| مقالات اقتصادية
نورالدين حبارات يكتب :بيان المركزي الأخير عن إيرادات و مصروفات الدولة يعكس بشكل مباشر الأسباب الحقيقية لتخفيض قيمة الدينار
كتب : نورالدين حبارات المهتم بشأن الإقتصادي
أصدر أمس الأول المركزي بيانه بإيرادات و مصروفات الدولة و بإستخدامات النقد الأجنبي عن الفترة من 1/1 حتى 30/11/2020 م ( مرفق صورة ) و نظراً لإهمية ما تضمنه البيان من مؤشرات خاصةً و إنه أتى في وقت مهم و ذلك بعد قراره الأخير و المثير للجدل بشأن تخفيض قيمة الدينار الذي كانت له ردود فعل واسعة بين مؤيد و معارض و متحفظ بل الكثير لا يعرف حتى الأسباب الأسباب المباشرة لإتخاذ مثل هذا القرار، فالمركزي و من خلال لجانه لم يكن شفاف و لم يصفح عن حقيقة و أسباب هذا القرار و ساق و خاض في العديد من الأمور و الوعود معظمها تخرج حتى عن نطاق إختصاصه .
حيث أظهر البيان بعض المؤشرات و الأرقام الصادمة و المخيفة و التي تعكس فعلاً حقيقة الأزمة المالية و الإقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد و ليس كما قد يرى البعض ، بل نتيجة لجملة من التراكمات لسياسات فاشلة على مدار تسع سنوات كان التوسع أو الهدر في الإنفاق العام و إهمال الايرادات العامة و الفساد عنواينها الأبرز .
حيث أظهر البيان ما يلي .
1- لم تتجاوز الإيرادات النفطية المحصلة خلال الفترة موضوع البيان ما قيمته 2.409 مليار دينار فقط و بما نسبته 0/043.8 من القيمة المعتمدة بالميزانية ( الترتيبات المالية 2020 ) و المقدرة ب 5.500 مليار دينار.
2- لم تتجاوز الإيرادات السيادية المحصلة من ضرائب و جمارك و رسوم خدمات و فوائض شركات ما قيمته 1.839 مليار دينار و بما نسبته 0/054 من القيمة المعتمدة.
3- بلغ إجمالي الآنفاق العام على كافة البنود ما قيمته 29.539 مليار دينار
4- بلغت قيمة عوائد الرسم أو الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي 15.227 مليار دينار خصص منها 1،575 مليار دينار للبرامج التنموية ومبلغ 13.200 مليار دينار لإطفاء الدين العام المتراكم و الذي فاق إجماليه حاجز 140 مليار دينار، مع العلم إن وزارة المالية لا تعترف إلى حد الْيَوم بإجراءات المركزي لإطفاء الدين العام حيث تعتبر الرسم أو الضريبة مورد و مصدر من مصادر تمويل الميزانية.
5- بلغت قيمة قرض المركزي المسيل لتغطية العجز في الميزانية 24.481 مليار دينار و بما نسبته 0/082 من إجمالي الإنفاق العام .
6- بلغت قيمة العجز في ميزان المدفوعات 7.991 مليار دولار و يمثل هذا المبلغ حجم الإنخفاض في الإحتياطي الأجنبي منذ يناير الماضي .
و من خلال تلك البيانات و المؤشرات نستخلص الأتي
1- قيمة عوائد الرسم أو الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي لم تطراء عليها أي زيادة تذكر مقارنةً بقيمتها في سبتمبر و أكتوبر الماضيين و هذا يرجع لنفاذ مخصصات النقد الأجنبي المخصصة للإعتمادات المستندية و يعكس أيضاً التراجع المستمر للإحتياطي الأجنبي بسبب توقف النفط و عدم قدرة المركزي على مواجهة الطلب المتنامي من قبل التجار على النقد الأجنبي.
2- البيان يشير و بوضوح إلى عدم قدرة الحكومة على تمويل ميزانية موحدة للعام 2021 م التي على الأبواب حتى في حدها الأدنى عند 50 مليار دينار .
فإيراداتها السيادية المحصلة لن تتجاوز حتى 0/055 من القيمة المستهدفة و التي عادةً ما تقدر ب 3.000 مليار دينار.
أما إيراداتها النفطية ففي أفضل أحوالها يتوقع أن تتراوح بين 16 إلى 17 مليار دولار أي بمعدل مليون برميل يومي و بمتوسط سعر 45 دولار و بقيمة إجمالية تعادل 23.800 مليار دينار على سعر 1.40 دينار للدولار .
و عليه فإن إجمالي الايرادات المتوقع ( السيادية و النفطية ) تقدر ب 25.300 مليار دينار في حين إجمالي الإنفاق يقدر ب 50 مليار دينار ، أي أننا امام عجز متوقع بقيمة 25 مليار دينار تقريباً في ميزانية العام 2021 م ،.
و السؤال هو كيف و من أين يمكن للحكومة تمويل هذا العجز ؟
الجواب واضح لا توجد أي وسيلة أو ألية لتمويل العجز، فالمركزي أنهكه الدين العام و إحتياطياته لم تعد قادرة لتحمل المزيد ، و إقتراح الحكومة من جانبها لفرض ضرائب جديدة أو تفعيل ما هو قائم منها غير عملي من حيث التوقيت فالقدرة الشرائية للمواطنين تأكلت و سياسة التقشف غير مناسبة أبدا في ظل هذه الظروف لإنها تضر بالأغلبية الساحقة منهم ، و لذلك لم يبقى أمام المركزي إلا مسلك واحد لخروجه من المأزق الذي وقع فيه و هو تغيير القيمة التعادلية للدينار ، فبهذا الإجراء يطفي المركزي من خلاله جزء كبير من الدين العام المصرفي الذي تفاقم خارج الأطر القانونية و يقلل الضغط على إحتياطياته من خلال تقليل الطلب على النقد الاجنبي عبر سعر 4.48 دينار للدولار كما يتحصل على أموال مجاناً لتمويل العجز الكبير و المتوقع في العام 2021 م و لكن كيف ؟ .
1- لو أفترضنا إن مبيعات النفط للعام القادم تقدر ب 17 مليار دولار فإن قيمتها بالدينار الليبي وفق للسعر الموحد 4،48 تساوي 76.160 مليار دينار و هناء يكون المركزي قد ضمن تمويل الميزانية من خلال شراء المواطنين للدولار لكافة الأغراض .
2- وفقاً للمادة 27 من القانون (1) لسنة 2005 م بشأن المصارف عندما يتم تغيير القيمة التعادلية للدينار يتم إعادة تقييم أصول المركزي و التي عادة ما ستحقق أرباح دفترية بإعتبار تغيير قيمة الدينار نتج عنه تخفيضها مقابل إرتفاع في قيمة الدولار ، فإذا أفترضنا قيمة أصول المركزي بعد إعادة تقييمها قدرت ب 20 مليار دولار فإن تقويمها بالعملة المحلية وفق للسعر 4.48 تساوي 89.600 مليار دينار بدلاً من 28 مليار دينار وفق للسعر السابق 1.40 دينار للدولار وفارق القيمة بينهما يخصص لإطفاء الدين العام المصرفي .
و أخيراً إذا كان المركزي و الحكومة قد استفادا كثيرا من إجراء تخفيض الدينار فإن المتضرر الأكبر و الوحيد هم المواطنين فقط ، فالمواطنين هم من سيدفع قيمة الدين العام المتفاقم الذي لم يصرف علىيهم في مشاريع تنموية في شكل طرق أو مدارس أو مستشفيات أو مطارات أو ملاعب أو غيرها بل آهدر فيما لا يعني كما إن المواطنين هم من سيتكفل أيضاً بتمويل ميزانية العام 2021 م من خلال شرائهم للدولار بسعر 4.48 لكافة الأغراض .
و في الختام يجب على المركزي الإلتزام بالإفصاح و الشفافية في بياناته و يصارح الشعب بحقيقة هذا القرار و يلقي بمسؤلية ذلك على السياسات الفاشلة للحكومة و على السياسيين الذين كرسوا الإنقسام لا أن يقحم نفسه في متاهات و يتقمص دور الحكومة و التسويق لإنجازات من الوعود و الكلام العام ، فالموضوع يتوقف كلياً على إيرادات للنفط و لا على سياسات و إستراتجيات إقتصادية ، و هذه الإيرادات قانوناً تخضع لإشراف الحكومة فهي من تدير النقط من خلال المؤسسة و هي أيضاً من تتفاوض مع تحالف أوبك و روسيا بشأن زيادة إنتاجه أو تخفيضه و هي من تشرف على حساباته و بالتأكيد الحكومة هي من يقع عليها مسؤولية حماية و تأمين منشأته و هي ايضاً المخولة بعقد القروض الخارجية مع المؤسسات المالية الدولية و هي من تتحكم في حجم الإنفاق العام و الثأثير في الأسعار و ليس المركزي الذي يبقى دوره في هذا الشأن محدود نسبياً و قياساً بدور الحكومة .