكبيد المرضى نفقات التنقل إلى أطراف العاصمة تونس للوصول إلى مكان الصيدلية التي يستلم منها المريض جرعات الكيماوي التي لا تفتح أبوابها إلاّ في وقت متأخر من الليل.
ورغم كل الوعود التي تقدمها الحكومات الليبية بإنهاء نزيف الأموال وتهريب العملات الأجنبية منذ سنوات عن طريق التلاعب في الفواتير واستمرار السمسرة بأرواح المواطنين وضعف جودة الخدمات الطبيّة المُقدّمة مقارنةً بالمبالغ التي تصرف لهم، وتقطع السبل ببعض المرضى حين تقرر الشركة الوسيطة إيقاف تقديم الخدمات الطبية بحجة مطالبتها بمستحقاتها المالية، وتستمر معاناة المرضى دون قرارٍ حقيقي لإنهاء هذه الأزمة.
ولتسليط الضوء أكثر على هذا الملف تواصلت صحيفة صدى الاقتصادية مع أحد المرضى المتواجدين في تونس “محمد أمحمد” حيث أوضح لصحيفة صدى الاقتصادية بأنّ مرضى الأورام في تونس يعانون بكل المقاييس الطبية والإنسانية من ضعف جودة الخدمات الطبية ومن بطئ الإجراءات الإدارية الخاصة بفتح الملفات والازدحام أمام السفارة وكثرة الأوراق المطلوبة في كل جرعة أو تحليل، إضافةً إلى المسافة الطويلة المقطوعة بين السفارة ومقر الشركة لإتمام الإجراءات وطول فترة الإنتظار تحت الشمس وعدم توفر دورات المياه أو أيّة شروط صحية.
وأضاف أنّ الأطباء المسؤولين عن مرضى الأورام هم من أقل الأطباء كفاءةً في تونس، ناهيك عن عدم الاهتمام بالمرضى والمعاملة السيئة وعدم الإجابة على إتصالات واستفسارات المرضى.
وتابع قائلاً أنّ بعض المصحات بها أسِرّة محدودة لتلقي جرعات الكيمياوي ولكن يتم إستقبال عدد كبير من المرضى، ممّا يسبب ازدحام بين المرضى وزيادة ساعات الإنتظار.
كما تسائل بالقول: لماذا يتم التعاقد مع صيدلية في منطقة تقع في أطراف العاصمة تونس في منطقة شعبية “رواد” لا تقيم فيها الجالية الليبية وتبعد كثيراً عن الأماكن التي تقيم بها الجالية الليبية، كما أوضح أيضاً أن هذه الصيدلية صيدلية ليلية ولا تستطيع استلام جرعة الكيمياوي أو الأدوية قبل الساعة التاسعة ونصف ليلاً.
وفي هذا الصدد صرح مصدر مسؤول من داخل الملحقية الصحية بالعاصمة تونس حصرياً لصحيفة صدى الاقتصادية أنّ دور الملحقية الصحية في الأربع سنوات الأخيرة أصبحت مقتصرة على التنسيق بين الشركة المسؤولة عن التعاقد مع المصحات التونسية والمرضى.
وأضاف المصدر أنّ سبب ضعف جودة الخدمات الطبّية في تونس هو كثرة الديون التي تطالب بها المصحات التونسية وتخوف كبار الأطباء من الانخراط في العمل ضمن هذه العقود بسبب تأخر مستحقاتهم المالية، الأمر الذي إنعكس سلباً على الخدمات الطبية المقدمة من المصحات التونسية.
كما أوضح المصدر أيضا أن سبب توقف العلاج في تونس واستثناء أمراض الأورام يرجع إلى الشركة الوسيطة بسبب كثرة الديون التي تطالب الشركة وزارة الصحة بها.
كما تساءل المصدر عن الجدوى من هذه الشركات الوسيطة التي تتقاضى نسبة 20% من قيمة فواتير علاج المرضى، وفي الوقت ذاته توقف الشركة العلاج كلما تأخر تسديد المستحقات من قبل وزارة الصحة.
كما أشار المصدر إلى أن إيقاف شركة الشفاء المتميز للخدمات الطبية كان بسبب تلاعب في قيم فواتير العلاج للمرضى في الساحة التونسية والشركة التي تعمل الآن هي شركة الأريج رغم توقفها المؤقت بسبب الديون المستحقة، وشدّد على ضرورة توفير منظومة لتنظيم العلاج وربط المنظومة بين الملحقية والشركة والمصحات والصيدلية للحد من بعض التجاوزات.
كما أكّد المصدر على الطلب المتكرر من موظفي الملحقية لتوفير منظومة للمرضى ومنظومة الأرشفة لتسهيل العمل بالملحقية، ولكن إلى حد هذه اللحظة لم يتم الرد من الجهات ذلت العلاقة.
ولمعرفة خبايا هذه الشركات تواصلت صحيفة صدى الاقتصادية مع مدير شركة الشفاء المتميز “بشير المزوغي” لمعرفة أسباب إيقاف عمل الشركة بالساحة التونسية، وحقيقة ما تم تداوله بخصوص تلاعب الشركة بفواتير علاج المرضى ولكنّهُ لم يجب على تساؤلاتها.
وفي ذات السياق تواصلت صحيفة صدى الاقتصادية عدّة مرّات مع مدير شركة الأريج للخدمات الطبية “الهادي قريصة” ومع المسؤولين بالشركة دون الحصول على ردٍ حول ملف العلاج في الساحة التونسية وشكاوى المرضى.
كما تواصلت صحيفة صدى الاقتصادية مع مصدرٍ مسؤول والذي أوضح أنّ الشركة تتعرض للعديد من الضغوط من بعض الجهات في الدولة، كما أوضح أنّ الشركة لم تتحصل على مستحقاتها المالية من الدولة الليبية منذ فترة طويلة الأمر الذي اضطّر الشركة إلى إيقاف العلاج بالمصحات التونسية.
وفي ذات السياق ولمعرفة إمكانية إنهاء أزمة العلاج في الخارج وإقفال ملف من ملفات الفساد في الدولة أكّد مدير المعهد القومي لعلاج الأورام مصراتة “محمد الفقيه” في تصريح حصري لصحيفة صدى الاقتصادية أنّه من السهل توطين علاج الأورام بالداخل وليبيا لديها القدرة الكافية من ناحية توفر الكوادر الطبية والاجهزة الطبية الخاصة بمثل هذه الأمراض؛ ولكن تعاني مراكز الأورام وبالتحديد من نقص في المواد المشغّلة لبعض الأجهزة والاستمرارية في توفير جرعات الكيماوي.
وأضاف “الفقيه” أنّه على الدولة أن تساعد في توفير وتدوير الكوادر الطبية وتوزيعهم بين المراكز والمستشفيات المتخصصة في علاج الأورام، ومايحصل الآن هو تكدس الكوادر الطبية والطبية المساعدة في بعض المستشفيات، بينما مستشفيات أخرى تعاني من النقص، كما أوضح أنّ المركز يعاني من نقص الكوادر الطبية المساعدة وبالأخص في الفترة الليليّة، وعلى الدولة توفير كوادر طبية مساعدة وبهذا نكون قد أقفلنا ملف العلاج بالخارج.
ولتسليط الضوء أكثر على حجم الفساد ملف العلاج بالخارج أوضح الخبير الاقتصادي “وحيد الجبو” لصحيفة صدى الاقتصادية أنّ الفساد الحاصل في الملحقيات الصحية هو إمتداد للفساد الحاصل في الداخل.
وأضاف “الجبو” أنّه على أجهزة الدولة الرقابية مراجعة كل الفواتير والتقارير والقيم المالية التى تم التلاعب بها بأرقام غير حقيقية وتم إلزام الدولة الليبية بدفعها.
وختم “الجبو” حديثهُ قائلاً: إنّ مكافحة الفساد في الملحقيات الصحية تعتمد على الاتفاقيات التي يعقدها الجانب الليبي مع الدول الأخرى ومصداقية الملحقيات الصحية، وتعتمد أيضاً على التعاقد مع مصحات ذات مصداقية حقيقية في وضع الأسعار؛ ولكن للأسف لازال في العديد من الدول يحدث فساد وإهدار للمال العام غير مقبول وتهريبٌ للعملة موثّق في تقارير الأجهزة الرقابيّة وعملية القضاء على هذا الفساد يعتمد على تكاثف الجهود بين أجهزة الدولة والتعاون مع الدول التي يتم فيها العلاج.
ضاق الحالُ بالمرضى وأُسرهم في ظل تردّي الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد وبقائهم بين مطرقة جشع سمسرة العلاج وسندان غياب الدور الفعال للأجهزة الدولة الرقابية، ولسان حالهم يردّد: هل سنرى قرارات جريئة لوقف طوفان الفساد الذي يقرّب شبح الموت منهم؟.