بعد سنوات من تغير نظام الحكم في ليبيا والذي توقع معظم المواطنين أن يخلق تغيراً في الوضع المعيشي والاقتصادي في البلاد، وأن يمنح فرصاً أكبر وأعظم للشباب لاستثمار سنوات حياتهم فيما يفيدهم بدلاً من إهدارها، ولكن وللأسف حدث العكس تماماً.
فمع مرور الأيام بدأت الأزمات العسكرية والاقتصادية والسياسية تتزايد شيئا فشيئاً، والمتأثر الأول هو الشاب الذي يحاول أن يبني من طموحه حياة يسير على نهجها، ويبني دولته بهذا الطموح..
فقد أصبح كل شئ أصعب ويزداد صعوبة يوماً بعد يوم، مما يخلق صعوبة كبيرة وعجزاً لدى الشباب عن توفير ما يمكن له أن يكفل بناء حياة مستقلة، كالمنزل، الذي ومنذ نهاية عام 2011 تسابقت أسعار مواد البناء على الارتفاع يوماً بعد يوم والإيجارات كذلك، نظرا للأزمات التي تعصف بليبيا سنة بعد سنة، ونظرا لوجود فئة من المستغلين الذين حاولوا ومع مرور السنوات استغلال أي أزمة تمر بها البلاد فيما يفيدهم.
أخر الأزمات كانت الاشتباكات الحاصلة في مدينة طرابلس بين قوات حكومة الوفاق وقوات حفتر والتي أسفرت عن ارتفاع في أسعار الإيجارات خاصة في المناطق المستقرة أمنياً في العاصمة وكذلك ارتفاعاً في أسعار مواد البناء، وركودا في سوق البيع والشراء.
سند شكاب المسؤول عن شركة الأسطورة للعقارات والاستثمار العقاري قال في لقائه مع صدى :
مقر الشركة الخاصة بنا يقع في عين زارة وتحديداً في الاستراحة الحمراء أي في خط النار، ومهمتنا هي التسويق العقاري للتجار وبناء وبيع المساكن، ولكن معظم عملنا يكمن في عين زارة وطريق الأبيار والخلة باعتبارها الأماكن التي كانت المستهدفة لبناء المساكن الجدد، وتوقفنا عن العمل منذ شهرين أي من اندلاع الحرب إلى الآن،. حيث أصبح كل شيء معدوماً هناك العمل والحياة وكذلك الإقبال.
بالنسبة للإيجارات فقد أصبحت لمن استطاع إليها سبيلاً، مواد البناء تباع وتورد من المناطق البعيدة عن الاشتباكات ، شهدت زيادة طفيفة في الأسعار بسبب صعوبة النقل، والإيجارات شهدت زيادة كبيرة جدا، ولكن ما حافظ على أسعار البناء من الزيادة الهائلة هو الركود في السوق.
اما بالنسبة للأضرار فهناك العديد من المساكن والمقسمات الجدد تضررت بشكل كبير، لدي شخصيا منزلين تعرضا للضرر أحدهم سعره يصل ل 500 ألف دينار وخاصة في الدور الثاني كان الرصاص يغطي كل الجهات.
بصفة عامة سوق العقارات في عين زارة حتى لو انتهت الحرب بحكم خبرتي سيشهد ركوداً كبيراً، تحتاج إلى سنة على الأقل للتعويض، علماً بأن عين زارة كانت من أكثر المناطق في البيع والشراء، لأن معظم التجار استغلوها للبناء.
أما بالنسبة لحمزة محمد صاحب محل الجودة في تاجوراء، ومقاول فقد ذكر في لقاء خاص مع صدى أن :
الارتفاع في أسعار مواد البناء لم يكن كبيرا، ولكن التأثير الأكبر للحرب كان على العمالة، فهناك خوفٌ كبير من ناحيتهم، جعلهم يرفضون العمل.
وحتى الذين يعملون رغم قلتهم أصبحوا يطلبون أجوراً مرتفعة جداً بسبب الاشتباكات.
ولا يخفى على أحد الركود الحاصل في سوق البناء حالياً لأن معظم المناطق الجديدة كانت في أطراف طرابلس وهي حالياً أماكن صراعات، وذلك أوقف عجلة الحياة والبناء والعمل فيها.
إيمان ناجي مواطنة ليبية تقطن في أماكن الاشتباكات ذكرت لصدى :
اضطررنا للفرار إلى تونس ، لم نجد بيتاً مناسباً للإيجار إلا وفوجئنا بالسعر المطلوب منا،. والذي لم يكن يطلب من أي عائلة اعتيادية في ما سبق.
وخلال رحلة بحثنا هناك بعض التجار الذين طلبو مقدماً لثلاثة أشهر وهناك من طلب لشهرين أو أربعة، وكأن أوضاع نقص السيولة وارتفاع الأسعار خافية عليهم، وهناك الآلاف من العائلات التي لازالت تبحث يومياً ولم تجد إلى يومنا هذا.
لا نستطيع إنكار تبرع بعض العائلات بمنازلها الخاصة للنازحين ولكن نحن في صدد التحدث عن فئة التجار المستغلين والذين استغلوا حاجة العائلات لسكن مستقل وخاصة خلال شهر رمضان المبارك.
معاينة من أرض الواقع :
وفي جولة صدى للتقصي عن أسعار مواد البناء وكذلك الإيجارات ، وجدت صدى أن سعر الأسمنت وصل قبل الاشتباكات إلى 21 دينار ليبي ، ثم بدأ في الارتفاع التدريجي ليتذبذب بين ال 24 و 28 دينار حسب حدة الاشتباكات من عدمها .
أما بالحديث عن أسعار الحديد فقد وصل سعر حديد 12 و 14 في سوق زليتن إلى 201 دينار وارتفع الان ليصل إلى 205، أما النقص الذي حدث فكان في الحديد رقم ستة حيث وصل سعره إلى 350 دينار في طرابلس و340 في مصراتة وزليتن ، أما في ما يتعلق بالحديد رقم 8 فقد وصل مع بداية الاشتباكات إلى 270 دينار وقفز اليوم إلى 285.
أما في ما يتعلق بالبومشي فقد كان سعره في تاريخ الأول من أبريل 95 قرش ووصل الآن إلى سعر 1.25 دينار،. أما الياجور فقد شابهه في الارتفاع الطفيف حيث وصل سعره هوا الآخر إلى 1.50 بينما كان سعره يتراوح بين 1.35 الى 1.40.
شكاوى وردود :
وقد عبر مجموعة من المواطنين والنشطاء عن استنكارهم للارتفاع الرهيب خاصة في أسعار الإيجارات في مدينة طرابلس والتي تزامنت مع تزايد عدد النازحين يوماً بعد يوم ، فقد استغلت فئة التجار احتياج هذه الفئة للمساكن ورفعت من أسعار إيجاراتها لتصل إلى الآلاف.
فذكرت إيمان عندما سألناها عن أسعار الايجارات، أن الايجار للعائلة الكبيرة مثلنا نحن يكلف من 1500 دينار فما فوق في مدينة طرابلس وقد وصل الايجار الى 3000 فأكثر استغلالا لظروف هذه الفئة من النازحين.
فانطلقت الدعاوي بمختلف اللهجات المستخدمة والاساليب الدينية والعاطفية للوقوف يداً بيد لمساعدة النازحين وخاصة وهم يقطنون المدارس في شهر رمضان المبارك.
وقد اختارت لكم صدى بعضاً منها…
٩
وللاسف لا يستطيع أحد تحديد موعد أو طريقة إنهاء هذا الوضع المأساوي فأصبح السوء يتزايد ويتضاعف يوماً بعد يوم ، والمواطن يتخبط بين نيران مشتعلة ورصاص يهتك الأبدان ودمًا يملأ الشوارع ونقود لا تملأ حتى نصف الجيب الصغير..
فإلى متى..؟