Skip to main content
مقارنة بين توقعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأخيرة الصادرة في أكتوبر 2018 فيما يخص ليبيا
|

مقارنة بين توقعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأخيرة الصادرة في أكتوبر 2018 فيما يخص ليبيا

كتب الخبير الأقتصادي  ” محمد أحمد ” عبر صفحته في الفيس بوك أخبار النفط الليبية يوم السبت 13 أكتوبر ، عن مقارنة بين توقعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتى صدرت أخيراً في أكتوبر 2018 فيما يخص ليبيا.
وقال أنه من الممكن أن تكون هذه التقارير والارقام غير مفيدة أو مفهومة للمواطن الليبي ، وفي
حقيقة القول وفي ظل عدم وجود مؤسسات وطنية حكومية أو خاصة قادرة على ارشاد المستهلك أو المستثمر الليبي ، فأنه ومن خلال هذه المقالة سأقوم بتبسيط الأمر .

أن هذه المؤسسات الدولية بأرقامها الجديدة تحاول أن توصل هذه الرسالة لصاحب القرار الليبي ، حيث تضح نقاط مهمة وهى :
1. أن خطر التضخم لا زال قائم في مستويات متوسطة
2. أن الإنفاق العام هو المشكل الرئيسي في الاقتصاد الليبي
3. أن معدلات الاستثمار منخفضة جدا
4. أن أنعدام السياسات النقدية “وعلى رأسها استخدام سعر الفائدة” يضاعف من الازمة الاقتصادية
5. توقعات أثر ارتفاع سعر النفط و ارتفاع الانتاج على النمو كانت أقل من التوقعات في سنة 2018
وفي هذه الحالة الرسالة السياسية واضحة لأصحاب القرار، بأهمية تخفيض الانفاق العام ورفع سعر الفائدة مع تحفيز الاستثمار.
أما الرسالة التي يوصلها الصندوق و البنك “للمواطن البسيط ” فأنها أذا استمرت الحكومة على نفس المنوال فأن القوة الشرائية للدينار ستنخفض بالنسبة لصندوق الدولي بـ 95% في سنة 2023 مقارنة بسنة 2018 ، وأنه لكي تحتفظ بنفس مستواك المعيشي فأن دخلك كمواطن يجب أن يرتفع بنفس النسبة .
يعني أن أصحاب المرتبات من 700 إلى 1000 دينار سنة 2018 يجب أن تكون في سنة 2023 ما تعادل 1950 دينار ” للحصول على نفس المستوى المعيشي “
ولو أفترضنا زيادة سنوية 5% يعني أن مرتبه سيرتفع 250 دينار بحلول 2023
وهذا يعني أنه سيخسر 700 دينار من مستوى معيشته في 2018 ، وفي ظل عدم وجود حافز لإيداع المال في المصرف (إنتفاء أي فائدة) فان الصرف المبكر هو الحل أو اللجوء إلي شراء عملة أجنبية وتخزينها .

وبصورة ملخصة ذكرت في الادراجات السابقة أن صندوق النقد الدولي و البنك الدولي هما مؤسستان منفصلتان ، ولكل منهما أهداف و يتبعان الأمم المتحدة ويعملان من العاصمة الامريكية واشنطن، وبالرغم من كل هذه النقاط المشتركة ألا أن رؤيتهما لنفس القضايا الاقتصادية نوعا ما مختلفة ، وما يهمنا هنا هو توقعاتهم للمستقبل الاقتصادي للعالم أو لكل دولة على حدة ، وقد تمت الاشارة إلي أن توقعاتهم هذه تنشر مرتين في السنة الأولى في شهر أبريل (4) و الثانية في شهر أكتوبر (10).

مقارنة بين توقعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأخيرة الصادرة في أكتوبر 2018 فيما يخص ليبيا

كما ينتظر الأقتصاديين حول العالم هذه الارقام بفارغ الصبر حيث يقومون على أثرها بتخطيط سياساتهم الاقتصادية والنقدية و التنافسية وفقا للاتجاهات العامة التي ترسمها المؤسستين.

وأن عملية التخطيط تأخذ في حسبانها الارقام المختلفة عن طريق مؤامتها للواقع و محاولة استنباط الرسائل السياسية والاقتصادية وراءها.
التوقع قائم على نماذج تحليلية معقدة تأخذ في اعتبارها كثيرا من المتغيرات النقدية و المالية و السكانية المترابطة ، كما أن السلاسل الزمنية التاريخية مستمدة أساسا من الحسابات الوطنية لكل دولة عضو مع ملء الفراغات من الصندوق أو البنك بتوقعاتهم الخاصة في حال عدم تبليغ دولة ما ببيانات حساباتها الوطنية.
وعملية ملء الفراغات اليوم أسهل بكثير من السابق نتيجة لترابط الانظمة المالية والنقدية حول العالم و انتشار المعلومات وفقا للثورة المعلوماتية، لذا لا يمكن الاحتجاج بعدم دقة البيانات المتوقعة من هذه الناحية ،  مثل بسيط كيف يمكن للدولة أن تخفي كميات وقيمة صادراتها النفطية مع كل هذه الشبكات التي تتبع السفن الناقلة للنفط حول العالم على الانترنت.

توقعات صندوق النقد الدولي
في ادراج سابق تمت الاشارة إلى أن صندوق النقد الدولي كان في توقعاته التي نشرت في هذا الشهر اكتوبر 2018 أكثر تشاؤما من تلك التي نشرت في أبريل 2018.

وبالرغم من ارتفاع سعر النفط فأن الصندوق خفض توقعاته للنمو للناتج المحلي الاجمالي في هذه السنة إلى 11% تقريبا من معدل 14% الذي صدر في أبريل 2018. ولكنه عاد ورفع معدل النمو لسنة 2019 بصورة كبيرة من 1.3% كانت متوقعة في أبريل إلي معدل 11% تم توقعها في اكتوبر.

وكما أشار الكثير من الاقتصاديين فأن هذه الارقام عكس بها الصندوق طفرة تتعلق بــــ :

  • أرتفاع سعر النفط
  • وعودة الانتاج إلي مستويات عالية

ألا أنه يجب التركيز على عدة أشياء جانبية في توقعات صندوق النقد الدولي:

أولا: النمو ما بعد 2019

يلاحظ أن النمو في الناتج المحلي الاجمالي في الفترة 2020 إلي الفترة 2023 سنخفض إلى معدل 1.5% سنويا بعد أنحسار تأثير ارتفاع اسعار النفط (الافتراض هنا ان الاسعار ستكون بين 60 إلي 70 دولار للبرميل حسب ماهو موضح في الجدول المرفق).

ونظرياً تحتاج ليبيا وفقا لمعدل نمو عدد السكان إلى معدلات نمو اقتصادي تتراوح بين 3-4% للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي.

وأن المعدلات المتوقعة من صندوق النقد الدولي معدلات منخفضة و ستؤدي إلى انخفاض في مستوى معيشة الفرد في ليبيا.

هذا يعود بنا لتفحص الجدول (1) للحصول على سبب ، والسبب واضح هنا وهو انخفاض معدل الاستثمار كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي إلي تقريبا 25% وهي نسبة متدنية جدا وتحتاج إلي رفعها على الاقل إلي 40% للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والنقدي.

مقارنة بين توقعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأخيرة الصادرة في أكتوبر 2018 فيما يخص ليبيا
ثانيا: الانفاق العام
المشكل الاساسي في الاقتصاد الليبي يظهر بوضوح في الانفاق العام، فالانفاق العام سيستمر مرتفعا جدا و بالعجز على طول الفترة إلي سنة 2023.

وبينما سينخفض معدله نسبة إلي الناتج المحلي الاجمالي إلي 69.55% في 2023 من معدل 76% هذه السنة ، إلا أن هذا المعدل لا زال عاليا جدا ومهدد للاستقرار الاقتصادي.

ثالثا: التضخم
التضخم هو النتيجة النهائية لعمليات محاولة موازنة الاستقرار الاقتصادي ، فعند عدم القدرة على التحكم في العوامل الاقتصادية والمالية والنقدية فأن التضخم يخرج عن السيطرة وهنا أرقام الصندوق الجديدة تعطي أشارات واضحة على هذا الاتجاه.

والصندوق رفع من توقعاته للتضخم في سنة 2018 و السنوات القادمة حيث كان يتوقع معدلا يقف عند 24% في 2018 ولكنه عاد ليرفعه إلي 28.5% في شهر أكتوبر لنفس السنة.

وبالرغم من أن توقعاته لمسيرة التضخم في السنوات اللاحقة ستكون منخفضة ألا أنه رفع هذا التقدير مقارنة بتوقعاته في ابريل ، وهذه التوقعات كانت مختلفة نوعا ما عن البنك الدولي، ولكن البنك الدولي بدأ يقترب من توقعات صندوق النقد الدولي كما سنشير لاحقا.

توقعات البنك الدولي الصادرة في اكتوبر 2018 ومقارنتها بتوقعات البنك السابقة وتوقعات صندوق النقد الدولي
يعتبر البنك الدولي أكثر أنفتاحا من صندوق النقد الدولي ولديه رغبة جامحة في التأثير على سياسات الدول و توجيهها وفقا لمبادئ السوق الحر.

وبالرغم من أنه يتحفظ على نشر توقعات مستقبلية في قواعد بياناته بعكس ما يفعل صندوق النقد الدولي ألا أن قراءاته لاقتصاد كل دولة في (قاعدة بيانات مكافحة الفقر) تحتاج إلى تفصيل في الاتجاهات المستقبلية. والرابط المرفق يقود إلى توقعات البنك في أكتوبر 2018. وفيما يلي بعض المقارنات الهامة بين هذه التوقعات والتوقعات السابقة للبنك وتوقعات صندوق النقد الدولي.
أولا: بالنسبة للنمو:
خفض البنك لتوقعاته من نمو سنة 2018 في ليبيا في شهر أبريل من 14.9% إلي 7.2% في شهر أكتوبر الحالي، كذلك في السنوات اللاحقة بنسب كبيرة ويجب ملاحظة أن البنك الدولي يتبع منهجية مختلفة تعتمد على (الربط بسعر الصرف) بينما يعتمد صندوق النقد الدولي على منهجية (تعدل القوة الشرائية).

ولكن نسب تخفيض البنك الدولي حقيقة للنمو مهما أختلفت المنهجية أكبر بكبير من ذاك الذي يشير إليه صندوق النقد الدولي ، وهذا ما يدل على خطأ منهجي في التقدير في التوقعات السابقة وفقا لفطنة المراقب الذي يتعامل مع هذه الارقام كما سيتضح عند نقاشنا لمستويات التضخم أيضا.
ثانيا: بالنسبة للاستهلاك الحكومي والخاص
يعتقد البنك أن الانفاق العام سيتجه إلي التناقص سنويا بوتيرة أبطأ مقارنة بتوقعاته السابقة في أبريل وهذا يعكس ربما اعتقاد البنك بأن بعدم قدرة الحكومة الليبية على أتباع سياسات تقشفية (التي كان البنك يتمنى في توقعاته السابقة ان تتبعها منها الغاء الدعم) ، ومن ناحية أخرى فأن البنك يتوقع أيضا تباطؤ في الاستهلاك الخاص لنفس فترة المقارنة وهذا قد يرجع إلي انخفاض القوة الشرائية للمستهلك الليبي.
ثالثا: بالنسبة لتوقعات التضخم
لا داعي هنا لإعدة ما ذكرناه أعلاه عن المفهوم النظري لتطور التضخم في هذه التوقعات ولكن مقارنة توقعات البنك الدولي بتوقعاته السابقة و توقعات صندوق النقد الدولي لنفس المؤشر تثير نقاط مثيرة للاستغراب و محفزة للبحث.

فالبنك الدولي أصر دائما على أن التضخم في ليبيا سينخفض بداية من 2018 بنسب كبيرة.

مثلا في أبريل الماضي كانت توقعاته لهذه السنة 10% و السنوات اللاحقة 5%. ولا أعرف أساسيات هذا التوقع و ما إذا كان خطأ اقتصادي منهجي أو تضليل سياسي متعمد (طبعا هنا أعداء نظرية المؤامرة لن يؤيدوا هذه الفرضية).

ولكن البنك نفسه يعود ليصحح الرقم بصورة كبيرة إلي 15% في 2018 و 10% للسنوات اللاحقة حتى 2020. المشكلة هنا أن البنك الدولي لايبعد عن صندوق النقد الدولي سوى أمتار في واشنطن وتقديره المخطئ للتضخم استمر بالنشر على مدى سنوات وهو يتعارض تماما مثلا مع الاحصائيات التي ينشرها مصرف ليبيا المركزي المقدرة من الهيئة العامة للمعلومات.

وشخصيا عندي شك كبير في أن البنك بهذا يقدم نصيحة مضلله لصاحب القرار الاقتصادي الليبي فيما يتعلق بموضوع الاستهلاك الحكومي ، و بالمقارنة مع ارقام صندوق النقد الدولي فأن التضخم كان واضحا رقم أكبر بكثير من تقديرات البنك الدولي فبينما كانت توقعات الصندوق 24% في أبريل كانت توقعات البنك 10%.

 

مشاركة الخبر