ضيفنا في “لقاء الأسبوع” هو السيد “محمد الرعيض” عضو مجلس النواب ورئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة في ليبيا وصاحب شركة النسيم للصناعات الغذائية، والذي رحّب مشكورا بهذا اللقاء ليتحدث لنا عن نفسه وعن أبرز محطات حياته، وكيف جاءت فكرة إنشاء مصنع النسيم وتطويره، إضافة إلى رأيه في الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد من خلال خبرته الطويلة في مجال المال والأعمال.
س/ في البداية سيد “محمد” يا ريت تحدثنا عن كيف كانت بداية رحلة دخولك لعالم التجارة والمال والأعمال؟ وهل كان مجال دراستك مرتبط بالاقتصاد والتجارة أم أنك درست مجال آخر؟
ج/ بالنسبة لقصة بداية دخولي مجال التجارة، أنا ابن أسرة صغيرة متواضعة، والدي كان يشتغل موظفا ، ودخلت سوق العمل منذ الصغر، حتى أثناء دراستي الابتدائية والثانوية كنت أدرس صباحا وأعمل في المساء في مجال الفلاحة بمزرعتنا، وتعلمت كذلك مهنة البناء في نهاية المرحلة الإعدادية، حتى أنني وصلت لبناء ما لا يقل عن مائة ألف “بلكة” وكنت أبني منزلا كاملا خلال فترة الصيف.
ودخلت بعد ذلك للجامعة للدراسة بكلية الهندسة النووية قسم علوم المواد، وأكملت دراستي الجامعية وكانت هناك هدية من النظام السابق تنتظر الخرّيجين من الجامعة وهي دخول العسكرية لمدة سنة إجبارية، لكنني استطعت الإفلات من الخدمة العسكرية بتأجيل مناقشة مشروع التخرج إلى نهاية سنة 1983 لأتمكن من الحصول على بطاقة طالب للعام الدراسي 1983-1984، وخلال تلك السنة اشتريت جرّارا زراعيا واشتغلت عليه إلى أن تمكنت من استرجاع ثمنه خلال عام، ثم اشتريت آلة الحصاد لحصد الزرع خلال ذلك الصيف.
والتحقت بعدها بمصنع الحديد والصلب دون أن أدخل الخدمة العسكرية، واشتغلت بالمصنع لمدة أربع سنوات كمهندس مشرف على استلام الأفران بمصنع الحديد والصلب رقم واحد، وفي عام 1989 تركت العمل بالمصنع ودخلت مجال التجارة إلى أن تمكنت في ظرف سنوات بسيطة من إنشاء مصنع النسيم لصناعة المثلجات سنة 1993.
س/ كيف كانت بداية مصنع النسيم؟ وهل صحيح ما يقوله البعض من أنك أخذت أموالا من الدولة لإنشاء المصنع؟ وهل استعنت بتسهيلات مصرفية أو قروض من الدولة لتمويل مصنع النسيم؟
ج/ بدايةُ مصنع النسيم كانت كمصنع صغير بصالة شيدتها بنفسي مساحتها 60 متر مربع ولا تتجاوز قيمة الآلات التي بدأنا بها تشغيل المصنع مبلغ 150 ألف دولار، وكان المصنع في بدايته ينتج حولي 150 كرتونة جيلاطي في اليوم، وتدرجنا في تطوير المصنع سنة بعد سنة إلى أن وصل الآن إلى 60 ألف متر مربع مسقوف وكل ذلك كان عن طريق استثمار أرباح المصنع ولم آخذ خلال بداية إنشاء مصنع النسيم دينارا واحدا من الدولة لا عن طريق تسهيلات ولا قروض ولا أي شيء آخر.
وفي عام 2005 قررنا إنشاء مصنع جديد وتطوير المشروع، فاتجهت لمصرف الجمهورية وأخذت أول قرض بقيمة ثلاثة ملايين دينار والذي لم يكن قرضا نقديا بل عن طريق شراء آلات للمصنع يتم سداد قيمتها بنظام الأقساط الشهرية على مدى ثلاث سنوات، وبالفعل مع حلول عام 2008 استطعنا سداد قيمة القرض بالكامل، مما شجَّعَنا على أخذ قرض أكبر بقيمة خمسة ملايين دينار بنفس الطريقة وسددنا المبلغ خلال ثلاث سنوات مع بداية عام 2011، وأخذنا الموافقة على قرض جديد لتطوير المصنع بقيمة عشرين مليون دينار وفتحنا الاعتمادات بتوريد بضاعة للمصنع إلا أنها لم تصل إلا بعد ثورة فبراير.
بعد ذلك جدولنا تلك الديون واستطعنا سدادها بالكامل بنهاية شهر أبريل من العام الماضي، لتصبح ديون مصنع النسيم لدى المصارف الليبية صفر، وفي نفس الوقت فإن شركة النجمة لصناعة الزيوت النباتية التابعة لشركة النسيم هي من تريد من الدولة مبلغ 74 مليون دينار قيمة ما باعته لصندوق موازنة الأسعار ولم تستلمهم إلى اليوم منذ عام 2014.
س/ وماذا عن إنتاج المصنع .. كيف كنتم تسوقونه؟ وهل إنتاج المصنع يغطي احتياجات السوق؟
ج/ حقيقة منذ افتتاح مصنع النسيم لم نستطع يوما تلبية كامل احتياجات وطلب السوق على منتجات النسيم، دائما الطلب على منتجاتنا يفوق كمية الإنتاج التي ننتجها بالمصنع، وهذا ما دعانا لتطوير المصنع عاما بعد عام.
وكما قلت سابقا فإننا طورنا مساحة مصنع النسيم من 60 متر مربع فقط إلى 60 ألف متر مربع مسقوف، وعدد العمال تضاعف من عشر عمال فقط مع انطلاق المصنع سنة 1993 إلى أكثر من ألف عامل يشتغل بالمصنع سنة 2017.
أما الإنتاج فنحن نوزع إنتاجنا لجميع المدن الليبية، وكانت الانطلاقة بإنتاج ما يعادل 20 ألف لتر حليب في اليوم بتحويلها إلى جيلاطي، الآن مصنع النسيم ينتج ما يعادل 700 ألف لتر حليب في اليوم لتحويلها لمنتجات النسيم من لبن وزبادي وجيلاطي.
س/ لماذا لا نرى منتجات مصنع النسيم تصدر للعديد من الدول العربية بدل اقتصار التصدير على تونس فقط وبكميات بسيطة؟
ج/ بالنسبة لنا فالتصدير يمكن أن يكون لدول الجوار تونس ومصر بحكم قرب المسافة وكذلك لأن منتجات الألبان مدة صلاحيتها ليست بالطويلة، باستثناء الجيلاطي الذي لدينا منه فائض إنتاج بحكم إمكانية التخزين خلال فصل الشتاء لذلك فنحن نصدر الجيلاطي لتونس منذ 2008، أما باقي المنتجات فالمصنع بالكاد يغطي متطلبات السوق الليبي، وفي 2013 شغلنا ستة خطوط إنتاج جديدة وكنا نصدر كميات بسيطة لتونس، أما مصر بسبب الحرب في 2014 فلم يكن هناك إمكانية لوصول منتجات النسيم إلى المدن المصرية.
س/ كيف كنت تدبر أمورك مع النظام السابق خاصة وأنه في تلك الفترة لم يكن هناك تشجيع كبير للقطاع الخاص؟ وهل كانت هناك محاولات لمشاركتكم من قبل المقربين من النظام السابق؟
ج/ في الحقيقة عكس ذلك تماما، أنا كنت في عهد النظام السابق أتحصل على تخفيضات في الدعاية والإعلان في قناة ليبيا الرياضية التابعة للدولة، وتحصلت على عقد رعاية للدوري الليبي بقيمة 250 ألف دينار، في الوقت الذي كانت باقي الشركات التجارية تدفع في نصف مليون دينار لنفس عقود الرعاية، وكذلك باقي قنوات الدولة كان هناك تخفيض 50% في الدعاية للمنتجات الوطنية.
وللأمانة لم أتعرض لأيّة مضايقات من النظام السابق أو المقربين منه وأعتقد أن هؤلاء كانوا يبحثون أكثر عن التجارة السهلة عن طريق الحصول على وكالات الشركات العالمية سواء لشركات السيارات أو الاتصالات أو الأدوية وغيرها، إضافة إلى أنهم كانوا ينشئون شركات المقاولات للحصول على اعتمادات بالملايين إلى غير ذلك.
بالإضافة لذلك فإن المسؤولين الليبيين للأسف سواءً في النظام السابق أم الحالي دائما يتصورون أن المنتج المحلي رديء والقطاع الخاص لا قيمة له، حتى أن معظمهم يعتقدون أن مصنع النسيم هو عبارة عن “جراج” وماكينتيْن صغيرتيْن أو أننا نعبئ في اللبن بالقمع إلى غير ذلك ظنا من أولئك المسؤولين أن رجل الأعمال الليبي دائما لا يساوي شيئا وأن المصانع المحلية لا يمكن لها أن تصل لجودة المنتج المورد من الخارج، بينما الحقيقة هي عكس ذلك تماما.
س/ حدثنا أكثر عن مصنع النسيم وكم عدد العاملين فيه وما نسبة العمالة الليبية في المصنع وما هي الخطوط العريضة التي رسمتموها لتطوير المصنع خاصة بعد تركيزكم على الجودة وأخذ شهادات عالمية؟
ج/ بالنسبة للعاملين بمصنع النسيم هم بالكامل عمالة ليبيا بنسبة 100%، حيث يضم المصنع قرابة ألف عامل معظمهم من فئة الشباب متوسط أعمارهم 26 سنة تقريبا، إضافة إلى ذلك فإن المصنع يستعين بين الفينة والأخرى بخبراء أجانب للمساهمة في إجراء الدراسات وتطوير المصنع.
أما فيما يخص الشهادات فإن أول شهادة أخذها مصنع النسيم ونعتز جدا بها كانت في سنة 2006 وهي علامة الجودة الليبية والتي يمنحها مركز المواصفات والمعايير في ليبيا عن طريق دكاترة مختصين ليبيين، وفي عام 2009 أخذ المصنع شهادة “آيزو 9001” وتعني جودة الإدارة وكذلك شهادة “آيزو 22000” والمختصة بسلامة الغذاء، وفي عام 2010 تحصلنا على شهادة ريادة الجودة العالمية في استفتاء ضم 500 شركة عالمية من 64 دولة، تحصل فيه مصنع النسيم على المركز الأول.
س/ كشركة أهلية في ليبيا هل كانت لكم نشاطات أخرى غير تجارية تبرزون من خلالها قرب مؤسستكم من المجتمع ومساهمتها في النهوض به؟
ج/ طبعا شركة النسيم ومنذ بدايتها وهي تهتم برعاية الجمعيات الخيرية والنشاطات الاجتماعية والرياضية، وفي سنة 2015 حاولنا تنظيم هذه المساهمات من خلال تأسيس منظمة النسيم للتنمية المجتمعية، ومن خلالها ساهمنا بدعم برامج تدريبية متعددة في شتى المجالات.
كما قامت منظمة النسيم بتأهيل قسم الطب النفسي بمستشفى مصراتة المركزي وعملنا دورات لجميع العاملين به وكذلك قدمنا دورات للاختصاصيين الاجتماعيين بالمدارس ورياض الأطفال، وركزنا على تنظيم الدورات التي وصلت إلى قرابة 40 دورة خلال العاميْن الماضييْن، وكذلك فالمنظمة متواجدة على الدوام للمساهمة مع جهات الاختصاص بالدولة في الأزمات بتوفير الإعانات الغذائية والطبية وغيرها.
س/ بالإضافة لمصنع النسيم ؛ يا ريت تحدثنا عن الشركات الأخرى التي تملكها وهل هي بالأساس من أرباح مصنع النسيم وكيف تدار تلك المصانع؟
ج/ طبعا بعد نجاح مصنع النسيم توسعنا في نشاطاتنا، ففي عام 2009 افتتحنا شركة النجمة لصناعة الزيوت النباتية التي يصل إنتاجها إلى تعبئة 60 ألف طن في السنة بمعدل خمسة آلاف طن في الشهر، وكذلك أنشأنا شركة الهدهد لخدمات النقل والخدمات اللوجستية وهي وكيل شركة “تي إن تي” العالمية للبريد السريع.
إضافة إلى ذلك لدينا شركات تجارية لتوريد المواد الغذائية فنحن وكلاء لجبنة “البقرة السعيدة” وزبدة “قولدينا” التونسية، وكذلك لدينا شركة أخرى لاستيراد الأدوية ومصحة هي مصحة التسامي للتشخيص الطبي، وشركة أخرى لاستيراد المعدات الصناعية وهي شركة التقدم، وكل هذه الشركات لها إداراتها الخاصة بها.
ونحن دائما نحب أن نشتغل بأسلوب علمي، فشركة النسيم على سبيل المثال هي الشركة الأولى ومن الممكن أن تكون الوحيدة في ليبيا التي تشتغل بمنظومة “ساب” المحاسبية التي تعتبر الأفضل في العالم والتي تصل تكلفتها إلى “مليون و300 ألف” دولار.
س/ هل يمكن أن تحدثنا عن المنتجات التي ينتجها مصنع النسيم حاليا؟ وهل المصنع يدفع ما عليه من التزامات للدولة الليبية؟
ج/ مصنع النسيم ينتج قرابة 700 طن في اليوم، أي أن 700 ألف لتر حليب في اليوم تتحول إلى لبن وزبادي وأيس كريم، وكلها تعبأ في عبوات مختلفة الأحجام، حيث أن الزبادي فقط يعبأ بأكثر من عشرين نوع ، وإجمالي الأصناف التي نستوردها تصل إلى أكثر من 1300 صنف لإنتاج منتجات النسيم المختلفة.
والمصنع يحتوي على العديد من الآلات الضخمة من غلايات ومنظومات تبريد وهي من أحدث الآلات في العالم، والمصنع يشتغل بطاقة كهربائية تصل إلى 12 ميغا وات ويدفع في أكثر من 150 ألف دينار في الشهر لشركة الكهرباء، والمصنع يُشَغل في ألف شاب ليبي وجميعهم بعقود إضافة إلى أن الشركة تدفع عن الموظفين الضرائب والضمان والتأمين ضد الحوادث والتي تصل قيمتها إلى أكثر من ثلاثة ملايين دينار في السنة.
س/ لماذا لم تفكروا في فتح فروع لمصنع النسيم بالمدن الأخرى غير مدينة مصراتة؟
ج/ في الحقيقة لا نرى حاجة لإنشاء فروع للمصنع في مدن أخرى، لأنه كلما كبر حجم المصنع كلما زاد الإنتاج وقلّتْ التكلفة ويكون المصنع قادرا على تغطية مصاريفه، بالإضافة لذلك فإننا في ليبيا نتمتع بميزة رخص النقل، وبذلك فإن شركة النسيم توزع كافة منتجاتها في جميع المدن الليبية بسعر موحد، حيث أننا نعطي 8% لوكلائنا بالمدن ليصل المنتج إلى المواطن الليبي في كل المدن بنفس سعر البيع.
س/ لماذا توقف إنتاج مصنع النسيم قبل شهر رمضان؟ ولماذا تغير ثمن منتجات المصنع بعد عودته للإنتاج مجددا حتى أن بعض المواطنين وصل بهم الأمر للدعوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقاطعة منتجات مصنع النسيم؟
ج/ الموضوع ببساطة أن شركة النسيم لم تتحصل على دولار واحد منذ شهر أكتوبر الماضي، بمعنى أننا منذ عشرة أشهر كاملة لم نتحصل على أي اعتماد من المصرف، بل أن قيمة الاعتمادات التي تحصلنا عليها السنة الماضية هي أقل من نصف حاجة المصنع، ومع هذا اشتغلنا بما لدينا من مخزون حتى شهر مايو الماضي دون أن نرفع السعر على أمل أن نتحصل على اعتمادات جديدة، إلى أن انتهى مخزون المصنع دون أن نتحصل على اعتماد واحد.
لذلك وجدنا أنفسنا مجبرين على قفل المصنع قبل شهر رمضان، حتى أن البعض نشر شائعات بأننا صدّرنا إنتاجنا لقطر، وهذا طبعا أمر غير منطقي وغير وارد لأن منتجات النسيم مدة صلاحيتها لا تزيد عن عشرين يوما ويستحيل تصديرها لقطر وكذلك فإنه من يفكر أننا يمكن أن نصدر إنتاجنا بالطائرة فهو لا يفهم أبجديات الاقتصاد لأن سعر النقل بالطائرة سيتضاعف خمسة أضعاف قيمته الأصلية.
وعندما قفلنا المصنع لحوالي 40 يوما أعطينا إجازة لكافة موظفينا وعددهم ألف عامل، وأغلبهم من ذوي الخبرات مما اضطرّنا لإعادة فتح المصنع حتى لا نفقدهم وينتقلوا إلى أماكن أخرى، ولم نجد حلا سوى شراء احتياجات المصنع من مواد خام من السوق السوداء، مما اضطرنا إلى زيادة السعر مع الأخذ في الاعتبار أن هناك بعض المواد الخام مازالت لم تستنفذ بعد مما جعل أسعارنا الجديدة لا تصل إلى ستة أضعاف كما لو أننا اشترينا كل احتياجات المصنع من السوق السوداء.
فمثلا علبة الزبادي التي كانت تباع بربع دينار اضطررنا لبيعها بـ “75 قِرشا”أو نصف دينار بالنسبة للعلب الأصغر حجما، وليس بيعها بدينار ونصف مثلما يفترض في حالة أخذنا احتياجاتنا بالكامل من السوق السوداء، أما اللبن فيباع الآن بثلاثة دينارات ونصف، بينما “باكو” العصير يباع بأكثر من ثلاثة دينارات ولتر مشروب البيبسي يزيد سعرها عن ثلاثة دينارات ونصف، لكن لا أحد يتكلم على العصير أو البيبسي الغالي، يتكلمون فقط على النسيم لأن هناك من يعتقد أن المصنع ملك الدولة وآخرون يظنون أننا أخذنا اعتمادات، لكن أتحدى أي شخص يثبت أن هناك مصرف في ليبيا يريد منا درهما واحدا أو أننا أخذنا أي اعتماد هذه السنة، ولو استمر المصرف في عدم منحنا اعتمادات سنضطر لزيادة سعر منتجاتنا ضعف القيمة الحالية للاسف.
س/ لكن رغم كل ما ذكرت سيد “محمد” إلا أن هناك زبادي مستورد من تونس الفترة الماضية ويباع في السوق الليبي بربع دينار .. فكيف تفسر ذلك؟
ج/ صحيح موجود؛ وذلك لأن المصرف المركزي منح اعتمادات لشركة تسمي نفسها “تسنيم” لاستيراد الزبادي التونسي الجاهز، فتعطى الاعتمادات لجلب السلعة الجاهزة ولا تعطى لجلب مواد خام لتشغيل المصانع الليبية!
لكن هذا لن يؤثر في شركة النسيم لأنها تنتج قرابة 700 طن يوميا أي ما يعادل 30 شاحنة، وكل ما استوردوه من تونس لهذا العام لا يتجاوز 100 شاحنة، أي ما يعادل إنتاج مصنع النسيم لمدة ثلاثة أيام فقط، فالبقاء للأصلح، البقاء للأقوى، البقاء للأنجح.
س/ بصفتك رئيس مجلس إدارة اتحاد غرفة التجارة والصناعة في ليبيا ولك باع طويل في الغرف التجارية ومجالس رجال الاعمال؟ يا ريت تخبرنا ماذا قدمت غرف التجارة للاقتصاد الليبي ؟ وهل أنت راضٍ عن دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية في البلاد؟
ج/ طبعا بالنسبة لغرف التجارة في ليبيا للأسف عندما طبق النظام السابق الاشتراكية في البلاد، قفل جميع مؤسسات القطاع الخاص من شركات ومحلات وغيرها وأغلق نقابة التجار، باستثناء غرفة التجارة التي لم يستطع النظام إغلاقها؛ لأنها هي من تعطي جواز سفر لتصدير البضائع، بمعنى أنه لا يمكن تصدير برميل نفط دون أن يكون هناك غرفة تجارة، لكن دورها ظلّ بسيطا وهامشيا نظرا لغياب القطاع الخاص.
وغرفة التجارة تضم عادة القطاعيْن الخاص والعام، فكل من يزاول نشاطا اقتصاديا ملزم أن يسجل بغرفة التجارة، أي أنها بمثابة المظلة لكافة الممارسين للنشاط الاقتصادي في البلاد، وفي ليبيا هناك إحدى عشرة غرفة، والاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة في ليبيا هو من يشرف على هذه الغرف.
وبكل تأكيد نحن لسنا راضون عما قدمته الغرف التجارية للاقتصاد الليبي، ولكن ذلك يُعزى لضعف الإمكانيات المتاحة وعدم تجديد مجالس الإدارة لهذه الغرف من فترة قبل ثورة فبراير بسبب الانقسام الحاصل، فاتحاد الغرف لم يستطع القيام بدوره بالصورة المطلوبة نظرا لقلة الموارد المالية.
ورغم هذا الضعف إلا أننا نحاول أن نشتغل وفق المتاح أمامنا، وللأسف فإنه من تولى مهمة رئاسة اتحاد الغرف التجارية في السنوات الماضية لم يكن رجل أعمال وهذا انعكس سلبا على دور الاتحاد.
وبالنسبة لي توليْت المهمة قبل سنتيْن تقريبا، ورغم كل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، حاولنا العمل وقدمنا الكثير من المقترحات ونظمنا أنشطة متعددة وعدة ندوات، كما أننا حاولنا أن لا تنقطع مشاركة ليبيا في المحافل الخارجية من ندوات ومؤتمرات عالمية مهمة، وكنت أدفع مصاريف المشاركة من جيبي الخاص رغم أن رئيس وأعضاء اتحاد الغرف وفقا للقانون لا يتقاضون أصلا لا ميزات مادية ولا عينية.
س/ كيف ترى علاقة الدولة الليبية بالقطاع الخاص سواء قبل أو بعد الثورة؟
ج/ للأمانة أقولها أن وضع القطاع الخاص في ليبيا كان أفضل قبل ثورة فبراير للأسف، وذلك لأن أغلب من تولوا المناصب بعد الثورة هم غير مناسبين لتولي تلك المناصب على الإطلاق، فمنذ الثورة إلى اليوم لم يتولى قيادة وزارة الاقتصاد أي شخص كفؤ لهذا المنصب، وبالتالي فإن ثقافة المسؤول الليبي لا تزال هي ضد رجال الأعمال الليبيين، فإلى الآن يتم تصوير رجل الأعمال على أنه ذلك السارق والسمسار إلى غير ذلك من الصفات التي لا تمثل رجال الأعمال الحقيقيين في ليبيا.
ومن وجهة نظري فإن أسوء سنة مرت على القطاع الخاص للأسف هي سنة 2017، حيث أصبحت الاعتمادات من المصرف المركزي تمنح لتجار “الشنطة” أكثر من التجار الحقيقيين، فنتيجة فرق العملة الكبير أمسى هناك تكالبا على الحصول على اعتمادات وأصبحت الأمور غير سوية، والآن تحول موضوع الاعتمادات لوزارة الاقتصاد وهي بدورها لن تستطيع أن تشتغل بالصورة الصحيحة لأنها ستحاول تقسيم الاعتمادات وكأنها تقسم في تركة، لذلك لن تعطى الاعتمادات لمن يستحقها بل يساوى في منحها بين الذي يشتغل والذي لا يشتغل.
س/ في سنة 2014 رشحت نفسك لانتخابات مجلس النواب ونجحت في الحصول على مقعد في البرلمان عن مدينة مصراتة ؟ فما هو الهدف اللي سعيت ليه من وراء هذه الخطوة؟ وهل حققت ما تصبو إليه من خلال تقلدك لهذا المنصب؟
ج/ سؤال مهم جدا .. أنا قبل الثورة وبعدها ذهبت في أكثر من مناسبة للمسؤولين وتقدمت بعدة مقترحات لتحسين الاقتصاد الليبي وتعديل القوانين والتشريعات والتعامل مع القطاع الخاص، إلا أن كل مقترحاتنا ذهبت أدراج الرياح ولم نجد من يسمعنا حتى بعد الثورة سواء حكومة الكيب أو حكومة زيدان أو المؤتمر الوطني، كلهم اعتبروا أن القطاع الخاص فاشل والتجار سارقين.
لذلك قررت ترشيح نفسي لانتخابات مجلس النواب حتى أكون في مكان إصدار القرار وتعديل التشريعات والقوانين، ولكن للأسف أصبتُ بخيبة أمل لأن مجلس النواب لم يجتمع جلسة واحدة يمكن القول أنها صحيحة منذ بدايته، فقبل الاتفاق السياسي بقيَتْ العملية السياسية رهينة للفعل ورد الفعل بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني، وبعد الاتفاق السياسي لم يعقد مجلس النواب جلسة واحدة صحيحة إلى اليوم.
س / طالبت أكثر من مرة بتغيير وتعديل وسنّ بعض التشريعات لصالح القطاع الخاص ليقوم بدوره؟ فياريت تقول لنا أمثلة للتشريعات التي يراها السيد “الرعيض” أنها ضرورية في هذه الفترة بالذات للنهوض بالاقتصاد الليبي؟
ج/ أول تشريع هو تشجيع العمالة الوطنية في القطاع الخاص، وذلك بأن يكون هناك قانون يفرض على الدولة مساعدة كل ليبي عنده نشاط في القطاع الخاص ويشغل معه مواطن ليبي آخر عن طريق وزارة العمل وضمن منظومة الرقم الوطني، وذلك بأن تعطيه مثلا جزءا من المرتب لفترة من الزمن، لكن ما يحدث الآن هو العكس؛ فمن يشغل معه مواطنا ليبيا تأخذ عليه الدولة 20% بين ضمان وضرائب.
وفي ليبيا من يشتغل في القطاع الخاص يدفع ضرائب وأجور المرتبات، أما في القطاع العام لا يتم دفع تلك المبالغ، بينما المفترض أن يكون القطاع الخاص هو من يعفى من ذلك لأنه ساهم في توفير مرتب ذلك الشخص على الدولة طوال السنة.
علاوة على ذلك فإن الدورات والتدريب والدراسة بالخارج والبعثات وغيرها من الميزات لا تعطى لأي فرد يشتغل بالقطاع الخاص، بل وصلت الدرجة بأحد المسؤولين أن قال لي بالحرف “يشتغل معاك وتريدنا نحن ندربه!”.
هذه هي للأسف ثقافة المسؤول الليبي، وهذا ما يجعل الدورات والبعثات مجرد تكريم ونزهة لسين أو صاد من الناس للفسحة والعودة وكل مرة يتم بعث شخص بالمعارف دون أن تكون هناك أدنى استفادة للدولة، بعكس لو تمّ مساعدة القطاع الخاص بدفع جزء على التدريب والدورات سنجد أن صاحب العمل لن يرسل إلا الشخص الذي يستحق ووفقا للمدة المطلوبة فقط.
وما أستغرب له أن كل وزراء العمل الذين ذهبت إليهم وناقشتهم، كلهم يقولون أن كلامك صحيح، وعندما تسألهم لماذا هذا الكلام غير مطبق في ليبيا يردون عليك بأنهم لا يستطيعون القيام بذلك، وفي رأيي أن ذلك يندرج ضمن الثقافة العامة للدولة ونظرة الأغلبية ومن بينهم المسؤولين للقطاع الخاص.
س/ بصفتك من أصحاب الخبرة في مجال التجارة؟ برأيك ما هي أسباب الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، من انهيار سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية؟ والتضخم وانعدام السيولة في المصارف والغلاء المعيشي وغيرها؟
ج/ بالنسبة لأسباب الأزمات في البلاد فالأسباب كثيرة؛ أولها الأزمة السياسية وثانيها قفل النفط وثالثها سوء الإدارة من الحكومة والمصرف المركزي الذيْن لم يعالجا المشاكل ولم يجدا الحلول قبل تفاقمها وتحولها إلى أزمات، ونحن الآن للأسف نعاني مجاعة من سوء إدارتنا جميعا حتى المواطن، فلا نعفي أحد من المسؤولية فيما وصلنا إليه.
فالجميع للأسف لا يعمل، والكل يريد أن يأخذ مرتبات من الدولة دون بذل أي جهد، فليس من المعقول أن يكون أكثر من مليون ونصف يشتغلون في الدولة، هذا عدد كبير يفوق حاجة الدولة، فعدد العاملين بالقطاع العام في ليبيا يجب أن لا يتجاوز 400 ألف موظف على أقصى تقدير، وباقي أفراد الشعب يتجهون إلى القطاع الخاص، فليبيا بالإمكانيات التي تملكها تكفي حتى لستين مليون مواطن وليس فقط لستة ملايين.
هذه الإمكانيات التي تملكها بلادنا تكفينا حتى لو أغلقنا النفط نهائيا لأننا نملك ثروات طبيعية ولدينا ساحل على البحر يمتد لألفيْ كيلومترا ونستطيع أن ننشيء الموانيء لتكون نقطة عبور لكافة السفن في البحر المتوسط ونفس الأمر ينطبق على المطارات لأن ليبيا تتميز بموقع متميز يمكنها من خلاله أن تكون مركزا للتجارة، كل ذلك وأكثر يمكن أن يكون في ليبيا حتى من غير نفط لكنه يحتاج لقيادة حكيمة وتصرف حكيم.
س/ كيف ترى عمل مصرف ليبيا المركزي؟ وهل ترى أنه كان بإمكانه القيام بشيء لوقف تدهور سعر صرف الدينار ؟ ولو كنت محافظ للمصرف ما هي الإجراءات العاجلة التي تتخذها؟
ج/ بالنسبة لمحافظ مصرف ليبيا المركزي كان بإمكانه أن يغير سعر الصرف منذ بداية الأزمة أسوة بدول العالم، فالكثير من الدول غيرت سعر الصرف باستثناء ليبيا وهذا خطأ كبير جدا وقع فيه المصرف المركزي نتيجة انقسام مجلس إدارته أربعة في الشرق وثلاثة في الغرب، ومع تسارع الأحداث وعدم القيام بأي حلول عاجلة تفاقمت الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وكان على المصرف كذلك أن يشتغل منذ فترة طويلة على تشجيع استعمال البطاقات الالكترونية في البيع والشراء بدل الاعتماد الكلي على العملة الورقية، والمأخذ الرئيسي على المصرف المركزي أنه أوصلنا إلى وجود سعريْن للدولار، مما أدى إلى تكالب كبير جدا من المليشيات المسلحة وغيرها على فتح الاعتمادات، ولو كنت محافظا للمصرف المركزي لكان أول قرار أصدره هو تغيير سعر الصرف ليصبح الدولار الواحد بستة دينارات مؤقتا، وفي خلال شهرين ستحل كافة مشاكل ليبيا.
فالحل هو توحيد سعر الصرف، فليبيا بدون توحيد سعر الصرف لن تقوم لها قائمة حتى لو صدرت مليونيْ برميل نفط يوميا ووصل سعر البرميل الواحد إلى 100 دولار، لن تستوي الأمور، لأن ليبيا الآن مثل الكيس المثقوب كل ما تعبئه من أعلى يتسرب من الأسفل، فكل ما نأتي به من بضاعة حاليا طالما هناك سعريْن للدولار في البلاد سيتهرب مباشرة إلى دول الجوار.
نأخذ مثال لو استوردنا صندوق زيت وكلف الدولة عن طريق الاعتماد 30 دينارا، أي لو قسمنا المبلغ على ثمانية سيكون كلفته قرابة أربع دولارات يعني لو تمّ تهريبه حتى بستة أو سبعة دولارات فإن المهرب رابح، بينما هذا الصندوق يكلف الدولة الليبية 15 دولار على الأقل، أي أن 50% من المبلغ ضاع هباءً، والسلعة هربت للخارج والمواطن بقيَ من غير السلعة التي استجلبتها الدولة بسعر مدعوم بالاعتماد.
س/ حسنا هل برأيكم أنه بتغيير سعر الصرف من الممكن أن تحل كل الأزمات وترفع المعاناة عن المواطن؟
ج/ بكل تأكيد .. فليبيا الآن تبيع في مدخراتها، والبلد وصل إلى حد المجاعة للأسف والمواطن يعاني من كثرة المشاكل والأزمات والحل الوحيد هو توحيد سعر الصرف، بهذا ننهي كل مشاكلنا، ليبيا يمكن من وجهة نظري أن تحل كل مشاكلها في شهريْن، فقط لو عدّلنا سعر الصرف ليصبح الدولار بستة دينارات.
وكذلك يجب تعديل سعر لتر البنزين بديناريْن مع إعطاء ثمن 50 لترا من البنزين لكل فرد في الأسرة، فلو فرضنا أسرة مكونة من ستة أفراد يعطى لهم 600 دينار شهريا، هكذا نصل للعدالة في التوزيع، فلا يعقل أن في ليبيا الآن هناك من يهرب مليون لتر في اليوم ويربح مليون دينار، وهناك من لا يملك سيارة نهائيا، وكذلك فإن المناطق الحدودية التي يهرب منها البنزين يشتري مواطنوها لتر البنزين بدينارين في الوقت الذي تهرب فيها البنزين من مناطقهم.
وعلاوة على ذلك يجب إلغاء الضرائب والجمارك بالكامل لقطع دابر الفساد، لأنه من يدفع الضرائب والجمارك الآن هو التاجر الملتزم، أما المهربين والتجار الفاسدين والمجرمين وأصحاب المليشيات والمزورين لا يدفعوا شيئا، بمعنى أنك الآن وكأنك تعاقب التاجر الذي يشتغل بضمير وتساعد في المجرمين، مما يعني أن الدولة تشجع الفساد وتجعل الملتزم يتندم على التزامه وهذه كارثة.
وشخصيا تقدمت بمقترح لحكومة الكيب وحكومة زيدان بضرورة تجميد الضرائب والجمارك لمدة خمس سنوات على الأقل إلى أن تستقر أوضاع البلاد، والعجز الذي سينتج تستطيع الدولة الحصول عليه بزيادة سعر الصرف بالمصرف المركزي.
س/ بصفتك الآن تعتبر أحد صنّاع القرار في الدولة؛ كيف ترى الانقسام الحاصل في مؤسسات الدولة ولاسيما المصرف المركزي؟ ولماذا لم نرى جهودا من قبل السيد “الرعيض” لتوحيد المؤسسة؟ وما هي وجهة نظرك في المساعي بمجلس النواب لانتخاب محافظ جديد للمصرف المركزي؟
ج/ بالنسبة لي كعضو مجلس نواب على المستوى السياسي منذ سنة ونصف وأنا أناضل لتوحيد مجلس النواب وعقد جلسة صحيحة خارج مدينة طبرق لتوحيد الجهود السياسية في البلاد، أما على مستوى المصرف المركزي فقد بذلت الكثير من المساعي لتوحيد مجلس الإدارة وتلافي الانقسام الحاصل في المؤسسة إلا أن الجهود باءت بالفشل.
وفي شهر فبراير الماضي أرسلنا طلبا للمصرف المركزي لتغيير سعر الصرف إلى أربعة دينارات مقابل الدولار الواحد في ذلك الوقت، وللأسف لم يجد طلبنا آذانا صاغية واستمرت الأزمة في التفاقم إلى يومنا هذا، أما بخصوص ما تحدثت عنه حول مجلس النواب فإن المجلس من وجهة نظري كل جلساته الحالية باطلة فهو لم يعقد أي جلسة صحيحة منذ فبراير 2016.
فلا يمكن الحديث عن تغيير المناصب السيادية في الدولة دون عقد جلسة صحيحة كاملة النصاب ثم التشاور مع مجلس الدولة وفقا للاتفاق السياسي لأن الجسميْن ولدا من رحم هذا الاتفاق، أما ما يحدث حاليا في طبرق فهو لا يعدُ كونه بلطجة وضحك على ذقون الليبيين، وشخصيا آسف جدا لزملائي الذين لا يزالون يذهبون لطبرق في ظل رئاسة برلمان بهذا الشكل تضرب بعرض الحائط كافة أبجديات القانون.
س/ كيف ترى نتائج القرارات والاجتماعات لوزير الاقتصاد المفوض بحكومة الوفاق الوطني؟ وما هي أبرز القرارات التي ترون أنه على الوزارة اتخاذها لتطوير الاقتصاد الليبي؟
ج/ صراحة هناك مجهود كبير جدا بذلته الوزارة من أجل معرفة كيفية توزيع الموازنة على الشركات، ولكن للأسف لم ولن ينجحوا لأنه مادام لديك سعريْن للصرف الفرق بينهما بالشكل الحالي، فلن تستطيع التوزيع العادل حتى وإن ظننت أنك وزعت بالعدل فإنك ستظلم الذي يشتغل، فمثلا عندما تسوّي بين مصنع مقفل من عاميْن والآخر يشتغل وتعطي لكليهما نفس قيمة الاعتمادات فبالتأكيد ليس هكذا يكون العدل.
س/ سؤال أخير سيد “الرعيض”؛ ما هو الحل الأنجح والأمثل لحل مشكلة الاقتصاد الليبي برأيك؟
ج/ كما قلت لك سابقا الحل الوحيد أمامنا حاليا لإنقاذ الاقتصاد الليبي هو تعديل سعر الصرف، عملية جراحية لابد منها مثل الذي عنده ورم إما أن يستأصله أو سيقضي عليه، فلا حل لتعافي الاقتصاد الليبي بغير تعديل سعر الصرف مؤقتا، واقترح البداية بتعديله بستة دينارات، ثم تخفض تدريجيا إلى أن تستقر الأمور.
فلو فرضنا مثلا أننا لدينا 15 مليار نريد أن نستورد بها سلعا فلو بعناها ب 1.4 سنتحصل على مبلغ وقدره 22 مليار، وهذا المبلغ لا يكفي حتى للمرتبات، أما لو بعنا نفس المبلغ بأربعة دينارات، سنتحصل على 60 مليار، يمكننا أن ندفع منهم علاوة العائلة المتوقفة منذ 40 شهرا ومنح الطلبة المتوقفة كذلك، وندفع أيضا ديون صندوق موازنة الاسعار البالغة 2 مليار، وديون الامداد الطبي وكافة ديون أجهزة الدولة، إضافة إلى توفير السيولة للمصرف المركزي وحل أزمة نقص السيولة في البلاد.
ولدينا تجربة ناجحة في سنة 1999 حين وصل سعر صرف الدولار إلى 3.80 دينار، بينما السعر الرسمي في المصرف المركزي كان بـ “59 قرش”، حيث قرر المصرف آنذاك تعديل سعر الصرف إلى 3.25 وخفض تدريجيا إلى أن وصل بدينار وربع للدولار الواحد.
كلمة أخيرة سيد محمد في ختام هذا اللقاء
– نشكركم على هذا اللقاء وأحب أن أؤكد على دور القطاع الخاص في ليبيا، فأي دولة في العالم لا يمكن أن تنجح بدون قطاع خاص، والسياسة المصرفية مهمة جدا، ولابد من تعديل سعر الصرف ورفع الدعم، فهذه الإجراءات ضرورية لإنقاذ الاقتصاد وهي في صالح المواطن الذي يعاني الأمرّيْن من الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
في الختام نشكرك سيد “محمد الرعيض” على قبول دعوتنا لتكون ضيفنا في لقاء الأسبوع، وعلى رحابة صدرك في الإجابة عن كل تساؤلاتنا ونتمنى لكم كل التوفيق.