بالرغم من ان ليبيا لازالت تمر بمرحلة انتقالية ولم تستقر بها الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية حتى يمكن الحديث عن مرحلة مابعد النزاع ووضع تصورات لما يمكن ان تكون عليه الأوضاع وكيفية التعامل معها على ضوء تقويم المرحلة المنصرمة ، إلا ان الظرف الراهن الذي تعيشه البلاد ومع استمرار الانقسام والنزاع يستوجب وقفة لتسليط الضوء على واقع الاقتصاد الليبيى وما شهده من احدات وتطورات كانت ولازالت وراء رسم الصورة المرتبكة للاوضاع الاقتصادية والمالية وما يعانيه الليبيون اليوم نتيجة لمختلف الازمات التى تم رصدها خلال الفترة ؛2011 – 2017 .
عرفت ليبيا مند عام 2011 سبع حكومات متعاقبة أربعة منها حكمت ليبيا باكملها ، وامتدت سلطاتها على كامل الثراب الليبيى وحكومتان كانتا تعملان فى غرب البلاد وتتخد من مدينة طرابلس مقرا لها تقابلها حكومة فى البيضاء مند عام 2014. كما عرفت البلاد سلطتان تشريعيتان منتخبتان، وهما الموءتمر الوطنى العام تم جاء بعده مجلس النواب . وبعد الاتفاق السياسى فى الصخيرات ، صار هناك مجلس اعلى للدولة حل محل الموءتمر الوطنى العام ومجلس للنواب ومجلس رئاسي لحكومة وفاق وطنى . كما تم تأسيس ديوان للمحاسبة ومصرف مركزى فى مدينة البيضاء موازيان لديوان المحاسبة والمصرف المركزى فى طرابلس .. هذا غير المؤسسات السيادية المتوازية الاخرى التى تعرضت للانقسام مثل المؤسسة الليبية للاستثمار والمؤسسية الوطنية للنفط ، بينما ظلت المؤسسة القضاءية واحدة على مستوى ليبيا .
لقد رتب هذا الواقع السياسى والادارى اعباء ًوالتزامات مالية( دين عام محلي ) واستحقاقات ، بما فى ذلك احجام الاستثمارات الأجنبية عن دخول السوق الليبية . وقد ترتيب هذه الأعباء فى اطار ممارسة كل هذه الأجسام والمؤسسات لمهامها ، لاتبات وجودها على الساحة ، وما صاحب ذلك من ازدواجية فى الصرف والتعاقد ، و تعطلت فى ظل الصراع الجارى بين هذه الموسسات مهام تعبئة الإيرادات السيادية ( الضرايب والرسوم الجمركية )غير النفطية والتهرب منها وسوء تقديرها وضياع الكتير منها والتضارب فى التشريعات والقوانين وضياع الكتير من الفرص الاقتصادية على البلاد ، وعدم القدرة على تحديد حساب خاتمى ومركز مالى للدولة لعدة سنوات ،فضلا عن التوسع الكبير فى اعمال ومصروفات السفارات والقنصليات والعاملين بها مما أرهق كاهل الصرف بالنقد الاجنبى ،وزيادة عدد من تم تعينهم بموءسسات ودوائر الدولة فى الوظيفة العامة بدون تنسيق ولا رصد للموارد المالية اللازمة لدفع مرتباتهم ، وزيادة عدد الموفدين للدراسة بالخارج وللعلاج على نفقة الدولة ، وتعطل دور المصارف التجارية في الوساطة المالية والقيام بوظايفها الاساسية ( core business) مما اثر بشكل مباشر وغير مباشر على أوضاعها وعلى اساسات الاقتصاد الكلي وفي مجمل الأوضاع الاقتصادية التى شهدتها البلاد ، بل حالت هذه الأوضاع دون القيام بالكتير مما كان يجب القيام به فى سبيل ادارة الاقتصاد الوطنى على اسس سليمة و إصلاح اوضاع موءسسات الدولة وتدليل المعوقات التى تحول دون قيام القطاع الخاص بدوره المطلوب ، وتخصيص الموارد الاقتصادية بشكل امثل وتطبيق السياسات الاقتصادية اللازمة فى الوقت المناسب , حيت لم يجتمع مجلس ادارة مصرف ليبيا المركزي مند عام 2014 فتعطلت السياسة النقدية اللازمة لعلاج ومواكبة الكثير من المختنقات التى شهدها الاقتصاد الوطني وتوجيهه لتحقيق طموحات المواطنين . ولم تكن هناك سياسة مالية اوسياسة تجارية واضحة المعالم و الاهداف . واذا كان لنا ان نضع النقاط على الحروف ونحدد بالارقام ما تعرض له الاقتصاد الوطنى نتيجة لهذه الأوضاع والتطورات التى شهدتها مختلف المتغيرات الاقتصادية وموءشراتها ، يمكننا سرد الوقائع التالية :
1- قبل أزمة الهلال النفطى بلغ اجمالى ماتم إنفاقه خلال الفترة 211-2014، فى شكل ميزانيات عامة وبرامج انفاق ، بما فى ذلك ماتم إنفاقه خلال فترة المجلس الانتقالى و المكتب التنفيذي ، ما مجموعه 198.4 مليار دينار ، استحوذ عامى 2012 و 2013 على 66.6% من اجمالى الإنفاق خلال تلك الفترة ، بينما بلغ ماتم إنفاقه خلال العام 2014 ؛ 43.864 مليار دينا ر ، اى ما نسبته 22.1%.
2- بلغ مجموع ماتم إنفاقه خلال السنوات 2015 – 2017 ، اثناء فترة الانقسام ، ما مجموعه 98.2 مليار دينار .، باستتناء ما تم إنفاقه من قبل الحكومة الموءقتة الذى يقدر بحوالي 21.648 مليار دينار .
3- بلغ اجمالى الإنفاق العام علَى أبواب الميزانية الأربعة خلال كامل الفترة 2011 – 2017 ; 296.6 مليار دينار ، باستتناء ما تم إنفاقه من قبل الحكومة الموءقتة فى المنطقة الشرقية خلال السنوات 2015 – 2017 ، بينما بلغ اجمالي الإنفاق العام فى مختلف المناطق ، بما فى ذلك انفاق الحكومة الموءقتة ، شرقا وغرباً وجنوباً خلال الفترة 2011 – 2017 ما مجموعه 317.7 مليار دينار ، بلغت نسبة ماتم إنفاقه منها خلال عامى 2012و2013 فقط، قبل انتقال الحكومة الموقتة الى مدينة البيضاء ; 42 % من اجمالى الإنفاق خلال فترة السبع سنوات . هناك من يبرر هذا التوسع فى الإنفاق العام انه تم بذريعة مايعرف بشراء السلام (peace buying) عير ان ذلك لم يتحقق والنزاع لا زال مستمرا .
4- استحوذت الفترة 2012-2013 على جل الإنفاق العام ، وهى الفترة التى رتبت التزامات كبرى على الخزانة العامة وشهدت ارقام فلكية للميزانية العامة للدولة حيت بلغ حجم الإنفاق العام خلال عام 2013 وحده 390 70.3مليار دينار .
5- ارتفع بند المرتبات المدفوعة وما فى حكمها بالميزانية العامة من 14.8 مليار دينار فى عام 2011 إلى 20.293 مليار دينار فى عام 2017 بالاضافة الى مبلغ 5.7 مليار دينار صرفت من قبل الحكومة الموءقتة ليصل اجمالى المرتبات المدفوعة الى حوالى 26.0 مليار دينار بالمقارنة بمبلغ اجمالي وقدره 11.18 مليار دينار اجمالى قيمة المرتبات المدفوعة من الخزانة العامة على مستوى ليبيا فى عام 2010 ، اى ان المرتبات زادت بنسبة 132٪ بالمقارنة بما كانت عليه فى عام 2010 .وكانت المرتبات المدفوعة قد وصلت أقصى قيمة لها فى عام 2013 حيت بلغت 24.465 مليار دينار.، ووفقا للاوضاع الحالية فان بند المرتبات مرشح للزيادة ليصل الى حوالى 28 مليار فى ظل الانقسام السياسى القائم حاليا . وترجع الزيادة فى بند المرتبات الى عاملين رئيسيين ؛ وهما الزيادة التى طرأت على المرتبات الاساسية والعلاوات الممنوحة لموظفي الدولة ومنتسبى موءسسات الدولة وزيادة عدد من تم توظيفهم وصاروا يتقاضون مرتبات من الخزانة العامة فى شرق البلاد وغربها بالرغم من ان عدد الموظفين بالجهاز الادارة بمختلف الموءسسات والوحدات الإدارية الحكومية كان متجاوزاً الإعداد المعيارية التى ينبغى الاكتفاء بها . فقد وصل عدد الموظفين بالجهاز الادارة 1.75 مليون موظف اى ما نسبته 28% من عدد السكان فى حين ينبغى الا تتجاوز هذه النسبة 15 % فى افضل الظروف ، ومعيارياً تكون بين 2.5 الى 3.0% من عدد السكان.
6- بلغ اجمالى الإيرادات الضريبية التى تم توريدها 4.823 مليار دينار خلال الفترة 2011-2017 وبمعدل سنوى لا يتجاوز فى المتوسط 689 مليون دينار بالمقارنة بمبلغ 2.274 مليار دينار قيمة الضرايب التى تم توريدها فى عام 2010 فقط .
7- بلغ اجمالى الإيرادات الجمركية التى تم توريدها 971.7 مليون دينار خلال الفترة 2011- 2017 وبمعدل سنوى لا يتجاوز 138.8مليون دينار فى المتوسط بالمقارنة بمبلغ 1.393 مليار دينار قيمة الرسوم الجمركية التى تم توريدها عام 2010 فقط . بل ان الإيرادات الجمركية التى تم توريدها خلال عام 2015 لم تتجاوز 46.0 مليون دينار فقط . !!!
8- حققت الميزانية العامة للدولة عجزا مستمرا خلال الفترة 2011-2017 باستتناء عام 2012 الذى وصل فيه انتاج النفط الى 1.5 مليون برميل يومياً ، وكان اكبر عجز فى الميزانية العامة للدولة قد تحقق فى عام 2014 حيت وصل العجز 22.32 مليار دينار و بلغت نسبته الى الناتج المحلى الإجمالى 51.9% . وفى عام 2016 عندما تدنت ايرادات النفط الى 6.66 مليار دينار بلغت نسبة العجز فى الميزانية العامة الى الناتج المحلى الإجمالى 97.1% .
9- تجاوز بند المرتبات وما فى حكمها بالميزانية العامة للدولة مند عام 2014 الإيرادات النفطية السنوية ، ومند ذلك التاريخ صار اجمالي ايرادات الميزانية غير كاف لتغطية اجمالي الإنفاق العام ، واستمر هذا الوضع حتى عام 2017 ، بل ان الإيرادات النفطية المتحققة شهريا لم تكن كافية لتغطية قيمة المرتبات الشهرية .
10- بلغ اجمالى ما أنفق على بند الدعم بالميزانية العامة للدولة ( المحروقات والسلع التموينية والكهرباء والادوية والنظافة ) خلال الفترة ما مجموعه 54.8 مليار دينار ، اى ما نسبته 18.5% من اجمالى الإنفاق العام . وقد وصل رقم الدعم أقصى قيمة له فى عام 2014 اذ بلغ 12.4 مليار دينار خلال تلك السنة . ويشكل دعم المحروقات الرقم الأهم فى اجمالى الدعم ، حيت وصل اجمالى ما أنفق على دعم المحروقات خلال السبع سنوات الماضية ما مجموعه 38.0 مليار دولار اى ما نسبته 70% من اجمالى الدعم . اما بالنسبة لدعم السلع التموينية فقد توقف مند عام 2015 حتى تاريخه باستتناء 4.5 مليون دينار دفعت خلال عام 2015 .
11- بلغ اجمالى ما أنفق على الباب الثالت من الميزانية العامة ( التنمية ) ما مجموعه 36.656 مليار دينار خلال فترة السبع سنوات ومند عام 2011 بالمقارنة بمبلغ 29.357 مليار دينار اجمالى ما أنفق على التنمية فى عام 2010 وحدها . اى ان اجمالى ما أنفق على بند التنمية خلال الفترة 2011-2017 كان فى حدود 12.3% من اجمالى الإنفاق العام خلال الفترة وتم توجيه جل الإنفاق لتغطية المصروفات الجارية والتسيرية . وينحصر ماتم صرفه على بند التنمية في منح الطلبة الدارسين فى الخارج وما يخصص للمؤسسة الوطنية للنفط والشركة العامة للكهرباء .
12- بلغ اجمالى ما تم تمويله بالعجز خلال الفترة 85.6 مليار دينا ر ، اى ما نسبته 28.8% من اجمالى الإنفاق العام الذي قامت بصرفه مختلف الحكومات التى مارست مهامها فى طرابلس خلال الفترة 2011-2017، حيت شهدت الميزانية العامة للدولة عجزا مستمرا خلال تلك الفترة باستثناء عام 2012 التي بلغت فيها الإيرادات النفطية ما يعادل 66.9 مليار دينار عندما وصل سعر البرميل 109.4 دولار ، وبلغ معدل انتاج النفط 1.5 مليون برميل يوميا . وقد بلغ الدين العام الذى رتبته الحكومة الموءقتة فى شرق البلاد خلال الفترة 2015 – 2017 ما مجموعه 24.8 مليار دينار سددجزءمنه خلال العام 2017 .
13- شهد معدل انتاج النفط وتصدير ه انخفاضا حاداً على اتر أزمة الهلال النفطى عام 2014 حيت انخفض معدل الانتاج من 1.5 مليون برميل يوميا فى عام 2012 الى 500 الف برميل يوميا فى عام 2014 وبنسبة إنخفاض بلغت 66% ، وانخفضت على اترها صادرات النفط من 1.3 مليون برميل فى اليوم الى 300 الف برميل يوميا خلال السنوات 2014 ، 2015 ، 2016 . وفى عام 2017 تحسنت الصادرات النفطية الى 660 الف برميل يوميا. ويمتل الانخفاض فى معدلات انتاج وتصدير النفط خلال السنوات الماضية الصدمة الاولى التى تعرض لها الاقتصاد الليبي.
14- تراجعت أسعار النفط تراجعاً ملحوظاً مند عام 2013 ، حيت انخفضت من 105.8 دولار للبرميل فى عام 2013 إلى 45.0 دولار للبرميل عام 2016 وبنسبة انخفاض تقدر ب 57% تم انخفض السعر الى 52.4 دولار للبرميل فى المتوسط خلال عام 2017 ، ويمثل هذا الانخفاض فى أسعار النفط خلال الفترة 2013- 2016 الصدمة التانية التي تعرض لها الاقتصاد الليبيى .
15- بلغ اجمالى الإيرادات النفطية التى مولت الميزانية العامة للدولة و التى تحققت خلال الفترة 2011 – 2017 ما مجموعه 246.689 مليار دولار ، اى ما نسبته 83% من اجمالى الإنفاق بالميزانية العامة للدولة . وقد بلغت ايرادات النفط أدنى مستوً لها فى عام 2016 حيث لم تتجاوز 4.6 مليار دولار المعادل لمبلغ 6.7 مليار دينار .
16- يقدر متوسط الإنفاق السنوى بالنقد الاجنبى خلال الفترة 2011-2015 مبلغ 36.883 مليار دولار أتناء فترة التوسع فى الافاق ، باستتناء عام 2011 وعامى 2015 و 2016 التى انخفضت فيها ايرادات النقد الاجنبى الى 7.6 مليار و 4.8 مليار . ولو استمرت مصروفات النقد الاجنبى لمختلف الأغراض بنفس الوتيرة التى كانت عليها خلال الفترة 2011-2015 حتى نهاية عام 2017 لوصل اجمالى مصروفات النقد الاجنبى خلال الفترة الى 221.298 مليار دولار ولبلغ العجز فى هذه الإيرادات 72.3 مليار دولار ولكان هذا العجز كفيلا باستنفاد كامل الاحتياطيات الحرة لدى المصرف المركزى ( باستتناء غطاء العملة واموال المؤسسة الليبية الاستتمار لدى المصرف المركزى ) ولكان ذلك كفيلا بوصول البلاد الى مرحلة العجز التام بحلول عام 2018 ، وهي التخوفات والتخديرات التى نوهت عنها وعبرت عنها التقارير التى صدرت عن البنك الدولى وصندوق النقد الدولى وغيرها من الموءسسات المالية الدولية وبعض المحللين الوطنيين خلال عام 2016 .
17- مند عام 2015 اتبع المصرف المركزى سياسة ترشيد المصروفات بالنقد الاجنبى واضطر للرجوع الى إجراءات الرقابة على النقد واتباع اُسلوب الموازنات الممكنة للصرف بالنقد الاجنبى بهدف المحافظة على الاحتياطيات ، وضمان الاستدامة المالية للدولة ، حيت قام المصرف المركزى بتخفيض مصروفات النقد الاجنبى من 38.9 مليار دولار فى عام 2014 الى 20.9 مليار دولار فى عام 2015 تم الى 12.0 مليار فى عام 2016 وبنسبة انخفاض تقدر بحوالى 70% بالمقارنة بعام 2015 . وبالنظر الى حدة انكشاف الاقتصاد الليبيى على العالم الخارجى واعتماده على استيراد معظم السلع المستهلكة محليا والخامات اللازمة للصناعة المحلية فلم تكن المبالغ المخصصة للصرف كافية لمواجهة كامل الطلب فى السوق ، خاصة اذا أخدنا فى الاعتبار ما يتم تهريبه من سلع ومنتجات مستوردة لدول الجوار ، وغياب السياسة التجارية اللازمة لمواكبة هذه الأوضاع ، فقد تولدت فجوة بين المتاح والمعروض من النقد الاجنبى والطلب عليه ، وكان لهذه السياسة ثمن وكانت النتيجة تدهور سعر صرف الدينار الليبيى فى السوق الموازية والتذبذب فى تدفق السلع المستوردة للسوق الليبية ولجوء الموردون للسوق الموازية لتوفير الكتير من السلع الاساسية وغير الاساسية مما اذى الى ارتفاع المستوى العام للاسعار وانخفاض القوة الشراءية للدينار الليبيى . وَمِمَّا زاد من حدة المشكلة عدم القدرة على استخدام اَي من أدوات السياسة النقدية المحدودة الكفيلة بإدارة السيولة والتحكم فى عرض النقود فى ظل غياب مجلس ادارة المصرف المركزى والانقسام الذى طرأ عليه . وقد ترتب عن الاجراءات التى اتخدها المصرف المركزى ، فى حدود ما يسمح به قانون المصارف ، انخفاض العجز فى ايرادات النقد الاجنبي من 23.3 مليار دولار فى عام 2014 الى 7.185 مليار فى عام 2016 ، وبنهاية عام 2017 تجاوزت ايرادات النقد الاجنبى المصروفات بحوالى مليار دولار .
18- انخفض متوسط سعر الصرف الرسمى للدينار الليبيى خلال الفترة 2011-2017 من 1.22 دينار /دولار فى عام 2011 الى 1.39دينار/دولار فى عام 2017.، اى بنسبة 13%. ويعود هذا الانخفاض فى سعر الصرف الرسمى للدينار الليبيى الى زيادة أسعار اهم العملات الأجنبية القابلة للتحويل المكونة لسلة العملات التى تحدد القيمة التعادلية للدينار الليبيي ، ولم يصاحب هذا الانخفاض فى سعر الصرف أية زيادة مهمة فى الصادرات الليبية غير النفطية المحدودة ، بل ان قيمة هذه الصادرات تراجعت بشكل ملحوظ مند عام 2014 .، بعد ان كانت تقدر بحوالى 1.4مليار دولار فى عام 2010 .
19- انخفض سعر صرف الدينار الليبيى فى السوق السوداء للعملات الأجنبية من 1.60دينار/دولار ،فى المتوسط ، فى عام 2011 الى 1.72دينار /دولار فى المتوسط فى عام 2014 تم الى 3.10 دينار/دولار فى المتوسط خلال عام 2015 حتى وصل الى 7.91 دينار /دولار فى المتوسط خلال عام 2017 ، فكانت السنوات 2015 و 2016 و 2017 هى السنوات الأسوأ بالنسبة لسعر صرف الدينار الليبيى فى السوق الموازية حيت تجاوزت نسبة الارتفاع فى سعر الدولار فى السوق الموازية 450% خلال عام 2017 , وهى نفس السنوات التى ظهر فيها اختلال فى المالية العامة للدولة واستفحلت خلالها أزمة السيولة وعجز ميزان المدفوعات خصوصا خلال عامى 2015و 2016.
20- تطور وضع ميزان المدفوعات من عجز يقدر بمبلغ 6.8 مليار دولار فى عام 2013 اى مناسبته 8.5% من الناتج المحلى الإجمالى الى فائض بحولى 3.0 مليار دولار فى عام 2017 ، وكان ميزان المدفوعات يشهد عجزا مستمرا طوال الفترة 2013-2016 حيث وصل العجز أقصى حد له فى عام 2014 عندما بلغ 21.579 مليار دولار وهي السنة التى حقق فيها الميزان التجارى عجزا ً يقدر ب 11.11 مليار دولار لأول مرة مند عام 2010 . وقد بلغت نسبة العجز فى ميزان المدفوعات الى الناتج المحلى الإجمالى 50.1% فى سنة 2016 .
21- تطور عرض النقود ، بالمفهوم الموسع (M2 )، من 57.3 مليار دينار فى عام 2011 الى 110.0 مليار دينار فى عام 2017 , بنسبة زيادة بلغت 92% بالمقارنة بعرض النقود فى عام 2011 الذي لم يتجاوز 46.3 مليار دينار . وكان هذا النمو فى عرض النقود مدفوعا فى المقام الاول بالزيادة التى طرأت على الودائع تحت الطلب ( ودائع الأفراد والشركات والقطاع الخاص وودائع القطاع العام غير الحكومي ) التى زادت من 33.0 مليار فى عام 2011 الى 77.11 مليار فى عام 2017، وبالزيادة فى العملة فى التداول ( خارج المصارف ) التى ارتفعت من 7.6 مليار فى عام 2010 و الى 14.8 مليار فى عام 2011 لتصل الى 30.6 مليار دينار فى عام 2017 , مع ملا حظة ان العملة فى التداول لا تشمل العملة المصدرة فى البنك المركز ى بمدينة البيضاء والتى تفوق 4 مليار دولار . ولم تكن الزيادة فى عرض النقود نتيجة لسياسة نقدية توسعية انتهجها المصرف المركزى بل كانت نتيجة طبيعية للنمو المتسارع فى الإنفاق العام نتيجة لزيادة ودائع الحكومة خلال عامى 2012 و 2013 بنسبة 73% وما صاحبها من زيادة فى بند المرتبات التى وصلت 24.4 مليار فى عام 2013 عندما زادت الأصول الأجنبية للحكومة فى شكل ايرادات نفطية وصلت الى مايعادل 66.9 مليار دينار و51.7 مليار دينار عامى 2012و 2013 على التوالي . الا ان ودائع الحكومة تدهورت بشكل ملحوظ فى عام 2015 عندما وصلت الى 9.8 مليار دينار وبنسبة انخفاض بلغت 55% بالمقارنة بعام 2014 وبنسبة انخفاض بلغت 60% بالمقارنة بعام 2013 .
22 – شهد الاقتصاد الليبيى خلال هذه الفترة انكماشا حاداً ، ارتبطت خلالها معدلاته بالتطورات التى شهدتها ايرادات النفط ، فقد انخفض معدل النمو فى الناتج المحلى الإجمالى ، بالاسعار الجارية ، من 32.9% فى عام 2010 الى انكماش ( نمو سلبى ) بنسبة49% فى عام 2011 وهى السنة التى انخفض خلالها معدل الصادرات اليومية من النفط الخام بنسبة78% . وباستثناء عام 2012 فقد استمر الاقتصاد الليبيى فى حالة انكماش حتى عام 2016 ، حيت يلغ متوسط معدل الانكماش السنوى 32.8 % خلال الفترة 2013- 2016 . وكانت حالة الركود التى شهدها الاقتصاد مصحوبة بارتفاع فى معدلات التضخم ، وهو مايعرف بالركود التضخمى . فقد ارتفع معدل التضخم من 15.9% في عام 2011 الى 25.9% فى عام 2016 ويتجاوز 27% فى عام 2017 وتقدر معدلات البطالة بحوالى 30% . ولازال شبح الركود يهدد الاقتصاد ، ومعدل النمو الاقتصادى مهدداً بالتعثر وغير قابل للاستدامة مالم يعود انتاج وتصدير النفط الى معدلاته المعتادة فى حدود 1.5 مليون برميل في اليوم وتطبق الإصلاحات الاقتصادية اللازمة .
وقد بدأ ت مند العام 2014 حالة عدم التوازن المالي واضحة على مستوى الدولة وخلل فى هيكل الإنفاق العام ، تعزز خلال عامىً 2015 و 2016 مدفوعا بالانهيار فى صادرات النفط وانخفاض أسعاره وبالتوسع فى الإنفاق العام ، حيت تجاوز بند المرتبات بالميزانية العامة سقف العشرون مليار دينار سنوياً . وبرزت على السطح خلال عام 2015 بوادر أزمة سيولة بالقطاع المصرفى ، عندما زادت درجة تفضيل الاحتفاظ بالسيولة لدى الأفراد والقطاع الخاص لمختلف الأسباب . فقد زادت العملة فى التداول بنسبة 34% فيما بين عامى 2014 و 2015 وبنسبة 17.8% بين عامى 2015 و 2016 لتصل الى أكتر من 27.0 مليار فى عام 2017 . ويمكن تفسير هذه الظاهرة بالانخفاض الذى طرأ على ودائع القطاع الحكومى لدى المصارف بنسبة 55.4% في عام 2015 بسبب نقص الموارد وانخفاض الإنفاق العام ) الذى تشكل المرتبات نسبة تجاوزت ال 60% منه ) و الذى تغذيه ايرادات النفط ، الذى يشكل مصدر السيولة فى الاقتصاد ، حيت انخفض الإنفاق العام من 36.019 مليار فى عام 2015 الى 29.521 مليار فى عام 2016 ولم يتجاوز 32.6 مليار فى عام 2017 فى حين كانت ودائع القطاع الخاص ( أفراد وشركات ) لذى المصارف 44.209 مليار دولار فى عام 2016 بزيادة وقدرها 14.688 مليار دينار عن اجمالى الإنفاق العام فى تلك السنة ، وهو المبلغ الذى لم تقابله اموال قابلة للسحب نقدا ( سيولة ) لذى المصارف ، اى ان المصارف صارت تتصف بعدم القدرة على الدفع ( insolvent ) رغم احتفاظها بأرصدة كافية كودائع ضمن خصومها الإيداعية ، وصار هذا المبلغ ( مقدار الزيادة فى ودائع الأفراد والشركات عن ودائع الحكومة ) كفيلا بامتصاص أية إصدار للعملة يقوم به المصرف المركزى طالما ظلت الحكومة فى حالة عجز ، حيت كانت ودائع القطاع الحكومى لدى القطاع المصرفى لا تتجاوز 9.8 مليار دولار فى عام 2015 و 9.1 مليار فى عام 2016 و 10.2 فى عام 2017 ، وهى السنوات التى انخفضت فيها الإيرادات النفطية الى 10.6مليار دينار فى عام 2015 و 6.665 مليار دينار فى عام 2016 . وبذلك تعززت مشكلة السيولة بسبب الخلل فى المالية العامة و نتيجة لكون الاقتصاد الليبيى يعتمد على النقود فى تسوية المعاملات ( cash economy ) ومحدودية استخدام وسائل الدفع الالكترونى واستمرار عجز الميزانية العامة للدولة خلال السنوات 2015 ،2016 ، 2017 ، وهو الوضع الذى حاول المصرف المركزى الحد منه واضطره لوضع سقوف له . وبذلك يمكن القول ان أزمة السيولة هى أزمة مالية فى الاساس ناتجة عن خلل فى هيكل المالية العامة عززتها جملة من العوامل الاخرى المرتبطة باداء القطاع المصرفى ومستوى ونوعية الخدمات التى يقدمها ، ومحدودية المتاح من النقد الاجنبى لمواجهة مختلف استعمالات النقد الاجنبى لدى المصارف بما فى ذلك الاعتمادات المستندية لأغراض الاستيراد ، فصار اتجاه حركة السيولة من المصارف الى التداول عوضا عن الاحتفاظ بالسيولة فى مكانها الطبيعى وهو المصارف ، وصار للمشكلة انعكاسات نقدية نظامية ( systemic ).
ونتيجة للصدمتين اللتان تعرض لهما الاقتصاد الليبي ( صدمة انخفاض معدلات انتاج وتصدير النفط وصدمة تدنى أسعار النفط العالمية ) بالاضافة الى التوسع الكبير فى الإنفاق العام ، فقد ترتب عليهما تحقيق عجز فى الميزانية العامة للدولة وعجز فى ميزان المدفوعات فى أًن واحد وعلى النحو الذى تمت الاشارة اليه . وتعرف هذه الحالة بالفجوتين ( عجز مزدوج )عجز داخلي وعجز خارجي ، حتى ان نسبة عجز الميزانية العامة الى الناتج المحلى الإجمالى وصلت الى 97% فى عام 2016 . وبالنظر لكون الاقتصاد الليبيى اقتصاد ريعى وغير متنوع وظل يعتمد على القطاع العام ذو الإنتاجية المتدنية والذى يتصف بعدم الكفاءة والذى استمر المستخدم الوحيد للتشغيل ، وللزيادة التى طرأت على معدل المرتبات التى يدفعها مما حال دون قيام القطاع الخاص بدوره فى استيعاب نسبة من الباحتين عن العمل ، فارتفعت معدلات البطالة التى قد تتجاوز 25% من الباحتين عن العمل ، كما ارتفعت معدلات التضخم لتلامس نسبة 30% ، ونتيجة لعدم القدرة على إقرار وتطبيق السياسات الاقتصادية المناسبة للتعامل مع هذا الوضع والتأخر فى إقرار وتنفيذ اَي من السياسات والبرامج المقترحة ، لمختلف الأسباب ، فقد بدأت المشاكل والازمات تعصف بالاقتصاد ، والكتير منها قابل للتفاقم مالم يتم تدارك الموقف بايقاف الاستنزاف المالى والهدر الذى تتعرض له الموارد والحد من الفساد الذى اتي على الأخضر واليابس ، والتخلص من اقتصاد الظل الذى صار يهيمن على الاقتصاد الوطنى حيت صارت نسبته فوق 60٪ من الناتج المحلى الاجمالي ، ويمكن تحقيق هذه الطموحات فى اطار تنفيد روءية وطنية واضحة المعالم والاهداف تنفذها حكومة تكنوقراط مصغرة موحدة قادرة على تطبيق الإصلاحات الاقتصادية المقترحة التى تظمنها برنامج الإصلاح الاقتصادى والمالي والتى صارت معروفة لدى الجميع ، ومصرف مركزي موحد ، وانهاء حالة الانقسام فى الموءسسات السيادية كافة وبسط الأمن فى كافة ربوع البلاد . ولتحقيق هذا الهدف فإنني ادعوا الى حوار اقتصادى ليبيى ليبيى صريح يتم التحضير له جيداً ، يجمع كل الفرقاء القائمين على ادارة الموءسسات الاقتصادية والمالية والمصرفية وخبراء الاقتصاد والمال فى الداخل والخارج ، فى شرق البلاد وغربها ، للاجتماع حول طاولة مستديرة ، تطرح فيه كل القضايا والمشاكل التى تكبل الاقتصاد الوطنى وتقف وراء الازمات التى يعانى منها بكل تجرد ، بعيدا عن كل التجاذبات السياسية والمواقف المسبقة ، يضع المصالح العليا للبلاد فوق كل اعتبار بكل ما يتطلبه ذلك من تنازلات وتضحيات ، بهدف وضع خارطة طريق بجملة من السياسات والاجراءات العاجلة و الكفيلة بايقاف النزيف الذى تتعرض له الموارد الاقتصادية المتاحة وحلحلة الموقف الاقتصادى المتأزم ولانقاد الاقتصاد الوطنى من الانهيار . وعلى المدى المتوسط والطويل فان آفاق وامكانات وفرص تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية يشعر بها المواطن ويجني ثمارها ( مشروعات تنفد على ارض الواقع واستثمارات ذات جدوى اقتصادية تولد دخلا يدعم الميزانية العامة للدولة المرجوة ) دون الحاجة الى اللجوء للاقتراض من الموءسسات الدولية تكمن فى العمل على اعادة هيكلة الاقتصاد الليبيى الغنى بالموارد الطبيعية والذى يتضمن إعطاء دور اكبر للقطاع الخاص الوطنى الواعد ودعوة روءس الاموال الوطنية ، فى الداخل والخارج للعمل والمساهمة فى خلق فرص عمل للباحتين عنه وتنفيذ مشروعات تولد قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد وتنمي موارد الميزانية العامة السيادية غير النفطية وتوفير كل الحوافز والتسهيلات الكفيلة بتحقيق هذا الهدف . كما ندعو الى اعادة هيكلة المؤسسة الليبية للاستثمار ، بتخصيص نسبة مهمة من اصولها لصالح صندوق سيادي مستقل للاجيال القادمة على غرار تجربة النرويج ، ومن جانب اخر يتم تأسيس صندوق سيادى مستقل اخر للاستقرار المالى فى ليبيا يستثمر الجزء المتبقي من اموال المؤسسة على اسس اقتصادية صحيحة ، بحيت تلتزم ادارة الصندوق بمبادىء الإفصاح والشفافية و تستخدم فوائض نشاطه لدعم مركز الميزانية العامة للدولة والمساعدة فى المحافظة على الاستدامة المالية للدولة ويحد من اثار المخاطر النظامية التى قد يتعرض لها الاقتصاد الوطني ويحقق الاستقرار المالى . .
دكتور محمد ابوسنينة
29 ابريل 2018