في ظل ازمة اقتصادية عصفت بالبلاد بدأت اولى ارهاصاتها سنة 2012 عندما فُتحت خزائن البلاد على مصراعيها للصرف دون خطط مدروسة على اصعدة عديدة وملفات كثيرة وسط تجاهل النداءات التي أطلقها مصرف ليبيا المركزي بأن الوضع لن يدوم وان الخطر قادم على الوضع الاقتصادي الليبي
مضت السنون تجر ورائها الواقع الأسود الذي حل على المواطن الليبي ولا زال يخيم عليه حتي الان ولعل سنة 2014 هي التي أيقظت الليبيين من الحلم الوردي الذي عاشوه في الأعوام 2012 ، 2013 ، 2014 عندما اخذ الصراع السياسي منحني أشد بؤساً عندما إمتد ليقطع المصدر الوحيد لدخل ليبيا ذات الاقتصاد الريعي والقوت الوحيد لشعبه الذي يعتمد على دخل القطاع الحكومي، واستمر قطع امدادات النفط عن التصدير زهاء الثلاث سنوات خسرت فيها ليبيا ما يقارب 160 مليار دولار، وتكبدت فيها المنشآت النفطية خسائر فادحة نتيجة حروب دارت للسيطرة عليها وفق ما أفادت به المؤسسة الوطنية للنفط في كثير من بياناتها
فصل اخر عزز الازمة الاقتصادية وقتها وهو انقسام المؤسسة المصرفية المركزية في البلاد الى مصرفين واحدة بقت في مكانها بطرابس بنفس محافظها “الصديق الكبير”، والأخري استقرت بالبيضاء وعُين لها “على الحبري” محافظاً لها ليبق الوضع هكذا حتي عام 2017 التي كانت الاقسي علي الاقتصاد الليبي ودُق فيها ناقوس الخطر كما لم يدق من قبل، وعقدت الندوات واللقاءات والاجتماعات الاقتصادية في تونس وليبيا وتقاطرت الجهود حتي تلم شمل المصرفين المركزيين ومحافظيهما والأعضاء المشتركين بينهما البالغ عددهم 5 أعضاء وقد كانت الأشواط تقطع بشكل ممتاز لرأب الصدع حتي وصلت الى نقطة مسودة في أواخر 2017 عندما رفض الكبير ضمنياً دعوة ” فائز السراج” رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني للاجتماع بين الحبري والكبير من اجل تسوية الخلافات وتوحيد المؤسسة المصرفية ووضع خطط الإصلاح الاقتصادي والنقدي للعبور بالبلاد، وما حملت من مواطنين الى بر الأمان، ولكن هذا الامر لم يتم لاسباب عدة رأى الكبير ان أهمها ضرورة وضع لجنة للتدقيق في معاملات المصرفين بطرابس والبيضاء في بيان اصدره بالخصوص
اعضاء مجلس ادراة مصرف ليبيا المركزي
وراوح كل شي مكانه لفترة مذ ذلك حتي قام مجلس النواب الليبي بتعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي كان الاوفر حظا لشغل المنصب ” محمد الشكري” الذي نال اعلى الأصوات متجاوزا ” على الحبري ” بعدد الأصوات بكثير
محمد الشكري
لم يمضي كثير من الوقت حتي رفض رئيس المجلس الأعلى للدولة ” عبد الرحمن السويحلي ” قرار مجلس النواب، وعلل ذلك بان القرار لم يتم بالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة وفق ” المادة 15 ” من الاتفاق السياسي التي نصت على التشاور في اختيار المناصب القيادية في الوظائف السيادية للدولة وتلاه موقف مشابه من البعثة الأممية وسفير الولايات المتحدة الى ليبيا ” جونثان وينر “
لكن المجلس الأعلى للدولة عاد وأصدر بيانا تضمن دعوة لمجلس النواب لتشكيل لجنة لتعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي، وقد رأه كثير من المحللين استعدادا لقبول قرار مجلس النواب بتعيين ” الشكري” لمنصب المحافظ، وبعدها التقي المبعوث الاممي “غسان سلامة” المحافظ المنتخب من النواب ” محمد الشكري في لقاء لم يعلن عن تفاصيله شيئ، وهو الذي رأه أيضا عدد من المحللين الاقتصاديين بداية لتقبل تعيين الشكري بالمنصب
من هنا اخذنا على عاتقنا تبيان حقيقة المواقف السياسية والاجابة عن التساؤل الأبرز هذه الأيام وهو هل سيمرر قرار مجلس النواب بخصوص منصب المحافظ ويقبله الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق والمحافظين المتصارعين الحبري والكبير ؟
رصدنا موقف المصرف المركزي بالبيضاء حيث كان من أوائل المرحبين بقرار تعيين الشكري محافظاً للمصرف مضيفا انه سيكون يدا داعمة للمحافظ الجديد ليشق طريقه نحو توحيد المؤسسة النقدية ووضع الحلول المناسبة للازمات المالية التي عصفت بالوطن وأثرت على المواطن
بعد قرار النواب اصدر مصرف ليبيا المركزي طرابلس برئاسة “الصديق الكبير” بيانه بالخصوص رفض فيه القرار، وعلل الرفض بمخالفة مجلس النواب للاتفاق السياسي مضيفا ان موقفه ليس تمسكا بوظيفة ولا دفاعا عن موقع لكنه التزام واجب باحترام وتطبيق الوثيقة للمرجعية الأساسية التي تنظم إدارة الدولة
واختتم المصرف بيانه بالتأكيد على تمسكه ببرنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي الذي قال انه سيضمن تقوية الاقتصاد واستعادة العملة الوطنية لقوتها واستقرارها
ومن أجل الوصول الى خيط في هذا التحقيق سألنا الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة مصراته ” مختار الجديد ” الذي رأينا في كثير من منشوراته ما قد يجيب عن تساؤلاتنا وهو المتفائل لتقبل الاعلي للدولة لقرار النواب وتمرير قرار تعيين الشكري وأجابنا عن الأسئلة التالية
س / لماذا سارع المجلس الأعلى للدولة في نظرك الى رفض تعيين المحافظ الجديد ثم ابدى ليونة في التعامل مع اختيار المحافظ الجديد ؟
ج / المجلس الاعلى لم يرفض القرار ، لكن الردود الرافضة كانت من اعضاء في مجلس الاعلى للدولة، وهم لا يملكون حق التعبير عن كامل ارادة المجلس الاعلى للدولة
س / موقف البعثة الأممية بدأ رافضا للقرار بعد ذلك رأينا لقاء بين الشكري وغسان سلامة ما سبب هذا اللقاء والى ماذا يرمي ؟
البعثة الاممية لم ترفض وانما اشارت في رد فعلها انها تُذكر بالاتفاق السياسي وهو الاطار العام المعترف به في ليبيا والمصادق عليه من المجتمع الدولي والامم المتحدة ، والبعثة بموظفيها يتبعون هذه المؤسسات الدولية ولا يستطيعوا الا ان يعملوا في اطار الحدود التي رسمتها لهم، ولم يكن لدي البعثة مشكلة مع شخص المحافظ الجديد ، ولكن تحفظهم كان حول عدم تطبيق نصوص الاتفاق السياسي ، ولقاءهم مع المحافظ الجديد ربما لانهم استشعروا تبدلا في موقف المجلس الاعلى للدولة بعد يوم واحد فقط من تعيين المحافظ الجديد لذلك لم يريدوا أن يقفلوا الباب أمام المحافظ الجديد
س / لماذا انتخب محافظ جديد للمصرف ولم يتم انتخاب نائب للمحافظ وما هو مصير أعضاء مصرف ليبيا المركزي الاخرين بعد هذا الانتخاب ؟
ج / هذا السؤال يفترض توجيهه الى مجلس النواب ، عموما ربما استكثروا علينا الخيرات أن تأتينا من طرفهم دفعة واحدة وهم من عودونا ألا ننتظر منهم الكثير
وأضاف ” الجديد ” امام الظروف التي يعانيها المواطن من ارتفاع الاسعار وازمة المصارف، وامام بقاء محافظ المصرف المركزي الحالي متفرجا يجب أن يمرر قرار المحافظ فالضغط الشعبي كبير بضرورة التغيير والكرة الان في ملعب المجلس الاعلى للدولة، متوقعاً ان يقوم المجلس الاعلى بتطبيق نص المادة 13 من الاتفاق السياسي وسيقوم بالتصويت على اختيار المحافظ الجديد وغالبا سيتم تمرير التعيين من قبل مجلس الاعلى للدولة أيضا
المحطة الثانية كان لابد ان تكون لدي المعني بالملف وهو الطرف الاخر في القضية وهو المجلس الأعلى للدولة وكان لنا لقاء مع عضو المجلس الأعلى للدولة ” عبد القادر الحويلي “
س / ما موقف المجلس الأعلى للدولة من انتخاب مجلس النواب محافظا جديدا لمصرف ليبيا المركزي ؟
ج/ موقف المجلس الأعلى للدولة ان انتخاب محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي هو مخالف للاتفاق السياسي وكان الأولى بمجلس النواب تشكيل لجنة بحسب المادة 15 من الاتفاق السياسي بعدد 5 أعضاء ونحن كمجلس اعلى سنقوم بتشكيل لجنة من 5 أعضاء وسينظر في المناصب السيادية بالكامل لان حل المشكلة الليبية ليس في انتخاب المحافظ فقط فهناك مشكلة الحكومتين في الشرق والغرب، واعتقد ان قرار النواب لا يحل المشكلة بل يزيدها
وأضاف “حويلي ” ان المجلس الأعلى سيشكل لجنة خاصة به للنظر في المناصب السيادية الاجتماع المقبل وبعد ذلك سيطلب من مجلس النواب تشكيل لجنة خاصة به وتطرح الأسماء من جديد بما فيهم محمد شكري لمنصب محافظ المصرف المركزي مضيفا انه المجلس ليس لديه أي اعتراض على الشخصيات فهو يري الليبيين سواسية
س/ بحسب ما التمسته من اراء وتوجهات أعضاء المجلس الأعلى للدولة بخصوص قرار التعيين هل سيمرر قرار تعيين ” محمد الشكري ” كمحافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي ؟
ج/ لن يمرر القرار الا بالاتفاق وجلوس اللجنتين وتقديم السير الذاتية ويتم الانتخاب من جديد
