القضية التي ستعرض الأن ليست قضية دولة أو حكومة أو مؤسسات منقسمة أو حتى نواب ودستور ..أنها قضية مواطن لايملك من قوت يومه سوي ماتمنحه له الدولة أو تتقاسمه معه المليشيات ، و لم توفر له فرص التعليم الجيد أوالعلاج ، وأغلقت أمام شبابه فرص العمل والحياة الرغيدة …
وإذا أغلقنا أعيننا عن التقارير والأرقام والبيانات ، لوجدنا أن التكافل والذكاء الأجتماعي هما أهم أسباب عدم تداعي هذا المجتمع الذي لجأ أغلب مواطنيه إلى التجارة والعمل الحر وحتي التهريب أو الهجرة .
الخطة الرباعية لتدمير ليبيا
مما لاشك فيه والمميز في هذه التواريخ أن مايحدث من هجوم على أبار النفط والهلال النفطي يتزامن مع مرور وقت محدد ، فمنذ عام 2011 ومحاولة السيطرة على الهلال النفطي من قبل قوات القذافي ، والتي سحقت من قبل طيران الناتو وما دار من صراع بعد ذلك بين الثوار وداعش ، حتي يأتي دور خزانات النفط التابعة لشركة البريقة والتي أصيبت بأضرار جسيمة أثر الخلاف الدائر للسيطرة على العاصمة ، والتي تسببت في خسائر مالية كبيرة وتراجع للأنتاج النفطي الليبي سنة 2014 ، ولايغيب عن تفكيرنا ماتتعرض له مصفاة الزاوية من أنتهاكات وسيطرة كاملة من قبل المليشيات المسلحة على أنتاجها .
وهذا يذكرنا بإندلاع النيران في خزان ضخم للوقود يحتوي على 6 ملايين لتر من المحروقات في العاصمة إثر إصابته بصاروخ نتيجة المعارك الأحد 27 يوليو 2014 .
وأيضا الهجوم الكبير الذي تم على مرفئ تصدير النفط “السدرة و رأس لانوف” في نفس الفترة والتي أعلنت فيه المؤسسة الوطنية للنفط عن أيقاف العمل فيهما ، مما تسبب في تراجع أنتاج النفط إلى نحو 350 ألف برميل يوميا ، مقابل 800 ألف برميل قبل إندلاع الازمة.
وخلال السنوات الأربع الاخيره من 2014 إلى 2018 ، تعرضت الموانيء النفطية والهلال النفطي خاصة إلى العديد من الهجمات والانتهاكات والاعتصامات والتي سببت في أنخفاض مستوي تصدير النفط ، رغم أن ليبيا تحصلت على الترتيب الأول في شهر يناير في قائمة الدول المصدرة للنفط أوبك كأكثر الدول أنتاجا رغم الظروف القاهرة ، والتى كان أخرها الأسبوع الماضي بقيادة ابراهيم الجضران.
فمنذ أن أطلق الجضران في 14 يونيو الماضي ما أسماه “عملية عسكرية” في مرافئ الهلال النفطي “السدرة ورأس لانوف”، انطلقت معها فاتورة تكاليف باهضة جراء هذه الأعمال والتى ستضاف إلى فواتير العجز الحكومي والفساد المستشري لتكتمل أركانها بحرق وتدمير مقدرات الوطن.
والتي بلغت في مجملها خسارة مالية قدرت بــــ 150 مليون دولار في أربعة أيام ، حيث أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط عن خسارة ما يقرب من 30 مليون دولار يوميا جراء وقف التصدير.
تهريب البشر والوقود
وعبر كل هذه الاحداث والانتهاكات لازالت ليبيا تقاوم لتطعم ذلك المواطن البسيط الذي لايعلم من هذه الأرقام والحسابات سوى ماتعلن عنه المؤسسة الوطنية للنفط أو الحكومات المنقسمة ، ولانريد الخوض في الحديث عن الأموال المجمدة بالخارج والتي تستفرد بأعلاناتها مؤسسات الصناديق السيادية في الشرق أو الغرب ..
وبإنقسام القرارات بين الشرق والغرب نزح بعض مواطنين هذه الدولة الغنية إلى الشواطي عبر قوارب الموت بحتاً عن الدواء والعلاج أو المال أو الجنسية الأوروبية…
ولم يعد الليبي يشعر بالأمان أو يرغب في تصديق هذه الوعود المتكررة ، فلجأ البعض إلى طرق غير شرعية للحصول على مايظنون أنه حق مكتسب فأصبحت ليبيا ملجأ ومعسكر كبير للاجئين من كل الدول التي مزقتها الحروب والمجاعه ، كما أصبح الليبي متصدر لقوائم مهربي البشر والوقود والتي صدرت مؤخرا عن مجلس الأمن ضد شركات وأفراد من داخل وخارج ليبيا ضمن شبكة تهريب عالمية.
فلم يعد هناك مايعطي الأمل في أن تقوم حكومة أحدي هاتين المدينتين بنغازي أو طرابلس بحل للأزمة ، فالغراب الذي يترصد تحركاتهما نحو الأصلاح وينعق بالخراب لايزال يحلق فوق رؤسنا ليلتقط ماتجود به قرارات المصرف المركزي الغير مدروسة أو الخيالية والتي أعطت وعود كثيرة ومملة ، وأخرها كان يوم 5 يونيو برعاية الأمم المتحدة والتي أعلن فيها نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ، فتحي المجبري عن التوصل لحزمة من الإصلاحات الاقتصادية مع محافظ مصرف ليبيا المركزي بطرابلس ، الصديق الكبير.
إصلاح بند المحروقات وإزالة التشوه في أسعار المحروقات
من بين هذه الإصلاحات التي تعهد بها كلا من الكبير والمجبري والتي تمت من خلال أجتماعات ومراسلات وبدل سفر وفنادق لكل من حضر أو كان متواجد خلال أسبوع الحوار الاقتصادي الليبي ، والذي وصفه الصديق الكبير أنه خطوة في الاتجاه الصحيح.
والذي تمت فيه مناقشة بعض القرارات التي كانت في طريقها للتنفيذ ، منها زيادة مخصصات أرباب الأسر السنوية من النقد الأجنبي ، وإعادة تفعيل علاوة العائلة، وإصلاح بند المحروقات وإزالة التشوه في أسعار المحروقات، إضافة إلى معالجة التشوه في سعر صرف العملات الأجنبية في السوق الموازية إلى غاية الوصول لتحرير سعر الصرف ، ولكن هذه الاصلاحات أصدمت بالخطة الرباعية التي أعادت الجضران للحياة وبقدره قادر نقلت الهلال النفطي بعد مهاجمته تحت سيطرة الحكومة الليبية المؤقتة في الشرق ..
وأستفاق المواطن بعد عطلة عيد الفطر المبارك من نومه ليجد قصة ألف ليلة وليلة قد أنتهت بتصريحات سياسية وأدانه من المجتمع الدولي ، وأرتفاع لأسعار المواد الغذائية وقفل المخابز .
هل بالأمكان أن يفى الكبير بوعده وينفذ الإصلاحات الاقتصادية حسب الخطة ؟
للأجابة على هذا السؤال يجب أن نعرج على ماتم من سياسات أقتصادية للجارتين تونس ومصر خلال الأسبوع الماضي …
فمن خلال الإطلاع على مايحدث من إنتهاكات في الحدود التونسية الليبية من تهريب للبضائع والوقود ، نجد أن مشتقات البنزين والمحروقات في ليبيا سهلة التصدير ولاتخضع لأى نوع من الرقابة ، وأنه من الممكن تهريبها إلى الجوار وإلى أروبا ، إما بطريقة شرعية أو غير شرعية لافرق طالما أن ليبيا تعتبر من الدول التي تمتلك أكبر أحتياطي نفطي .
وأن التفكير في رفع سعر لتر البنزين ، والذي ربما يعتقد البعض أنه يخدم قضية التهريب ويسبب في القضاء عليها ، قد يصطدم ببعض الحقائق ، ولكن ماذا بشان المواطن الليبي الذي يحتاج إلى الكاش ويقف الطوابير للحصول على مرتبه ويقف الطوابير أيضا للحصول على لتر بنزين .
وهنا نتسأل لماذا يضغظ صندوق النقد الدولى أو المقرضين الدوليين على تونس أو مصر لرفع أسعار البنزين ، أم هي سياسة عالمية جديدة ويجب أن تمر بها كل الدول .
حيث أعلنت تونس مؤخرا عن رفع سعر البنزين إلى 4% وللمره الثالثة على التوالي ، وأعلنت وزارة الطاقة التونسية يوم 23 يونيو أدخال تعديلات في سعر البنزين بزيادة 75 مليم .
كما أعلنت مصر وفي نفس الفترة يوم 16 يونيو عن زيادة أسعار البنزين بكل أنواعه ، مما تسبب في موجه من إرتفاع أسعار النقل والتاكسي بزيادة 25 إلى 50 % على الفاتورة .
وكان هذا له التأثير السلبي على نقل البضائع والمنتجات عبر الحدود إلى ليبيا ، مما سبب في غلاء أسعار بعض المواد الغذائية مثل الزيت والدقيق وأيضا سبب في مشاكل أدت أحداها إلى أعتصام لمشغلي المخابز .
ماهو صدى الشارع على مثل هذه القرارات التي ربما لم يتم دراستها وأعطاء الوقت الكافي لألية تنفيذها ، وخصوصا أن ليبيا لاتخضع إلى قوانين صندوق النقد الدولى أو المقرضين؟
قامت صدى بتجميع عينات عشوائية من تعليقات نشرت على الحسابات الشخصية على الفيس بوك، منها لبعض الشخصيات الاعتبارية في الدولة ومنها لمواطنين من خارج المنظومة الاقتصادية .
حيث قال حافظ الغويل أن رفع الدعم الأن في ليبيا في هذه الظروف وبهذه الطريقة سيكون مصيبة على غالبية الليبين .
بينما أطلق مختار الجديد وعبر صفحته هاشتاق # ماتلعبوش _ بالبنزينة _ راهي _ تولع _ فيكم
وقال عبدالباقي فليفلة أحد موظفي ديوان المحاسبة الليبي ” إن القائمين على برنامج رفع الدعم عن الوقود لهم مخصصات بدل وقود من الدولة “
بينما أستدرك أحد المواطنين في محاولة لفهم مايحدث القرارات الجديدة وكتب :
“لا لإلغاء الدعم ،ولابد من تحقيق العدالة وأستبداله نقداً “
الدكتور موسي قريفه كان له رأي أيضاً حيث قال ” أن أى تطبيق للأصلاحات الاقتصادية الجديدة أو رفع الدعم سيكون نوعاً من العبث السياسي والاقتصادي وزيادة في تعقيد الأزمة “
فهل ستشهد ليبيا تحرك لطوائف المجتمع المختلفة لوقف هذه الاصلاحات التي ربما لاتخدم المواطن في شي وستزيد الامر تعقيدا خصوصا أن لتر البنزين في تونس الان يعادل 5 دينار ليبي .