كتب الخبير القانوني “د. طه بعرة” مقالاً بعنوان “السلامة القانونية لاتفاقية مراجعة المصارف المركزية”.
ثار جدل عميق من سنة 2018 حول سلامة اتفاقية تكليف شركة المحاسبة الدولية “ديلويت” لمراجعة المصارف المركزية الليبية تمهيداً لتوحيدها، والتي أبرمت ورسى عطاءها تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر بناء على طلب حكومة الوفاق الوطني، المنبثقة عن اتفاقية الصخيرات المبرمة في العام 2015، ودعم مكتب البعثة الأممية للدعم في ليبيا، وتوافق محافظيْ المصرف المركزي المنقسم.
تلك الاتفاقية اصطدمت بقرار ديوان المحاسبة الليبي “طرابلس”، الذي طلب منه المصادقة على موافقة بنود الاتفاقية لأحكام القانون الداخلي، والذي استقر رأيه على مخالفتها لقانون المصارف، وقانون تنظيم مهنة المحاسبة، وقانون إعادة تنظيم ديوان المحاسبة وتعديلاتهم، وبالتالي لا يتأتى تكليف شركة مراجعة خارجية لمراجعة المصارف المركزية إلا في إطارين.
أولهما أن يتم التكليف عن طريق ديوان المحاسبة مباشرة، أو أن يتم عبر ديوان محاسبة نظير في دولة أجنبية تربطها بليبيا اتفاقية، ولما كان الاتفاق السياسي الليبي المبرم في مدينة الصخيرات المغربية، قد أضحى بحكم الواقع إعلاناً دستورياً للدولة الليبية، حاز الشرعية الدولية وافتقر بطبيعة الحال للمحلية، وانبثقت عنه مؤسسات سيادية قائمة، أهمها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ومجلس النواب، ومجلس الدولة، واستمد منه كل رئيس لهذه المؤسسات وغيرها شرعية اعتلاء هرم تلك المؤسسات، التي من ضمنها ديوان المحاسبة ومصرف ليبيا المركزي.
وكان الإعلان الدستوري يعد بمثابة إعلان مؤقت للدولة، يضم كافة التشريعات الأساسية “الدستورية” التي تسمو على كافة التشريعات العادية “القوانين”، بما يتعين معه بطلان أي تشريع أو مادة لا تتفق ونصوص التشريع الذي يعلوها درجة هرمية، وكان الفصل السابع من الاتفاق السياسي بعنوان “الدعم الدولي” قد نص في مادته 56 بأنه لحكومة الوفاق الوطني أن تطلب من مجلس الأمن الدولي إصدار قرار يؤيد الاتفاق ويدعم تنفيذه، وعلى وجه الخصوص توفير المساعدات الدولية اللازمة لتنفيذه، ونصت المادة 57 بأنه لحكومة الوفاق الوطني طلب المساعدة والدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والمنظمات الإقليمية لوضع وإقرار خطة شاملة للدعم الدولي لمؤسسات الدولة الليبية على مدى الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية، لاسيما توفير الاستقرار المالي والاقتصادي، وتعمل حكومة الوفاق الوطني مع البعثة على تنسيق جهود المجتمع الدولي خلال تنفيذ هذه الخطة عن طريق آلية تقوم حكومة الوفاق الوطني بإقرارها، ونصت المادة 60 على ضرورة التزام كافة الأطراف بالامتناع عن اتخاذ أية إجراءات وقرارات تتعارض مع بنود هذا الاتفاق، بأي شكل من الأشكال، وأن يعملوا على دعمه بكافة الوسائل والسبل الممكنة.
لكل ذلك أضحى طلب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني من البعثة الأممية ومجلس الأمن الدولي، قراراً بتعيين مراجع خارجي يتولى مراجعة حسابات ومصروفات المصارف المركزية شرقاً وغرباً، في إطار جهود توحيد المؤسسات المنقسمة وتوفير الاستقرار المالي والاقتصادي، مطلباً شرعياً وفق الشرعية الدولية القائمة، وأن أي امتناع عن تيسير تنفيذ طلبها وتنفذ القرار الدولي واتفاقية المراجعة يتعارض مع بنود الإتفاق السياسي التي توجب الدعم بكل السبل الممكنة.
هذا دون حتى التعرض لمسألة إلزامية قرارات مجلس الأمن الدولية لكل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، التي تعهدت باحترام القرارات الدولية عند توقيعها ومصادقتها على الاتفاقية، وفق نص المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة الذي نص على أن “يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق”، والمادة (24) من الميثاق التي نصت على أنه “يعمل مجلس الأمن في أداء هذه الواجبات وفقا لمقاصد الامم المتحدة ومبادئها، والسلطات الخاصة المخولة لمجلس الامن لتمكينه من القيام بهذه الواجبات مبينة في الفصول 6-7-8-12، والذي حسم أيضاً بقرار محكمة العدل الدولية التي أقرت أمر إلزامية القرارات الدولية بكاملها للدول الأعضاء، سيما وأن مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي قد أيده القضاء على المستويين الوطني والدولي، ولم يعد في وسع الدولة الاحتجاج بقانونها الداخلي أو حتى بدستورها الوطني لمخالفة التزام دولي ترتب سلفاً في مواجهتها. لكل ذلك نوصي بالمصادقة القانونية على اتفاقية تكليف شركة المراجعة الخارجية، وتوحيد مؤسسة مصرف ليبيا المركزي.