أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا “غسّان سلامة” أن استمرار الوضع الحالي في ليبيا سيصل بالبلاد لحالة الإفلاس في أقلّ من 18 شهرا، مشيرا إلى أن النهب والفساد في ليبيا بلغ أقصى مستواه ممّا خلق أثرياء جددا كلّ يوم، في حين أصاب التفقير الطبقة الوسطى في الصميم.
وقال “سلامة” في تصريحات نشرتها صحيفة “ليدرز” التونسية يوم الثلاثاء إنه وبعد سقوط نظام القذافي قامت منظومة اقتصادية تعتمد على الاستيلاء على مقدّرات البلد ونهب موارده المالية، ممّا أدّى إلى بروز طبقة سياسية تدعم هذا النهب وليس لها أيةّ مصلحة في أن يتغيّر هذا الوضع وهم أولئك الذين يمكن أن نطلق عليهم “حزب الوضع القائم” والذي يضمّ سياسيين ومجموعات المسلّحة ومتعاطي التجارة غير الشرعية وأفراد العصابات الإجرامية الذين يتعاونون مع بعضهم البعض كلّ يوم لنهب بلادهم إلى آخر حدّ، هؤلاء هم من يمثلون العقبة الأساسية أمام تسوية الأزمة الليبية.
وأضاف المبعوث الأممي أن الحالة الليبية لا تشبه أي حالة أخرى في العالم، حيث بلغ النهب في ليبيا أقصى مستواه، ممّا جعله يخلق أثرياء جددا كلّ يوم، في حين أصاب “التفقير” الطبقة الوسطى في الصميم، منوها إلى أن مستوى عيش مجمل الليبيين ينحدر بنسق سريع للغاية، في الوقت الذي تتجمّع فيه الثروات المكتسبة في غالب الأحيان بطرق غير مشروعة بين أيادي أناس تختلف أدوارهم من عصابات وسياسيين ومنحرفين، و”إذا ما استمرّ هذا الوضع ستكون ليبيا في حالة إفلاس مالي في أقلّ من 18 شهرا”.
وأشار “سلامة” إلى أن دخل الفرد السنوي في ليبيا قبـل 2011 كان يناهز 11 ألف دولارا مما يضعها ضمن الدول المتوسطة في العالم التي يبلغ فيها الدخل الفردي مستوى عاليا نسبيّا، لذلك فإنه حتى قانونا من الصعب على المنظّمات الدوليّة أن تقدّم مساعدات لبلد ينتج يوميا مليون ونصف المليون برميل من النفط، وأضاف “يقول الليبيون أحيانا نحـن لا نحتاج إلى مساعدات، لقد كنّا نساعد بلدانا إفريقية بالمال وبالاستثمارات، وأنا أحترم هذه النخوة”.
وتابع قائلا : لكن لسوء الحظّ التسارع في عملية تفقير الطبقة المتوسّطة يجعل ليبيا في حاجة إلى مساعـدات، لذلك أسّست البعثة الدولية قبل عام صندوقا للاستقرار يشارك فيه عـدد من الدول القـادرة، وأحاول مضـاعفة رأس ماله حاليا لمساعدة المحتاجين، خصوصا وأن عائدات النفط تكفي فقط لدفع رواتب موظفي الدولة الليبية بسبب تكاثرهم غير الطبيعي بل السرطاني خلال السنـوات الستّ الماضية وبالتالي لا تتضمّن الميزانية أي شيء للاستثمارات أو لصيانة المستشفيات أو المدارس.
ونوّه “سلامة” إلى أن بعثة الأمم المتحدة تعمل حاليا من خلال صندوق الاستقرار على معالجة بعض الحـالات، حيث تقوم بصيانة مدارس في بنغازي وككلة وتاورغاء، كما تعمل على تجديد أقسام غسيل الكلى في كل مستشفيات ليببا وتحسين وضع السجون والسجناء، مشيرا إلى أن كلّ منظّمات الأمم المتحدة تعمل في مجالات اختصاصها في ليبيا، والغريب في الأمر هو أن تضطرّ تلك المنظّمات إلى أن تأتي بأموال خارجية لمعالجة الحالة الإنسانية في بلد ينتج أكثر من مليون برميل من النفط يوميا.
وحول أزمة الشرعية وانقسام المؤسسات في البلاد؛ قال “سلامة” : “لو عدتُ إلى دراساتي القانونية في مطلع شبابي وطبّقتها في ليبيا يمكن لي أن أنكر شرعية كل الأجسام الموجودة في البلد حاليا، إمّا لانقضاء مدّتها أو بسبب طريقة اختيارها”، وأضاف أن اللعب على الشرعية الحقوقية أمر سهل ولكن لا يؤدّي إلى نتيجة، ولا حلّ في ليبيا إِلَّا بعودة الفكرة الوطنية القائمة على أنّ الافتراق أغلى ثمنا من التقارب، والخطر في ليبيا ليس من التقسيم وإنّما التشرذم، ففي ليبيا كأنّ شيئا انفجر بذاته وتشظّى إلى ألف قطعة، وبإمكانك اليوم أن تشاهد في ليبيا هويّات محليّة تتنافس فقط على المكاسب.
وعن الاتفاق السياسي أكد سلامة أن كل عنصر من عناصر الاتفاق له هدف محدد به وليس مشروطا بالأهداف الأخرى، فنحن نحضر لانتخابات نيابية وبلدية ورئاسية في ليبيا بغضّ النظر عمّا يحصل في الاتفاق على تعديل الاتفاق السياسي التي هدفها فقط إنتاج سلطة مؤقتة حتى الانتخابات، مشيرا إلى أنه حتى لو لم يتفق الليبيون على إنتاج سلطة مؤقتة غير السلطة التي لديهم حاليا فلن نتوقف عند هذا الحد، وسنتجاوز الأمر ونذهب باتجاه مؤتمر المصالحة الوطنية الشامل الذي سيجمع كل فئات الشعب الليبي بشرط أن يكون الممثل فيه هو شخص يؤيد الحل السياسي ولا يؤيد الحل العسكري.