كتب: الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة” البطالة في ليبيا؛ الدلالات والأسباب (فشل سياسة التشغيل والتوظيف في القطاع الحكومي لعلاج مشكلة البطالة)
تتخد البطالة اشكالا متعددة في الأدب الاقتصادي، فهناك البطالة الهيكلية، والبطالة الموسمية، والبطالة الاحتكاكية، والبطالة المقنعة، وبصفة عامة يعتبر الشخص عاطلا عن العمل، إذا أمتلك القدرة على العمل ولديه رغبة في العمل وأنه يسعى أو يبحث عن عمل، وهو مايعرف بالبطالة اللاإرادية، (involuntary unemployment) أي الوضع الذي يكون فيه الشخص عاطلا عن العمل ليس بإرادته واختياره وإنما لعدم توفر فرصة للعمل، بمعنى أن الأشخاص القادرين عن العمل وغير راغبين فيه لا تشملهم أرقام البطالة، والمعدلات الطبيعية للبطالة تقدر في حدود 4 % إلى 5% ,عند استخدام كافة الموارد المتاحة .
في ليبيا حيث يبلغ عدد العاملين في القطاع العام (أي لدى الحكومة) والقطاع غير الرسمي حوالي 2.5 مليون عامل، وهو رقم كبير بكل المقاييس نسبة إلى عدد السكان، وبلمقارنة بعدد العاملين بالقطاع الحكومي في تونس نجد أن العدد لا يتجاوز 690 ألف موظف وفي الجزائر في حدود 4.5 مليون موظف، وفي المغرب في حدود 800 ألف موظف بالرغم من أن عدد السكان في هذه الدول المغاربية يشكل أضعفاً مضاعفة لعدد السكان في ليبيا، ومع ذلك تشير تقارير دولية إلى أن معدل البطالة في ليبيا يقّدر بحوالي 19%، وهذا يعني أن الاقتصاد يعاني من مشكلة بطالة حادة، مما يشير إلى فشل سياسة التشغيل أو التوظيف في القطاع الحكومي في حل مشكلة البطالة، فضلا عن ما ترتبهدهذه السياسة من تضخيم حجم الانفاق العام، إذ وصل الباب الأول من الميزانية العامة إلى حوالي 60 مليار دينار !!!!.
ونعتقد أن الاقتصاد الليبي يعاني من نوعين من أنواع البطالة: بطالة هيكلية وبطالة مقنعة، وترجع البطالة الهيكلية لأسباب ترتبط ببنية الاقتصاد الذي يتصف بعدم المرونة من مختلف الأوجه، فالاقتصاد الليبي غير منتج لفرص العمل .
فالقطاع الإنتاجي المحدود لا يستجيب لاية زيادة في الأجور أو المرتبات، بمعنى لا تزداد إنتاجية القطاع عندما تزاد الأجور، ولا يستجيب القطاع الإنتاجي بتوفير المزيد من فرص العمل عندما تحدت زيادة في الأجور أو الحوافر نتيجة لتأثر العملية الإنتاجية بالكتير من العوامل السلبية التي تشكل عوائق للإنتاج ويكمن وراءها عوامل ثقافية واجتماعية ونفسية لازالت مترسخة في المجتمع والتي تجعل من ثقافة العمل أمراً نادرا .
ويرجع ذلك لترسخ الثقافة الريعية ، فالكل يعتمد على ما تقدمه الحكومة من دخل النفط ، ويراه حقاً مكتسبا، حتى بدون عمل، بمعنى آخر البطالة التي يعاني منها الإقتصاد يرجع سببها إلى أن الاقتصاد الليبي غير مرن ( rigid economy ) وغير منتج لفرص العمل، وفشل سياسة التشغيل أو التوظيف في القطاع العام ( الحكومي ) فيتخرج الاف المهندسين ولا يجدون فرص عمل، ويتخرج الاف من خريجي الجامعات في مختلف التخصصات الأخرى ولا يجدون فرص عمل، وظل القطاع العام المجال الوحيد للاستخدام، وهي سياسة دأب عليها صُناع القرار منذ أوائل السبعينات من القرن الماضى من خلال تنسيب الخريجين للمؤسسات وشركات وإدارات القطاع العام، في إطار هيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي، وتهميش دور القطاع الخاص .
وعندما يكون الاقتصاد غير منتج للوظايف وفرص العمل، فان معدلات البطالة تزداد بزيادة عدد السكان، وزيادة عدد الباحتين عن العمل، وفي هذه الحالة لا سبيل للتغلب على مشكلة البطالة إلا من خلال اعادة هيكلة الاقتصاد برمته، والتركيز على تنمية رأس المال البشري المطلوب لاستغلال ما يتم أنجازه من تكوين لراس المال، ومن تم اعادة تخصيص الموارد الاقتصادية واستخدامها على نحو كفوء .
والنوع التاني من البطالة التي يعاني منها الاقتصاد هي البطالة المقنعة، حيث يتكدس إعداد كبيرة من الموظفين والعاملين في الكتير من المواقع العامة ( مدارس، مستشفيات، مراقبات الخدمات ، البلديات، الهيئات والمؤسسات العامة والوزارات ) بمعدلات أكبر مما تحتاجه هذه المواقع، واعتبارهم ضمن القوى العاملة، ويتقاضون مرتبات وأجور، وبذلك تكون معدلات إنتاجيتهم متدنية جدا، أن لم تكن معدومة .
ولا علاج لهذه المشكلة إلا من خلال فتح المجال أمام القطاع الخاص للاطلاع بالدور الأكبر في النشاط الاقتصادي، واعادة تنظيم ورسم سياسات الاستخدام والدخل على مستوى الاقتصاد، وتنظيم سوق العمالة الوافدة، وإخضاع الكتير من القطاعات لإصلاحات هيكلية، وأن تتوقف الحكومة عن دور المشغّل الوحيد للباحتين عن العمل، وعوضا عن ذلك تمهد الحكومة مخططات لإقامة مشاريع انتاجية للشباب والبحثين عن العمل وأن تتولى المصارف تمويل هذه المشروعات بشروط ميسرة، وأن تتغيّر ثقافة الحكومة تصرف على الشعب، إلى ثقافة الشعب المنتج هو الذي يُموّل الحكومة ويحاسبها .
هذه التحولات الهيكلية في الاقتصاد تكون ضمن رؤية تتضمن شكل الدولة ونظامها الاقتصادي وهوية الاقتصاد ونمط تخصيص الموارد الاقتصادية، وبيئة تشريعية ضامنة ومحفزة للاستثمار، وإطار زمني وخارطة طريق للوصول إلى الأهداف المرجوة .