“مستقبل الاقتصاد الليبي نحو إيجاد رؤية لتجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية والشروع فى بناء الدولة”، حول هذه القضية كتب الدكتور “محمد أبو سنينة” المستشار الاقتصادي والرجل الثاني في مصرف ليبيا المركزي منشورا بصفحته الشخصية عبر موقع التواصل لاجتماعي “فيس بوك” ضمن ما أسماها “قضايا مسكوت عنها”.
وتحدث “أبوسنينة” في منشوره عن استحقاقات مرحلة الاستقرار أو ما بعد النزاع والتي لم يوليها المسئولون الاهتمام الكافي، مشيرا إلى أن السلطات القائمة حاليا سواءً التشريعية أو التنفيذية بما فيها حكومة الوفاق والحكومة المؤقتة لا يبدو أنها جادة فى معالجة الأزمات التى نشهدها اليوم، وفشلت تماما فى السيطرة على النزاعات الحالية وما أفضت إليه من أزمات اقتصادية واجتماعية فى ظل الانقسام السياسى.
وأوضح أن أخطر ما يتهدد الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد هو عدم استقرار معدلات إنتاج النفط الخام، حيث تراجعت مستويات الإنتاج إلى أقل من 700 ألف برميل فى اليوم بعد أن وصل معدل الإنتاج إلى مليون برميل يوميا بسبب إقفال عدد من الحقول النفطية، مما يعرض كل ما تم اقتراحه من حلول وسياسات اقتصادية لمزيد من التأخير خصوصا في ظل العجز الكبير في الميزانية العامة للدولة.
واعتبر أبوسنينة أن استحقاقات المرحلة المقبلة التى ستواجهها السلطات الجديدة للبلاد هى التى ستشكل التحدى الحقيقي، حيث أنها لن تكون مجرد نزهة بل ستكون محرقة بكل المقاييس، مشيرا إلى أن التركة ستكون مثقلة بالالتزامات والذى سيتولى المسؤولية سيجد خزانة الدولة فارغة إلا من سندات الدين العام، إضافة إلى أن الاقتصاد الوطنى لن يتحمل المزيد من الأزمات، لذا فإن المهمة ستكون صعبة جدا ولكنها في نفس الوقت ليست مستحيلة.
وأشار المستشار الاقتصادي إلى أن أبرز التحديات التى ستواجه الاقتصاد الليبيي مستقبلاً هي مشكلة الديْن العام واجب السداد والذي وصل إلى 70 مليار دينار، إضافة إلى ديون الشركات الأجنبية المنفذة لمشروعات التنمية المتوقفة حالياً بحوالى 70 مليار دولار أي ما يعادل 100 مليار دينار بسعر الصرف الحالي والتي يحتاج سدادها إلى إنتاج نفط لمدة أربع سنوات متتالية، أما الالتزامات التى ستواجهها الحكومة فى إطار تنفيذ الميزانية العامة للدولة والتى تقدر بحوالي 40 مليار دينار سنويا وفقا لمعدلات الإنفاق القائمة حاليا فتحتاج إلى حوالى 30 مليار دولار سنويا، كما أن القطاع الخاص يحتاج لموازنات بالنقد الأجنبي لأغراض فتح الاعتمادات والحوالات والبطاقات وغيرها فى حدود 13 مليار دولار سنويا.
وأضاف أنه ومما تقدم يتضح أن الدولة ستواجه عجزا مستمرا ومتناميا لعدة سنوات مقبلة، فى ظل معدلات إنتاج النفط الحالية غير المستقرة وأسعار النفط العالمية المتدنية اليوم ، مادام النفط هو المصدر الوحيد للدخل ، وفى حال الإبقاء على سعر صرف الدينار الليبي المعمول به. حيت يقدر متوسط الإنفاق السنوى بالنقد الأجنبي المتوقع لمواجهة هذه الالتزامات بحوالي 77 مليار دولار سنويا، ويتطلب ذلك إنتاج نفط بمعدل 2.5 مليون برميل يوميا بسعر لا يقل عن 85 دولار للبرميل.
وحذّر أبوسنينة من أن الوضع خطير جدا ولا يحتمل الانتظار أو التأخير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مبينا أنه على السلطات الحالية اتخاذ إجراءات عاجلة من بينها توحيد جهة الإنفاق العام بحيث تكون من مسئولية وزارة المالية التى تتلقى الإيرادات النفطية وتدير حساباتها، والتوقف عن ترتيب الدين العام خارج الميزانية العامة الموحدة للدولة، وتوحيد مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزى، وتبنّي الإطار العام لحزمة السياسات الاقتصادية التى وضعها فريق الخبراء، إضافة إلى توحيد مصادر النقد الأجنبي.
واختتم أبوسنينة منشوره بالحديث عن المرحلة الانتقالية الجديدة، مؤكدا على أنه يجب على الحكومة المقبلة تبنى رؤية محددة للاقتصاد الوطنى تتمحور حول تنويع الاقتصاد وخلق مصادر جديدة للدخل، وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني بحيث يكون للقطاع الخاص دور رئيسي، إضافة إلى مراجعة بعض القوانين والتشريعات النافذة وإصدار قوانين تتناسب مع استحقاقات المرحلة وتحدياتها، ووضع أولويات للعمل من خلال إعادة بناء مؤسسات الدولة وتفعيل دورها والبدء فى بناء شبكة للحماية الاجتماعية.
ولاقى منشور الدكتور “محمد أبوسنينة” إعجاب أكثر من 360 شخص وتمّت مشاركته 197 مرة، إضافة إلى أكثر من مئة شخص تفاعلوا مع المنشور وعلقوا على هذا “البوست”.
وقال الخبير المالي “سليمان الشحومي” معلقا على البوست : “عندما يكتب الأستاذ أبوسنينة ، يشخص ويحلل كأستاذ للاقتصاد وكقامة هامة في الاقتصاد الليبي ، ليس لنا إلا أن نقرأ ونتمعن فيما يكتب”، وأضاف : “طرح شامل وجامع لواقع صعب جدا ولحمل ثقيل لمن يستعدون لتبوء صدارة المشهد في قادم الأيام”.
بدوره أثنى خبير التخطيط الاستراتيجي والتنمية البشرية “رمضان السنوسي بلحاج” على المنشور، وأشار في معرض رده إلى أنه “كان يمكن تدارك كل هذه التداعيات لو استمع المسئولون للنصائح التي أسديت لهم مبكرا مطلع عام 2012، حيث كان هناك استشراف لما ستؤول إليه الأمور”.
فيما أثني الإعلامي المتخصص في الشأن الاقتصادي “أحمد السنوسي” على المنشور، معتبرا ما جاء فيه من حقائق ورؤية مستقبلية لحال الاقتصاد الليبي مرعبة للأسف، ورد الدكتور “أبوسنينة” أن ما ذكر يحكي عن الواقع الاقتصادي بكل تجرد.
أما الأستاذ “مختار الجديد” فأبدى تعجبه من إصرار المصرف المركزي على عدم تعديل سعر الصرف رغم كل ما ذكر بالمنشور قائلا : “مع كل ذلك ولازلتم تصرون على بيع الدولار بـ 1.40 دينار!” ، وكان رد الدكتور أبوسنينة أنه إذا عرف السبب بطل العجب، وأضاف علينا أن لا ننظر إلى نصف الكوب فقط لكي لا تغيب عنا نصف الحقيقة.
من جانبه علق رجل الأعمال “حسني بي” على المنشور بالقول إن “97% من ميزانية ليبيا هي دولارات مصدرها بيع النفط ومخصصات من الاحتياطيات بالنقد الأجنبي، لذا فإن تغيير سعر الصرف يعالج كل المشاكل من العجز بالميزانية ونقص السيولة ويعالج مطلب مصرف ليبيا بتقليص الإنفاق وترشيده فيما لو اقترن تغيير الصرف باستبدال الدعم نقدا”.
وأضاف “حسني بي” أنه “بالإمكان القيام بالتنمية من خلال البلديات كما أنه يتوجب تنفيذ القانون التجاري والذي تنص أحكامه على أن الشركات لها شخصية اعتبارية منفصلة عن مالكيها حتى وإن ملكت من الخزانة العامة، كما أبدى اعتراضه على ما ذكر بخصوص الالتزامات الليبية لشركات أجنبية، مؤكدا أن هذا الأمر يعالج وفقا للتعاقد والقانون الليبي والقانون الدولي والعرف، وأنه لا يوجد أي التزام على ليبيا بل يوجد حق لليبيا بطلب التنفيذ وإكمال المشاريع و إذا تعذر من حق ليبيا مقاضاة الشركات بعدم الوفاء.
ورد “أبوسنينة” على ما جاء في التعليق بالقول إن “البوست” تضمن كل المقترحات التي أوردها “حسني بي” في تعليقه، بل أنه تطرق إلى أبعد من ذلك وهو استشراف مستقبل الاقتصاد الليبي وبناء الدولة، ومقترحات بكيفية الخروج من حالة الجمود السياسي والاقتصادي من خلال توحيد جهة الإنفاق والصرف وتوحيد مجلس إدارة المصرف المركزي المعني بمعالجة موضوع سعر الصرف، مؤكدا أن هناك عقبات تقف أمام تنفيذ السياسات المباشرة فى ظل غياب الدولة الراتبة والمؤسسات الموحدة والانقسام السياسي القائم حاليا.