Skip to main content
الشركات العامة والخاصة تخلط بين العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية
|

الشركات العامة والخاصة تخلط بين العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية

على الرغم من انتشار عدد لا بأس به من شركات القطاع الخاص وبالأخص في المجال الخدمي، واتساع رقعة خدماتها وتنوعها في مختلف المجالات، كشركات السفر و السياحة وشركات العقارات وشركات الاتصالات وتحويل الأموال وشركات الشحن وغيره والتي فاقت في عددها وتنوع خدماتها شركات الصناعات والمواد السلعية، إلا أن عجلة المسؤولية الاجتماعية لهذا القطاع ما زالت بطيئة ولا تساير حجم نمو نشاطه وأرباحه الطائلة.

ونعزو محدودية دور الشركات بالقطاع العام والخاص على السواء إلى أسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها ضعف الوعي إن لم يكن غيابه لدى الكثير من الشركات بالمسؤولية الاجتماعية، والخلط بينها وبين العمل الخيري.

وبالمجمل نعتقد أن معظم الشركات لا تعي مفهوم المسؤولية الاجتماعية بمعناها الواسع، وأنها تشمل جوانب كثيرة منها الالتزام بالأنظمة والقوانين المتبعة، والنواحي الصحية والبيئية، ومراعاة حقوق الإنسان وبالأخص حقوق العاملين، وتطوير المجتمع المحلي، والالتزام بالمنافسة العادلة، والبعد عن الاحتكار، وإرضاء المستهلك.

وللأسف مازال المستثمر الليبي وأغلب رجال الأعمال وأصحاب شركات القطاع الخاص في حاجة إلى سنوات لنشر الوعي بالمسؤولية الاجتماعية في وسط المال والأعمال، رغم أنه من المتعارف عليه دوليا أن الشركات التي تريد التوسع في نشاطها لابد أن تتبنى برامج متعلقة بالمسؤولية الاجتماعية، أسوة بما هو سائد في الدول المتقدمة.

وكثيرا ما يطالب الخبراء الشركات بتبني برامج عمل محددة في مجال المسؤولية الاجتماعية يمكن تقييمها وقياس مردودها، وهو وعي غير متوفر لدي أغلب رجال الأعمال وأصحاب الشركات بالقطاع الخاص، حيث يصر السواد الأعظم منهم على قيامهم بدور لا يمكن إنكاره في هذا المجال، ولكن المشكلة في تجاهل الإعلام وعدم تسليطه الضوء على هذا النشاط الخيري.

وهنا تكمن المشكلة سواء على مستوى مختلف قنوات ووسائل الإعلام أو في وسط المال والأعمال، حيث تفتقر لمفردات الوعي بالمسؤولية الاجتماعية إلى حد التفريق بينها وبين ممارسات أخرى كالعمل الخيري والإنساني.

وما هو حاصل في القطاع الخاص ينطبق على شركات القطاع العام، إذ لا زالت معظم الشركات تنفق على مبادرات مسؤولياتها الاجتماعية من بند العلاقات العامة، غير مدركين أن عائد المسؤولية يقتضي مدى طويل ومردوده ليس بالسريع، وهذا بدوره جعل من الشركات لا تعتنق مفهوم المسؤولية الاجتماعية من منطلق معدل للربحية الذي لا وجود له في الشركات التي ليس لديها برامج في المسؤولية، ولا وجود لأي أولويات تتحقق على الأرض.

وأسباب عديدة تعوق انتشار المسؤولية الاجتماعية، منها قلة الخبرات والمعرفة والقدرة على وضع المقاييس والمعايير لقياس المجهودات، فهناك الآن خلط بين الأعمال الخيرية والمسؤولية الاجتماعية، ولو أن كل شركة تخصص جزءا بسيطا ولو حتى 1% من أرباحها لخلق برنامج لخدمة المجتمع قابل للقياس والتقييم، مع التزام كامل بكل ما يخص أمن وسلم المجتمع، والبعد عن الفساد المالي والإداري والأخلاقي، إلى غير ذلك من العوامل التي يرتبط بعضها ببعض وتشكل في مجموعها الأساس للمسؤولية الاجتماعية للشركات.

وللأسف كثيرون لا يدركون أن الإحصاءات الدولية تشير إلى أن 86% من المستهلكين يفضلون الشراء من الشركات التي لديها دور في خدمة المجتمع، وأن 70% يرون أن المسؤولية الاجتماعية لها دور مهم جدا، و64% يشجعون فكرة أن تكون المسؤولية الاجتماعية للشركات من معايير تقييم مستوى الاداء، وعند حصر الشركات بالقطاع الخاص نجد أن العدد الكبير لا يقدم أي دعم مجتمعي يذكر، بسبب جهل أصحابها بهذا المفهوم، وارتباط هذا الجهل بغياب ثقافة العطاء للتنمية، واقتصار نشاطاتهم على الأعمال الخيرية.

ولو ركزنا مؤخرا على النشاطات المجتمعية لشركة ليبيانا مثلا ومن خلال ما تقدمه من تمويل لبعض مؤسسات المجتمع المدني يتضح فعليا بما لا يدع مجالا لشك من قصور الفهم الصحيح للمسؤولية الاجتماعية، ورغم أنها جهود مشكورة إلا أن اقتصارها على النشاط الخيري الوقتي أدى إلى خلق هذه الفجوة، فدعم أعمال الخير وأن كان مطلوبا وصحيّا في أي مجتمع كإفطار الصائم والسلة الرمضانية والحقيبة المدرسية وغيره دون التطرق إلى تغيير المستوى المعيشي بشكل جذري ومستدام، لن يترك بصماته في المجتمع بل سيساهم في نشر ثقافة الاستهلاك والاتكالية والبطالة ومزيدا من الأمراض الاجتماعية، دون المساهمة بشكل فاعل في تطوير السياسات والاستراتيجيات المرتبطة بها وفقا للنماذج العالمية وظروف مجتمعنا، في ظل عدم تحفيز الشركات لتعزيز دورها في المسؤولية الاجتماعية بشكلها الصحيح، كونها أعمق من أن تكون تبرعات فقط، وضرورة أن يكون لها دور وتأثير استراتيجي وعلاقة مباشرة ببرامج التنمية المستدامة، من خلال الالتزام المتواصل من قبل الشركات من خلال دورها في النمو الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي للمواطن من ذوي الدخل المحدود.

وفي هذا الصدد نؤكد على أهمية دور الإعلام في إبراز نشاطات الشركات التى تعمل على تأسيس مبادرات تحمل في خططها هدف المسؤولية الاجتماعية كون هذه الشركات جزءا لا يتجزأ من مجتمعنا، ولها الحق في أخذ نصيب من التغطية الإعلامية، بحيث يشار إلى نشاطاتها وإسهاماتها الناجحة ذات التأثير الواضح في التنمية المجتمعية.

إن حداثة مفهوم المسؤولية الاجتماعية بالمجتمع الليبي، يجعلنا ندرك أننا نحتاج إلى سنوات لترسيخه كوننا نفتقر لهذا النوع من الثقافة ، وأغلب شركات القطاع العام والخاص دورها محدود في هذا المجال، والذي يقتصر على مبادرات خيرية لا ترقى إلى مستوى قوى تلك الشركات، وعند سؤال أي شركة عن حجم الإنفاق في هذا المجال يرفض الجميع الإفصاح في إصرار عجيب على أن العمل الخيري يجب أن يكون طي الكتمان رغم عتاب أصحاب الشركات ولوم وسائل الإعلام على تقصيرها رغم محاولاتهم لكسب ودهم وإعجابهم، وهو تناقض صريح وازدواجية غير مبررة مع عتاب في غير محله.

فالإنفاق على حفلات باذخة أو مؤتمرات لا تحقق أهدافها أو ورش عمل ليست ذات جدوى تذكر، أكثر من الإنفاق على مشاريع تساهم في التنمية، فأغلب الشركات ورجال الأعمال وكل من هو محسوب على الفعاليات الاقتصادية يجب أن يتوجه نحو دعم تنموي فاعل، في خط متوازي مع رعاية النشاطات الثقافية والاجتماعية وحملات التوعية، وضمن أولويات واستراتيجيات تخدم مشروعات.

ختاما .. لا نريد أن نقلل من قيمة كل الجهود التي تصب في بوتقة العمل الخيري، والأيادي البيضاء التي كانت خير معين وسند للعديد من العوائل ذات الدخل المحدود، والتي ساندت الدولة الراكدة في ظل حكومات متعاقبة ساهمت في انهيار الاقتصاد الليبي، وأفسدت على المواطن معيشته وحياته بالمجمل، ولن ننكر دور رجال أعمال ساهمت شركاتهم بكل أمانة ومسؤولية، مع غياب واضح لدور المسؤولية الاجتماعية بسبب قصور المنظور الاجتماعي، كأن ينظر إلى تلك المبادرات على إنها إحسان وليست مسؤولية اجتماعية من قبل الشركات، بالإضافة إلى حساسية بعض القطاعات الحكومية في تقبل مثل هذه المبادرات، وحتى رفضها ومحاربتها من منطلق أنها من القطاع الخاص.

ونحن إذ نجتهد في طرح هذه الفكرة نرجو من جميع مؤسسات القطاع الأهلي من مختلف الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية، أن توحد جهودها نحو تأسيس أرضية صلبة للمسؤولية الاجتماعية، وأن يكون سعيها الحثيث في اتجاه مشروعات مستدامة تبدأ بمبادرات صغيرة، حتما ستكبر وتنجح مع رعايتها وإنمائها، بعيدا عن الاحتفاليات المستهلكة والمهرجانات الخطابية وورش استعراض عضلات التدريب وعرض المعلومات التي سقطت بالتقادم، مع الحرص على الظهور الإعلامي، مع انعدام كلي لمبدأ الشفافية مع وسائل الإعلام للقيام بمسؤولياتها تجاه هذه الشركة أو لا، وذلك من خلال توضيح آلية عملها في المسؤولية الاجتماعية، من خلال إصدار تقارير سنوية والتي توضح بشفافية هذه الآلية.

وهذا لن يتحقق إلا بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص وتفعيل الشراكة بين الطرفين، فالحكومات في الغالب تعجز وبالأخص في الأزمات عن بلورة خطط للتنمية، ولكنها تستطيع إجبار القطاع الخاص على تبني برامج المسؤولية، من خلال اشتراطها غلى الشركات التي تتقدم للعطاءات والعقود والمناقصات أن يكون لديها برامج تنموية من منطلق مسؤوليتها الاجتماعية حيال المجتمع.

كوثر الفرجاني – أخصائية معلومات بمركز الدراسات الاجتماعية

مشاركة الخبر