Skip to main content
واشنطن بوست تنشر تقريرًاً حول الأوضاع والحرب في ليبيا
|

واشنطن بوست تنشر تقريرًاً حول الأوضاع والحرب في ليبيا

نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًاً بعنوان” ليبيا تحت رحمة القوى الأجنبية الخارجية”  فصلت فيه مراحل انتقال السلطات وصراع القوى في ليبيا منذ اندلاع الثورة الليبية التي بدأت كحركة شعبية وصراع محي للتغيير الديمقراطي في ليبيا، ثم تحولت إلى صراع بين القوى الأجنبية الخارجية التي تدخلت في الشأن الليبي وجلبت المقاتلين المرتزقة للقتال في صراع محي تحول لتنافس إقليم ودولي.  

وقالت واشنطن بوست أن الربيع العربي أنعش الآمال قبل عشر سنوات في بزوغ حقبة جديدة من الحرية والإصلاح الديمقراطي لدى الشعوب المضطهدة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، و كانت ليبيا هي التي عانت من الحكم الاستبدادي للعقيد معمر القذافي لمدة 4 عقود من الزمن، أكثر دولة تطلعت لتحقيق تلك الآمال، ولكن الآن حتي فكرة تقرير المصير أصبحت مهددة في ليبيا، حيث تساوي قوى أجنبية خارجية، وليس الليبين فقط، أي الهيمنة على مصير البلاد.  

كما بدأت دول إقليمية وخارجية تسيطر على مفاصل صناعة القرار وخاصة تركيا وروسيا حيث  يذكر أن طائرة شحن تعود إلى الحقبة السوفيتية انطلقت من مدرج يكسوه الجليد في موسكو واتجهت جنوباً بإتجاه سوريا ، و هبطت في قاعدة جوية روسية على الساحل بعد عدة ساعات، ثم حلقت الطائرة مرة أخرى بعد ثلاث ساعات وعبرت البحر الأبيض المتوسط ، و يمكن تتبع الطائرة خلال معظم مسارها من خلال إشارة جهاز الإرسال الخاص بها ، ولكن هذه الإشارة اختفت مع اقترابها من ليبيا.

ورُصدت طائرة مطابقة لتلك الطائرة الغامضة بعد ساعات في مهبط للطائرات على بعد 112 كيلومتر شرق بنغازي بينما يخرج منها عشرات المقاتلين من فرق “واغنر” و”الشبيحة”، وفقاً لما ذكره أحد عملاء الاستخبارات الليبية، في إشارة إلى المرتزقة الروس والسورين الذين يسيطرون على مناطق الصراع.  

حيث نقل التقرير عن دبلوماسي غربي كبير مطلع على معلومات استخباراتية أمريكية بشأن الصراع قوله إن “هذا هو ما يُعد مرعباً للغاية بالنسبة لليبيين”، ففي الوقت الذي توقف خلاله القتال وتوطدت آفاق جديدة للسلام، تسعى روسيا وتركيا ودول أخرى التي أقحمت نفسها في الصراع الليبي إلى “ترسيخ وجودها”.   

ووفقاً للتقرير لا يزال سرياً للأمم المتحدة، اطلعت عليه صحيفة واشنطن بوست، فقد كانت طائرة ديسمبر هي واحدة فقط من بين أكثر من 330 طائرة روسية دخلت إلى ليبيا على مدار الـ18 شهرًاً الماضية لجلب المعدات والذخائر  والمقاتلين والأسلحة إلى مناطق خاضعة لنفوذ هذه القوى،  حيث لا تمثل عمليات النقل الروسية هذه سوى جزء ضئيل من القوة المميتة التي جاءت بواسطة تركيا ودولة الإمارات العربيةالمتحدة ودول أخرى تدعم الآن طرفين متنافسين في الحرب الأهلية الليبية.  

وأشار تقرير صحيفة واشنطن بوست  إلى الفوضى التي تسيطر على المشهد الليبي ، ووفقاً لمسئولين لمسؤولين في الأمم المتحدة أنه يوجد الآن ما لا يقل عن 20 ألف جندي من القوات المرتزقة في ليبيا، من بينهم مقاتلين ومستشارين عسكرين من روسيا وسوريا وتشاد وتركيا والسودان حيث تتوزع هذه القوات في مناطق متفرقة بليبيا تسيطر عليها إما القوات التابعة لحفتر أو تلك التابعة للحكومة الليبية وقد جاؤوا عبر المطارات التي تسيطر عليها إما روسيا أو تركيا.
  
وتضمنت الشحنات التي تصل عن طريق الجو والبحر وعبر الحدود الصحراوية مع مصر طائرات مقاتلة وطائرات مسيرة وصواريخ أرض جو ومدرعات والملايين من الدخائر والألغام الأرضية التي تشكل مخاطر على المدنيين الليبيين  لعقود قادمة.  

وأضافت الصحيفة أن الأطراف المعنية تجاهلت الموعد النهائي لسحب القوات الأجنبية، و هي علامة تنذر بالسوء بالنسبة لمحاولة تقودها الأمم المتحدة للتوسط في اتفاق سياسي دائم، وينسب التقرير إلى مسؤول غربي آخر قوله إن “التدخل الأجنبي اليوم يفوق الخيال؛ والليبيون أنفسهم، كثيرون منهم يفهمون الآن الخطر الوجودي الذي يمثله هذا التدخل، وهم يحاولون التصرف قبل فوات الأوان”.  

ونوه التقرير أن تدفق الأسلحة هذا يعد حدثاً استثنائياً لأنه جاء إلى حد كبير بناءاً على دعوة من الجانبين المتصارعين في ليبيا، فبعد ما يقارب من 10 سنوات من رفض السياسيين المثاليين في البلاد لعروض المساعدة الغربية لبناء ديمقراطية، لجأت الأطراف المتحاربة في البلاد إلى الحكام المستبدين حول العالم لمساعدتهم على الاحتفاظ بالسلطة عسكرياً كما بدأت تكلفة القيام بذلك تتجلى للتو ، حيث تتنافس روسيا وتركيا،  وهما القوتان المهيمنتان في ليبيا الآن، على حصص في ثروات البلاد من النفط والغاز الطبيعي، وعلى وصول طويل الأجل إلى القواعد العسكرية، والتأثير في شكل أي حكومة مستقبلية. 
 
و حذر التقرير الأمريكي لصحيفة الواشنطن بوست أنه إذ لم تتحقق هذه الطموحات، تُعد روسيا وتركيا في وضع قوي يمكنهما من تقسيم البلاد بشكل فعال إلى جزئين مما يحول جوهر الصراع الليبي إلى انقسام وخلاف دائم،  و بينما يعترف صناع القرار حتي أولئك العازمون على تجنب هذه النتيجة بأن ليبيا ربما تفتقر الآن إلى القوة اللازمة لتفاديها.

ونقلت صحيفة الواشنطن بوست عن وزير الخارجية السابق لحكومة شرق ليبيا محمد الدايري في مقابلة قال فيها ” ليبيا بحاجة إلى المزيد من المساعدة من أوروبا والولايات المتحدة للضغط على روسيا وتركيا للمغادرة وحمل الميليشيات الليبية على نزع  سلاحها” كما قال بخلاف ذلك “سيظل المرتزقة الأجانب والقوى الأجنبية التي لها اليد العليا الآن في ليبيا وسيسود الوضع الراهن بكل مآسيه . 

وأضاف التقرير أن الولايات المتحدة لا تساهم بشكل مباشر (كالدعم العسكري) في هذا الصراع، إلا أنها تتحمل مسؤولية كبيرة للضربات الجوية التي شنتها قبل عقد من الزمن كجزء من حملة أوسع لحلف شمال الأطلس (ناتو) دور حاسم في الإطاحة بالقذافي، ولكن الولايات المتحدة لم تستطع هي و حلفاؤها الغربيون احتواء الفوضى التي أعقبت ذلك ؛ و في السنوات القليلة الماضية، أصبحت السياسة الأمريكية غير متسقة، ففي عهد الرئيس دونالد ترامب، دعمت وزارة الخارجية حكومة الوفاق الوطني المؤقتة التي أيدتها الأمم المتحدة في طرابلس ، حتي بينما كان البيت الأبيض يتواصل مع المشير السابق خليفة حفتر المدعوم من روسيا، والذي شن هجمات متكررة للسيطرة على العاصمة.  

وكانت قد جمعت حفتر (77 عاماً ) علاقات طويلة مع وكالة  الاستخبارات المركزية الأمريكية، وعاش لسنوات بالقرب من مقر الوكالة في ولاية فرجينيا بعد مشاركته في محاولة انقلاب فاشلة ضد القذافي وبعد سنوات يبدو أن علاقاته مع وكالة الاستخبارات المركزية لا تزال نشطة؛ فعندما تحدث مع ترامب في عام 2019 أثناء هجومه الأخير على العاصمة الليبية، قال مسؤولون أمريكيون إن وكالة الاستخبارات المركزية هي التي رتبت للمكالمة. 
 
اعتبرت الطائرات المسيرة المسلحة والميليشيات الخاصة المنتشرة الآن في البلاد محاكاة إلى حد كبير لنموذج الحرب بالوكالة وحرب الطائرات المسيرة من طراز بريداتور الذي كانت الولايات المتحدة رائدة فيه خلال حقبة ما بعد هجمات 11 سبتمبر.
  
حيث تابع التقرير أنه لم يكن للولايات المتحدة وجود دبلوماسي رسمي في ليبيا منذ عام 2014؛ ورغم أن الدبلوماسيين الأمريكيين يحثون بنشاط على عقد محادثات حول المصالحة، توجه التركيز  الأمريكي نحو منع ليبيا من أن تصبح ملاذاً لتنظيم القاعدة أو شبكات داعش الإرهابية، وقد استغلت روسيا، التي تتلهف لإثبات مكانتها على الساحة العالمية والتغلب على الخصوم الغربيين، نفور الغرب من المشاركة بصورة أعمق بالإضافة إلى تعطش حفتر للسلطة.

و أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في ديسمبر الماضي أنه يحق لموسكو الآن المساعدة في تحديد نتيجة الحرب الليبية، وكما قال لافروف في بيان لم يشر إلى الزعماء الليبيين إنه “لتسوية الصراع، نحتاج إلى احترام مصالح جميع القوى الأجنبية؛ وأعتقد أن هذا هو ما تمكنت روسيا وتركيا والقوى الأجنبية الأخرى من تحقيقه”.  

ويلفت تقرير الواشنطن بوست إلى أن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن لم يشر إلى ما إذا كانت الأزمة الليبية ستمثل أولوية لإدارته، وقد أقر وزير خارجيته أنطوني بلينك أن خلال جلسة تأكيد تعيينه في منصبه الشهر الماضي بأن مسؤولي أوباما “أساءوا تقدير” مقدار الضرر الذي ألحقه القذافي بمؤسسات البلاد، وكذلك مقدار ما يمكن للولايات المتحدة وحلفائها إنجازه بعد رحيله.

وقال مسؤولون حاليون وسابقون إنه حتي لو أراد بايدن محاولة إصلاح أخطاء أسلافه، فإن نفوذ الولايات المتحدة وخياراته ستكون محدودة، كما نقل التقرير عن الجنرال المتقاعد بالجيش الأمريكي ديفيد بتريوس، الذي كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية عندما قُتل القذافي، قوله: “المشكلة الآن هي أن الوضع في ليبيا بات فوضى مطلقة ولا أعرف كيف يمكن إصلاحه، ما لم تكن على استعداد لإرسال قوات هائلة وربما ينتهي بك الأمر إلى محاربة بعض القوى الكبرى”.

كما نقل التقرير عن فيونا هيل، التي شغلت منصب كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون روسيا وأوروبا في إدارة ترامب، قولها إن بوتن الانتهازي يرى التدخل في ليبيا “مثل السيطرة على مربع في لوحة لعبة ‘مونوبولي ’؛ فهدف روسيا هو البقاء في اللعبة، وخاصة في أي مكان تملك فيه أصولاً أو علاقات سابقة”.

  وفي ختام التقرير أشار إلى أن التدخل الروسي يتسم بالجرأة والحذر، حيث عمل على تعزيز أهداف موسكو في المنطقة دون إرسال قوات روسية رسمية  وبينما الطائرات المرسلة قد حُذف علم روسيا من عليها؛ وفي هذا الصدد، تتبع العملية الليبية نهج الكرملين المألوف بشكل متزايد الذي صيغ في سوريا وأوكرانيا كما يحمي هذا النهج الرئيس فلاديمير  بوتن من التداعيات السياسية التي تصاحب الخسائر البشرية في ساحة المعركة، كما يمكّن بوتن من الادعاء بشكل مشكوك فيه ولكن بإصرار  أن روسيا نفسها ليست متورطة في الصراع الليبي ولا تنتهك حظر الأسلحة.

مشاركة الخبر