Skip to main content
|
|

نظرة على البطالة في ليبيا

في مجتمع باتت تتكاثر فيه اصناف المشاكل التى تعصف بإقتصاده الهش ، صارت تطل علينا البطالة الحقيقية برأسها بعد أن عانى أصلاً خلالها من بطالة مقنعة.

ولنعد الى أصل الحكاية، فبعد الثورة مباشرة والإطاحة بالنظام السابق سارعت حكومة الكيب الى تعيين الليبيين والليبيات بالالاف دونما النظر في كيفية تدبير العوائد النفطية اللازمة وهى المصدر الوحيد لتمويل الميزانية العامة للدولة بل ودونما دراسة الجدوى الاقتصادية من حمى هذه التعيينات وشملت التعيينات الجديدة كافة الوزارات دونما استثناءات ، لا بل وجاءت اعادة ترجيع عدد كبير من المتقاعدين الى وظائفهم في ظل ارتفاع في قيمة المرتبات بدون اي ضوابط محكمة مما ساهم في الارتفاع الصاروخي لبند المرتبات المرتفع في ظل اقتصاد ريعي بإمتياز، هذه الحمى ساهمت في رفع درجة حرارة الميزانية العامة للدولة المنهكة بمصاريف اعادة تأسيس الوزارات وهيكلة المؤسسات وارتفاع اعداد المبعوثين للخارج سواء للدراسة او العمل بالسفارات التي تم رفع عدد موظفيها بل وفتح سفارات وقنصليات جديدة مما ساهم في نزيف للعملات الأجنبية.

وجاءت البطالة المقنعه وهى وجود موظفين دونما ان تكون لهم اي وظيفة لتزيد الاقتصاد تردياً وساهمت العلاقات الاجتماعية والعلاقات النفعية في رفع عدد هؤلاء ناهيك عن حماية قانون العمل وتعديلاته للموظفين حتى صارت عملية انهاء عمل اي موظف موضوع تحسب له اي جهة حكومية الف حساب فقد يكلفها اضعافاً مضاعفة عما كانت تدفعه من مرتبات، وانتهت خلال عامين تلك الفترة الذهبية للموظفين الحكوميين فبعد الاستمتاع ببرامج ترفيه اقرب منها الى التدريب وارتفاع في حوافز ومزايا وظيفية، أطلت خلال منتصف عام 2014م الحروب الداخلية في شتى ارجاء البلاد حاملة معها ايام الرخاء فتقلصت موارد الدولة بل وزادها انخفاض اسعار النفط عالمياً اوجاعاً على مابها من آلام ، ونتيجة لذلك تأخرت المرتبات وتقلصت الحوافز بل واختفت في كثير من مؤسسات الدولة وسارع كثير من الموظفين الى تقلد اكتر من وظيفة في اكثر من جهة بسبب وجود فراغ في سلطات الدولة.

وبالنظر الى وجود خريجين كل عام بإنتظار توظيفهم حكومياً في ظل عدم اهتمام الدولة ولا تشجيعها للقطاع الخاص فإن الوظيفة الحكومية بلا شك هي الملاذ الآمن لهؤلاء، ولكن مع ماذٌكر من معضلات اقتصادية فإن تدبير وظائف لهم باتت عسيرة فلا مرتبات تفي ولاميزانية تدبر اوضاعهم ، ولكن مع اتساع رقعة الجبهات وتعدد الحكومات وادعاء كل طرف بأنه شرعي وفي ظل إحتياج تلك الحروب الى وقود بشري سارعت تلك الجهات الى ادماج الشباب بغض النظر عن مؤهلاتهم الى جهات ذات مسميات عسكرية مما جعلها حكراً على الذكور دون الاناث فضلاً عن احجام عدد اخر من الذكور عن الدخول في هذه الجهات.

هذه العوامل مجتمعة ساهمت في ظهور مشكلة البطالة مع ماتشكله للمجتمع من تهديدات ليست فقط اقتصادية بل تتعداها الى مشاكل اجتماعية وسياسية لايتسع المقام للخوض فيها الآن.

وفي ظل التخبط بالسياسات الاقتصادية وعدم وضوح الرؤى المستقبلية وانهيار سعر الدينار مع مايسببه من ارتفاع في اسعار السلع والخدمات بنسب غير مسبوقة ووسط انتشار لظواهر اخرى كالرشى والفساد حتى باتت ليبيا تتذيل قائمة الشفافية الدولية بحسب المنظمات الدولية المهتمة والمتخصصة بهذا المجال،

فإن مشكلة البطالة تبدو مرشحة للارتفاع فلا شيء يلوح بالأفق يبشر بانفراجها فالاقتتال الداخلي لازال يمزق البلاد ولازالت هناك حكومتان تتنازعان الاختصاصات في ظل انشطار وازدواج لمؤسسات اقتصادية هامة كالبنك المركزي ومؤسسة النفط ومؤسسة الاستثمار بمعظم افرعها وهو امر أدي ويؤدي الى انهيار مفزع ويقضي بلا محالة على ماتبقى من اقتصاد منهك أصلاً.

فهل لابد للبلاد ان تصل لحافة الهاوية وهي لاتبعد عنها سوى خطوات لكي يتنبه الليبيون وساستهم الى مشاكلهم الاقتصادية ومنها البطالة التى كانت موضوع تقريرنا ؟ أم كتب علينا أن نتجرع المرارة تلو المرارة والألم بعد الألم ولن نعود نرى نوراً في بلد أصلا يعاني من اطفاء أنواره؟!

مشاركة الخبر