Skip to main content
العملة الرقمية : بيتكوين وبناتها .. ما هي وما مستقبلها؟
|

العملة الرقمية : بيتكوين وبناتها .. ما هي وما مستقبلها؟

كتب : د.محسن الدريجة

هل سألت نفسك مرة ما قيمة الاوراق النقدية التي في جيبك؟ لماذا تحملها؟ ولماذا تهمك؟ هل تساءلت مرة لماذا عندما تتغير العملة وتسحب من التداول لتحل محلها أخرى تفقد قيمتها ولا يرغبها أحد؟

العملات جاءت كوسيلة بديلة للمقايضة، فبدأت كذهب وفضة وأحجار ثمينة لأنها سهلة الحمل وقيمتها عالية ويمكن مقابل قطع صغيرة استبدالها بأشياء كثيرة، ومع نمو الاقتصاد تحولت العملة إلى ورقة تصدرها المصارف المركزية بقيمة اسمية، عشرة دنانير، خمسة دنانير، أو دولار امريكي أو ين ياباني أو يوان صيني أو غيرها من العملات ومن خلال هذه العملات يمكن شراء ما ترغبه من هذه الدول وتغيير عملتك بعملة الدولة التي تريد الشراء منها لشراء إنتاجها.

ولكن العملة يمكن النظر إليها على أنها سلعة وليس فقط كوسيط للتبادل التجاري والخدمي، أي أن العملات تشرى وتباع ويحدد قيمتها العرض والطلب، والدول التي لديها الكثير من المنتجات المرغوبة حول العالم تجد عملتها مطلوبة في دول أخرى، وكلما زاد الطلب على العملة كلما زاد سعر صرفها، والعملة التي ينقص الطلب عليها ينخفض سعر صرفها تماماً كما حدث للدينار الليبي بعد انخفاض إنتاج النفط ونقص المبالغ المتوفرة من العملة الصعبة بينما زادت الكمية المتوفرة من الدينار الليبي.

العملات أيضاً تستعمل كوسيلة للادخار فتودع في المصارف أو تستثمر، للمحافظة على قيمتها مع مرور الزمن ولاستعمالها لاحقاً عند الحاجة لها.

إذاً، ما الذي يجعلنا نحمل ورق ليس له أي قيمة عينية مثل الذهب والفضة وقيمتها أسمية تحددها الأرقام المكتوبة عليها؟

إنها الثقة المشتركة بين المتعاملين، أولاً، ووجود مصارف مركزية لديها احتياطات من ذهب وعملات أخرى تتدخل لحماية قيمتها في حدود قدرتها على ذلك، ثانياً. وعندما تفقد الثقة ولا يستطيع المصرف المركزي الذي أصدر العملة استرداد ثقة الناس فيها تتدهور قيمة العملة والأمثلة على هذا كثيرة.

العملة الرقمية الأولى “بيتكوين” :

العملة الرقمية “بيتكوين” استعملت شفرة رقمية لا يمكن نسخها أو تعديلها أو التلاعب بها، تحفظ التعاملات بها في سجل الكتروني يسمى بلوك تشين غير قابل للتعديل، والشخص الذي ابتكر البيتكوين استخدم الاسم المستعار Satoshi Nakamoto ولا يعرف من هو، وربما يكون من ابتكرها أشخاص وليس شخص واحد.

التعامل بالبيتكوين يتم بين شخص وأخر، فلا يوجد وسيط، وأساس التعامل هو الثقة، ولضمان الثقة فكل عملية لابد أن يتم التأكد من إنجازها وتسجل في سجل عام يسمى بلوك تشين Blockchain.

كل ما تحتاجه للتعامل بالبيتكوين هو محفظة خاصة يتم إنزالها من الانترنت ومنها يتم إرسال أي قيمة مباشرة لشخص آخر في أي مكان في العالم، فعند الإرسال تنتقل الشفرة الالكترونية من محفظة الشخص المرسل إلى الشخص المرسل إليه وتمر بعملية تحقق الكترونية معقدة وتنتهي بتسجيلها في السجل الالكتروني بلوك تشين.

من أين تأتي البيتكوين؟

من صاغ البروتوكول الذي يصدر هذه العملة الرقمية ربط الحصول عليها بتوفير القدرة الحاسوبية لإتمام عمليات التحقق والتوثيق، وتسمي هذه بعمليات التعدين، وكأنها عملية بحث عن معدن ثمين في منجم تتم باستخدام أجهزة حاسوب مربوطة بشبكة الإنترنت، تقوم بالتحقق من إتمام عمليات الدفع وتسجيلها من خلال برامج خاصة.

ولكي يعطي العملة خاصية الندرة التي تجعلها مرغوبة أكثر، حدد العدد الإجمالي من البيتكون ب 21 مليون وحدة، بدأت ب 50 بيتكوين لكل جزء ينجز من السجل وانخفضت بمقدار النصف ل 25 بعد أربعة سنوات، واستمرت في الانخفاض بمقدار النصف كل 4 سنوات، وحالياً هناك 16،760،000 بيتكون متاحة للتداول وتزداد كل يوم ولكن بأعداد متناقصة ويتوقع أن يستمر إصدارها لمدة 100 عام أخرى أو أكثر قليلاً عندما يصل العدد إلى 21 مليون.

إذاً في الحقيقة البيتكوين هي عملة رقمية تدفع مقابل توفير قدرة حاسوبية لإنجاز أعمال تسجيل وتوثيق تضمن أن المتعاملين بالعملة يلتزمون بقواعد التعامل والتأكد من عدم حدوث تزوير وتلاعب، في البداية كان يمكن استخدام حاسوب شخصي بمواصفات جيدة ليقوم بعملية التعدين ولكن مع انتشار استخدام البيتكوين وازدياد الحاجة لعمليات توثيق وتسجيل المعاملات أصبحت عملية التعدين تتم من خلال شبكات من أجهزة الحاسوب الفائقة القدرة.

لماذا انتشرت البيتكوين؟

في البداية كان الاستعمال محدود وفي إطار معاملات الإنترنت، خاصة في ما يعرف بالانترنت العميقة التي تتم فيها عمليات مخالفة للقانون تشمل بيع سلع مسروقة وممنوعات، حيث توفر الانترنت القدرة على السداد دون استخدام وسائل الدفع الالكتروني المتوفرة من المصارف التي يسهل متابعة أصحابها، ولكنها أيضاً وجدت مستخدمين رغبوا في الخروج عن سيطرة النظام المصرفي وفضلوا التعامل المباشر بين أشخاص دون مصارف وسيطة.

ومؤخراً جذبت أعداداً كبيرة من المستخدمين الذين استبدلوها بعملات تقليدية مثل الدولار واليورو والاسترليني لغرض المضاربة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كبير في سعرها وفتح التعامل بها في بعض الأسواق المالية، وهناك حتى آلات سحب تتعامل بالبيتكوين في كبرى مدن العالم.

لقد وصلت قيمة ال 16 مليون بيتكون التي تم إصدارها إلى أكثر من 320 مليار دولار منذ 10 أيام، ولكنها انخفضت بحدة خلال 10 أيام من حوالي 20،000 دولار إلى 12،500 دولار، وصعدت اليوم إلى 15،000 دولار، هذا التأرجح في الأسعار يعكس المضاربة التي تحدث الآن.

ولكن ماهو مستقبل البيتكوين؟ وهل هي العملة الرقمية الوحيدة؟

البيتكوين هي العملة الرقمية الأولى وكسبت ثقة وسمعة يصعب مضاهاتها، ولكنها ليست الوحيدة، فنظرياً لا يوجد ما يمنع ظهور عدد لا محدود من العملات الرقمية، الأمر الذي سيدفع كثير من الدول إلى التعاون لضبطها، وما ظهور الأسواق الرسمية العلنية لتداولها إلا خطوة نحو ذلك، خاصة عندما يصبح الملاك معروفين.

ولكن العملة الرقمية ما هي إلا تطبيق واحد من تطبيقات السجلات الالكترونية الآمنة تشين بلوك. هناك نظام آخر ظهر منذ عامين يدعى إيثيريوم Ethereum يستعمل البلوك تشين لتوثيق أشياء كثيرة مثل عمليات بيع وشراء العقارات، والشهادات بمختلف أنواعها، والسجلات من اي نوع بطريقة آمنة وغير قابلة للتزوير والتعديل.

ومقابل تقديم القدرة الحاسوبية لإدارة هذه السجلات وتوثيقها، يدفع ايثير وهي عملة رقمية عند الانتهاء من عدد من العمليات مقابل الخدمة، الفرق بين نظام إيثير ونظام بيتكوين هو أن نظام بيتكوين يستخدم السجل الرقمي لإصدار عملة تستخدم للتداول المباشر بدون وسطاء وبدون مصارف مركزية، بينما نظام إيثيريوم يقدم خدمات توثيق ويدفع مقابلها بعملته إيثير. وهناك أنظمة أخرى كثيرة.

البيتكوين أثارت اهتمام عامة الناس بعد أن قضت سنين تتداول في الانترنت العميقة بين عدد محدود من الناس وأصبحت العملة الرقمية الأكثر شهرة، ولكن في غياب آليات تضبط إصدار العملات الرقمية، لا يوجد ما يمنع انتشار عملات أخرى إذا ما توفرت القدرات الفنية على إصدارها واستطاعت كسب ثقة المستخدمين، وفي هذا يكمن احتمال تراجع قيمة البيتكوين مستقبلاً.

في الوقت الحالي ستستمر المضاربة في أسواق البيتكوين إلى أن يتبين أن ندرتها ليست بالقدر الذي يراه كثيرون، وأن هناك بدائل كثيرة تقدم خدمات الدفع المباشر وخدمات أخرى ربما في نفس درجة الأهمية أو أكثر.

 

مشاركة الخبر