هل كان الليبييون بحاجة إلى اعصار دانيال لإكتشاف مايجمعهم قبل أن يعرفوا أسباب الكارثة؟
لايختلف اثنان أن ليبيا بعد 2011 إتجهت إلى انقسامات سياسية أدت إلى تفاقم مسائل الفساد الاداري والمالي حتى صارت ليبيا تقريبا تتذيل الترتيب في قائمة الشفافية والإفصاح.
اللافت أن إنعكاس ذلك فيما سبق كان على الحياة الاقتصادية حيث صعد إلى السطح بارونات الفساد وتجار الحروب والأزمات جنباً إلى جنب تجار الاعتمادات والحاويات الفارغة وعانى الاقتصاد ماعانت منهم ولولا منّ الله على ليبيا بنعمة النفط والغاز لتلاشت دولة ليبيا سياسيًا وأصبحنا مجرد اقليم مقفر مجدب.
بعد ثورة فبراير 2011 صارت ميزانية الدولة تعد بعشرات المليارات دون ان يلاحظ المواطن تحسناً على صعيد البنية التحتية ولا على صعيد الخدمات أياً كان نوعها وشكلها ولا على صعيد الرفاهية الاجتماعية للمواطن التي كانت إحدى أهم أسباب الخروج على النظام السابق.
ورغم ذلك ورغم وجود دراسات علمية أكدت الحاجة إلى صيانة السدود المائية والنقص الحاد في مياه الشرب حسب نشرات منظمات الأمم المتحدة المعنية، إلا أن ذلك لم يحرك ساكنًا لدى المسئولين وحتى المبالغ المرصودة لصيانة السدود رغم شحها وقلتها تبخرت ولم تتابع السلطات القضائية ذلك بل اعتبرت ضمن أعمال الفساد القليلة القيمة نسبيًا إذا ما قورنت بمئات ملايين الدينارات التي تنهب من كل ميزانية دون رقيب إلا من بعض تقارير ديوان المحاسبة وأخرى من الرقابة الادارية دون رادع زاجر لهذه التصرفات والاختلاسات.
سدود درنة لم تكن استثناءً وكانت حلقة في مسلسل الفساد لكنها كانت الحلقة الأكثر دموية وإيلامًا والأشد كلفة والأعلى فاتورة بين كل حلقات هذا المسلسل المأساوي الذي لايبدو لإنتهاء حلقاته زمنًا قريبًا.
دانيال كإعصار جعل الليبيون يستيقظون على حقائق طالما حاولوا تجاهلها أو تركها تجري راجين أن يكون ساساتهم على قدر المسؤولية يومًا ولكنهم بالفعل كانوا في حلم استيقظوا منه على كابوس مدمر أتى على البشر والشجر والحجر وجرف كل آمالهم وزاد من من أوجاعهم وآلامهم بل وشرد الأسر ومزقها كل ممزق.
يوماً بعد آخر تتضح لليبيين والعالم هول المآساة والتي أوضحت للجميع بجلاء أن ليبيا واحدة فالشعور الذي انتاب المواطن في الشرق نفسه في الغرب والجنوب وقوافل الإغاثة والمتطوعون تقاطروا على مدن الجبل الأخضر عامة ودرنة خاصة متناسين خلافاتهم في تعاضد شعبي مهيب.
يظل التساؤل بعد كل عمليات الفساد وسرقة المال العام فيما سبق يأتي مجلس النواب ليرفع هذه الوتيرة بإقراره 10 مليار دينار كمصروفات طوارئ لمعالجة آثار إعصار دانيال، في الوقت الذي يسعى فيه السراق والحذاق إلى الاستحواذ على هذه المبالغ وسرقتها تماماً مثلما فعلوا مع كل الميزانيات السابقة.
ألم يحن الوقت بعد لإنهاء برامج الفساد والإطاحة بالمفسدين؟ ألم تكن فاتورة الآلاف من الضحايا كفيلة بإيقاظ الضمائر وإسناد الأمور الى أهلها ؟ وإلى متى تظل ليبيا تئن وتنزف وتذرف وما من مجيب؟؟