المارد الصيني يغزو العالم بأفكاره وتطوره التكنولوجي ولم يكتفى بذلك ، ولكنه فكر بأبعد من مجرد توريد بضائعه إلى دول العالم ، لأنه الأن يطمع في أن يكون دليل العالم التكنولوجي والصناعي والاقتصادي نحو المستقبل .
موقع الصين الجغرافي سمح لها بأن تسن القوانين منذ القدم، واعتمدت تجارة الحرير والبضائع والتوابل حول آسيا وأفريقيا وكانت الدول العربية في القارتين ممر عبور لهذه التجارة حول العالم.
ومع تطور طرق الاتصالات والمواصلات أتجه المارد الصيني ليغزو الأمريكيتين، وكانت البضائع الصينية وخصوصا في مجال التكنولوجيا والتطور العلمي قد فاقت حدود التصور.
ولكن بالنسبة لدول أخري فكانت البضائع الصينية تتمثل في المنتجات المختلفة والملابس والألعاب وكل ما هو يمكن أن يكون مقلد ورخيص أو يمكن تصنيعه مرة أخري في مصانع الصين كبديل عن الماركات العالمية المشهورة والتي يصعب توريدها أو شراؤها في الدول النامية لغلاء أسعارها.
ليبيا كغيرها من الدول الغير منتجة والتي تستهلك الكثير من المواد المختلفة سواء الغذائية أو الملابس أو حتى الأجهزة الالكترونية، أتجه معظم شبابها وتجارها وخصوصا في العقدين الأخيرين إلى التجارة عبر طريق الحرير، ولسهولة السفر عبر مطارات العالم والتنقل وكذلك أسعار العملة، كانت البضائع الصينية المقلدة تجتاح السوق المحلى شأنها شأن دول الجوار وخصوصا مصر.
وبالطبع تغير الحال في الأربع سنوات الأخيرة لتغير أسعار صرف العملة وصعوبة السفر والحصول على التأشيرات ليتغير أيضا السوق المحلى ويتجه معظم التجار إلى طريق تجاري أخر عبر تركيا والدول المجاورة في القارة.
ونشير هنا أيضا إلى تغير السياسات داخل الدولة الليبية حول التعاقدات التى تمت سابقا أوحاليا مع الصين في المجالات الصناعية والنفطية وكذلك الإنشاءات والبناء وغيرها.
ولإن المارد الصيني أذكى من أن يخسر أسواقه المحلية في دول العالم المختلفة، أتجه إلى طرح فكرة التجارة والتبادل التجاري عبر طريق الحرير التاريخي.
وفي سنة 2013 أقترح الرئيس الصيني / شي جين بينغ ، مبادرة بعنوان (الحزام والطريق ) ، لرسم حدود وآفاق جديدة للتعاون الدولي .
وفيه دعت الصين دول الجوار والدول التي تمر بها طرق التجارة العالمية والتي تمتلك مواقع جغرافية مهمة للمشاركة في بناء ما يسمى (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن 21)، والفكرة جاءت مستلهمة من طرق التجارة القديمة وهدف هذا المشروع توحيد طرق التعاون الاقتصادي والثقافي وأيضا في المجالات المختلفة بين القارات ( اروبا – أسيا – أفريقيا ).
كما أن الصين تطمح لتطوير وربط البنية التحتية التي ترتبط هذه القارات والدول التي تمر بها طرق التجارة العالمية.
وفي يوم 14/ مايو /2017 أفتتح الرئيس الصيني في العاصمة بكين (منتدى الحزام والطريق) والذي أستمر ليومين، حيث بلغ عدد الحضور 1500 شخص من مختلف أنحاء العالم وبحضور رؤساء الدول الكبرى ل 29 دولة، وغيرهم من رجال الاعمال والسفراء وعدد من الصحفيين.
وقد بلغ عدد الدول المشاركة 56 دولة من هذه ثلاث قارات، تستثمر في مشروعات بلغت مليارات الدولارات، كما تم تجهيز عدد 50 وثيقة تعاون من المتوقع توقيعها خلال المنتدى.
وكان من بين الحضور السيد / صلاح الدين محمد البشاري سفير حكومة ليبيا لدى الصين والذي أكد أن هذه المبادرة هي أضخم وأكبر المبادرات في القرن الحادي والعشرين، وأشار إلى حجم التعاون الذي سيكون بين 56 دولة بلغ مجموع تعداد السكان بها 4.4 مليار نسمة، ويبلغ حجم الناتج المحلى الإجمالي لهذه الدول نحو 21 تريليون دولار أمريكي، اى ما يعادل 29% من الناتج المحلى العالمي.
وأضاف أن ليبيا تؤكد على أهمية هذه الفاعليات ومشاركتها فيها، بالرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها.
وأشار أن ليبيا تمتلك موقع جغرافي مميز، وهو رابط بين القارات الثلاثة ( أسيا – أفريقيا – أروبا )، وأن الموروث الاجتماعي والثقافي والتاريخي يضمن لها أن تكون من أهم طرق التجارة العالمية في القرن 21 .
والجدير بالذكر أن ليبيا لها علاقات واتفاقيات وعقود مختلفة مع الصين أهمها في مجال الاستكشافات النفطية والبناء والتجارة الحرة.
وخلال الخمس سنوات الأخيرة منذ سنة 2013 وحتى 2017، حصلت العديد من التغيرات السياسية والاقتصادية والتي أثرت في الاقتصاد الليبي والتجارة بكل أنواعها وأيضا أرتفع سعر الدولار الذي ساهم في عدم توفير الكثير من المواد والبضائع التي كانت تجتاح السوق الليبي سابقا.
ورغم كل هذه الصعوبات فان الدولة الليبية تسعى جاهدة بمختلف تكويناتها السياسية إلى الحصول على اتفاقيات وعقود لغرض إعادة إعمار ليبيا ودخول الشركات الصينية المتعددة المجالات إلى ليبيا
وهنا نود أن نشير إلى بعض هذه الاتفاقيات وكانت الأقرب يوم 1/مايو /2017 حيث قام السيد / نائب رئيس المجلس الرئاسي بتوقيع اتفاقية تعاون مع السيد / رئيس مجلس الإدارة للمجلس العربي الصيني، وتنص الاتفاقية باستكمال المشاريع المتوقفة ودعم التنمية والاعمار في ليبيا، وذلك عملا بما جاء في الاتفاقيات التي تمت قبل سنة 2011 .
كما تم مؤخرا الإعلان عن تأسيس المجلس العربي الصيني للتكامل التجاري والتبادل الثقافي – ليبيا ، حيث قام السيد / على القطراني ، نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ، بحضور السيد / عادل المسلمانى ، رئيس مجلس الإدارة للمجلس العربي الصينى ، وبحضور عدد من الشخصيات البارزة في المجتمع يوم الأحد 30 ابريل 2017 بأعلان التأسيس وأكد الحاضرين على دعم المجلس للقيام بخطط التنمية والإعمار في ليبيا .
وأيضا قامت مدينة الزنتان الليبية بعقد اجتماع مع الوفد الصيني ومسؤولين محليين من المدينة، بوضع خطة عمل عن الاحتياجات الاستثمارية التي تحتاجها المدينة في مجال الطاقة والمياه والبنية التحتية والاتصالات.
كما أكد السيد / مصطفى الباروني عميد بلدية الزنتان ، أن هذا المشروع سيكون له الفائدة لكل مدن الجبل وليس فقط مدينة الزنتان ، وأكد أن الأمن هو الوجه الحقيقي لنجاح أي استثمار في العالم .
ولاننسي تصريح السيد / محمد عبد الله ، النائب في البرلمان الليبي ، في حديثه لـــ إرم نيوز ، قوله أن الصين تحاول أن تضع موطئ قدم لها في ليبيا ، كونها تدرك أن رغم الخسارة المادية لليبيا في قطاع النفط ، إلا أنها يمكن أن تستثمر ما قدره 50 مليار دولار فيها خلال 5 سنوات القادمة إذا أستقرت الأوضاع الأمنية بها.
ومن جهة أخري تصدرت أخبار ليبيا السياسية والاقتصادية الصحف المحلية الصينية والعالمية ، كون الصين مستعدة للعمل فورا في ليبيا عبر الاتفاقيات المعتمدة سابقا أو حاليا ولكنها أيضا لا ترغب في حدوث المزيد من الاضرار المادية والمعنوية لشركاتها داخل ليبيا ، حيث أشارت وكالة شينخوا الصينية الرسمية أن الصين أرسلت وفدا من مسؤولي الحكومة والشركات إلى ليبيا لبحث جهود أعادة الإعمار بعد الحرب وكيفية حماية الأصول الصينية .