عين على الوطن .. المعونات والمساعدات الإنسانية بوزارة الشؤون الاجتماعية تحت المجهر الشعبي
كتبت : كوثر الفرجاني – مركز الدراسات الاجتماعية
لقي إحداث صندوق الإنماء الاقتصادي الاجتماعي ومنذ إقراره والبدء فيما عرف بالمسح الاجتماعي الاقتصادي سنة 2009، والذي انطلقت معه عمليات المسح والإحصاء الذي قامت به لجان وفرق البحث الاجتماعي في مختلف ما كان يعرف وقتها ب(الشعبيات)، لقي أصداء طيبة، وترحيبا شعبيا نظر إليها على أنها مكرمة من مكرمات النظام السابق.
وجاء هذا الترحيب من منطلق التوقعات بأن هذا الصندوق سيساهم إلى حد ما في رفع مستوى المعيشة لبعض الأسر محدودة الدخل، أو التي صنفت تحت خط الفقر، أو الأسر الليبية التي يقل دخلها الشهري عن 200دينار، حسب إحصاءات ومسوحات المسح الشامل الذي أشرف ووضع منظومته الآلية التي كان فيها قاعدة البيانات لنتائج المسوحات مركز الدراسات الاجتماعية التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية.
وكل ذلك لم يكن إلا محاولات تلفيقية لتغطية ما ظهر خلال تلك الفترة من مظاهر للفقر وتردي الوضع المعيشي لبعض الفئات الاجتماعية، التي كان بالإمكان حصرها وإحصاءها كلا على حدة للحصول على إحصاءات دقيقة لذوي الاستحقاق الفعلي وتحديدا لهذه الفئات التي تعاني فعليا من شح الموارد المالية كالمطلقات والأرامل والليبيات المتزوجات من أجانب، ومُعيلات الأسر تحت أي ظروف، بسبب تراكم ديون الإيجار وتأخر صرف المعاشات الأساسية التي بالكاد تسد الرمق، أو تغطي الحد الأدني من الضروريات اليومية.
المسح الشامل للأسر الليبية كان له أثر عكسي إذ أنه ساهم إلى حد كبير في تحويل عدد كبير من هذا الشعب إلى عاطلين عن العمل، بعد أن وجدوا في الحافظة الاستثمارية مصدر دخل مريح يتوافق وأسعار السلع في تلك المرحلة، يحصل عليها المواطن دون تعب، سواء كان من ذوي الاستحقاق الفعلي أو لم يكن، وهذا فعليا ما حصل، فلم يكن في الحسبان أن تصبح هذه الحافظة وبعد أن وضعت موضع التنفيذ، وبدأت تنزل في حسابات المواطنين موضع جدل ونقاش واعتراض وتقاذف اتهامات بالمحسوبية واللا موضوعية والدقة في تصنيف العائلات المسجلة في قاعدة بيانات منظومة المسح الاجتماعي الأقتصادي الشامل.
فالكثير من أصحاب الدخل المحدود لم يتم استهدافهم وسقطت أسمائهم سهوا وعمدا ولم تشملهم الحافظة الاستثمارية، وهو ما وضع علامة استفهام كبرى على الأداء والآلية التي قرر فيها المستحق من غير المستحق، والنتيجة وبعد إعلان صندوق الإنماء إفلاسه دون ذكر الأسباب نجد أعدادا مهولة من الأسر الليبية كانت هذه الحافظة مصدر دخلها الوحيد، وإلى جانبها طوابير من العاطلين اعتمدوا عليها سنوات كدخل أيضا رغم قدرتهم على الدخول لسوق العمل كقوى عاملة قادرة، حولتهم الحافظة الاستثمارية إلى عاطلين وكسالى، أما من كان لديه نشاط تجاري لم يضره نضوب حافظته الاستثمارية التي تراكمت مع الوقت وكوّن بها رأس مال انعش نشاطه في مجال العمل الحر.
وهنا تظهر علامات الاستفهام، ليس فقط على أداء صندوق الإنماء الاقتصادي الاجتماعي، والمسح الشامل الذي وضع وحدد آلية توزيعه، ومنح معوناته، بل على جميع الآليات التي تستخدم في وزارة الشؤون الاجتماعية لتوزيع معوناتها ومساعداتها الإنسانية، وما هي المعايير التي تعتمدها في التصنيف وكيف تصل معوناتها لمن يستحقها فعلا.
اليوم، ومع تردي الوضع المعيشي والاقتصادي للعديد من العوائل الليبية، وفي ضوء ما عشناه وشهدناه من حقائق وفي أكثر من بلدية، نؤكد أن كثيرين ممن يحصلون على هذه المعونات هم من غير المحتاجين، بل أن جلهم موسرين، من منطلق مبدأ (البحر يحب الزيادة)، في حين يبقى الذي يستحق الإعانة بالفعل ، ولاسيما الأرامل والسيدات معيلات الأسر مع اختلاف ظروفهن يندبون حظهنّ الذي يوقعهنّ دوما أمام لجان تحكمت بها الأهواء والتحيز الجهوي، والنظرة المناطقية القاصرة، إضافة إلى القراءات الخاطئة لواقع الفقر.
وينطبق كل هذا على المعونة السنوية التي تقدمها إدارة الكوارث والمساعدات الإنسانية بوزارة الشؤون الاجتماعية، والتي يشفط أكثر من ثلاثة أرباعها موظفي الوزارة بلا خجل أو حياء، ولا تمر سنة إلا ونجد قوائم بأسماء موظفي وزارة الشؤون الاجتماعية بقضهم وقضيضهم من متسولي المعونات دون معيار ثابت لمنحهم هذه الإعانات والمساعدات، ويتكرر الأمر في مسوحات فروع الشؤون الاجتماعية بالبلديات، لتذهب معونات الوزارة لغير مستحقيها، ويبقى ذلك الذي تعفف ولا يسأل الناس إلحافا محروما منها، لتتكرر سيناريوهات المسح الشامل وصندوق الإنماء، وهو صندوق سيادي أعلن إفلاسه فجأة دون إبداء أي مبررات أو أسباب.
ختاما .. نجد لزاما على وزارة الشؤون الاجتماعية وإدارتها وفروعها بالبلديات ولجانها وفرقها البحثية إيجاد إجابة على سيل الأسئلة التي تداولها كافة القطاعات المحلية وبالأخص الإعلامية، وتوضيح المعايير المعتمدة، ووضع ضوابط لتصحيح مسار خاطئ وتقييم الوضع الحالي لآليات توزيع الإعانات والمساعدات وتقويم ما انحرف وما ألتبس فيها وإنصاف الكثير من العائلات الأكثر احتياجا، والأولى استحقاقا لهذه المعونات، في ظل ظهور فئات اجتماعية لم تكن معروفة سابقا بالمجتمع الليبي كالمهجر والنازح، وهم الأحوج لبدل الإيجار والمعونات العينية والنقدية للتخفيف من معاناتهم نتيجة وضع النزوح والظرف الإنساني، هذه المعونات والمساعدات التي باتت الآن تحت المجهر الشعبي الذي نعرف أنه يرى الأشياء بشكل أوضح وأصدق .. وربما أكبر.!!