كتب عضو مجلس النواب “عبد السلام نصية” مقالاً بعنوان رُبَ أوكرانيا نافعة.
ألقى الصراع الروسي الأوكراني بضلاله على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لدول العالم، فظاهر الحرب بين جارتين ولكن في حقيقتها هي حرب إقليمية أو دولية بصورة حديثة تختلف عن الحربين العالميين السابقين.
فعلى المستوى السياسي تأثرت كل القضايا السياسية الدولية بهذا الصراع وشهدت ملفاتها تحركاً ملحوظاً سواء الأزمة الإيرانية أو الكورية أو السورية أو الليبية أو اليمنية أو أزمة شرق المتوسط وغيرها من الأزمات ، أما على المستوى الاجتماعي فقد شهد العالم مزيد من مأسي القتل والتشريد والتهجير ، وبالرغم من أهمية ذلك إلا أن المستوى الاقتصادي يتصدر المشهد ، فالحرب لم تكن عسكرية فقط وإنما كانت عسكرية واقتصادية بصور لم يشهد العالم مثيل لها في الماضي ، فالعقوبات الدولية المتبادلة كانت بصورة غير مسبوقة مما أدى إلى تأزم الوضع الاقتصادي في كثير من البلدان بصورة مباشرة أو غير مباشرة وخاصة البلدان ذات الاقتصاديات المكشوفة .
فارتفاع أسعار النفط والغاز والتأمين والنقل أدى إلى ارتفاع السلع والبضائع وخاصة الأساسية منها بالإضافة إلى نقص إمداداتها.
حيث قفز النفط من 60 دولار للبرميل تقريباً إلى 112 دولار للبرميل تقريباً، هذه الزيادة كانت نقمة على بعض الدول وعمقت من أزمتها الاقتصادية وكانت نعمة على الدول المصدرة للنفط من خلال تحقيق عوائد أكبر بالرغم من ارتفاع أسعار السلع والبضائع.
ولكن هذه الزيادة المؤقتة إذا لم يتم إدارتها بكفاءة فإنها ستنعكس نقمة أيضا على الدول المصدرة للنفط وخاصة الدول العربية وعلى رأسها ليبيا، فالاقتصاد الليبي يعاني من عجز في الميزانية تنامى بشكلٍ كبير كما أنه يعاني من عجز في ميزان المدفوعات الآمر الذي اضطر معه المصرف المركزي لإعادة النظر في سعر الصرف وتحديده عند أعلى مستوى على أمل أن يتم ترشيد الانفاق وامتصاص الكتلة النقدية الكبيرة المتداولة عند المواطنين ومن ثمة يتم تخفيضه بالتدريج، إلا أنه وللأسف لم يحدث ذلك كله حيث زاد الانفاق العام وخاصة الاستهلاكي بصورة كبيرة واستمرت أزمة السيولة ولم يستطيع المصرف المركزي تخفيض سعر الصرف الآمر الذي أرهق دخول المواطنين نتيجة لارتفاع اسعار السلع وخاصة الأساسية منها.
وفي ظل أزمة أوكرانيا وزيادة الأسعار العالمية أصبح الآمر لا يطاق وشهدت أسعار السلع الأساسية ارتفاع غير مسبوق وأصبح الوضع الاقتصادي يقترب من قبول سعر الصرف الجديد وعدم التفكير في تخفيضه بل الآمر قد يتطلب زيادته.
لذلك فإن ارتفاع سعر النفط المصدر الوحيد وتحقيق عوائد كبيرة في هذه الفترة يتطلب عدم الانجرار وراء الانفاق الاستهلاكي والعمل على اتخاذ التدابير اللازمة للاستفادة من هذه العوائد وإدارتها بكل كفاءة وفي سبيل ذلك فإننا نقترح اتخاذ الإجراءات التالية للمحافظة على استقرار الاقتصاد وتنميته: –
أولا: انشاء صندوق للمنافع النقدية يدار بتقنيات فنية ويتولى توزيع كل المنافع النقدية للمواطنين مثل علاوة الأبناء ودعم الوقود والدعم النقدي في حالات غلاء المعيشة وغيرها وفقا للرقم الوطني على ان يخصص في المستقبل للفئات المحتاجة.
ثانيا: ترشيد الانفاق العام الاستهلاكي من خلال تحديد سقف لا يتجاوز 90 مليار دينار للميزانية العامة للدولة بمختلف أبوابها مع اقرار جدول مرتبات موحد للعاملين في القطاع العام ومنح بعض الحوافز التدريجية للقطاع الخاص.
ثالثا: الاستفادة من ارتفاع اسعار النفط عن طريق انشاء صندوق يسمى صندوق استقرار الموازنة، يحال إليه الدخل الفائض عن تمويل الموازنة والناتج عن ارتفاع أسعار النفط على أن تدار هذه الأموال من قبل المصرف المركزي بالعملة الاجنبية ويستخدم الصندوق لدعم الموازنة في حالة انخفاض الأسعار أو الانتاج وتضاف اليه سنوياً الفائض من تمويل الموازنة، كما يمكن استخدام الصندوق لتخفيض سعر الصرف مستقبلا.
رابعا: اقرار قانون الدين العام يتم بموجبه حصر الدين العام المتراكم خلال السنوات السابقة وجدولة تسديده على عدة سنوات، مع ضرورة إنشاء ادارة في وزارة المالية لإدارة الدين العام.
خامساً: اعادة هيكلة قطاع النفط من خلال تحويل المؤسسة الوطنية للنفط إلى شركة قابضة وفصلها نهائياً عن الميزانية العامة للدولة وإختيار لها إدارة على كفاءة عالية ومراجعة حساباتها من خلال شركات دولية وديوان المحاسبة.