Skip to main content
طلوبة : ينبغي ألا يستغل المركزي ولا الحكومة إيرادات الرسوم على بيع العملة الأجنبية
|

طلوبة : ينبغي ألا يستغل المركزي ولا الحكومة إيرادات الرسوم على بيع العملة الأجنبية

كتب : عبد اللطيف طلوبة

يتردد هذه الأيام أن المركزي قد يتخذ إجراءات إصلاحية تستهدف معالجة عدد من التشوهات في الاقتصاد الوطني، ومع أنه لا يتوقع لأية إجراءات ينفرد بها المركزي أن تكون فعالة ما لم يصاحبها ما يعززها من إجراءات حكومية، إلا أنه لابد من الوقوف على الاقل عند ما تم الإعلان عنه حتى الآن رغم غموضه وتضارب الإشاعات حوله، وهو ما يزيد من صعوبة تقييمه.

ولذا فسنتحدث هنا عن سعر صرف الدينار الذي هو أهم ما تستهدفه هذه الإجراءات، وقبل الخوض في ماهية وآثار هذا الإجراء المحتملة، ينبغي التنويه على أن السعر الحالي للدينار الليبي لم يعد متوافقا مع متطلبات وإمكانيات الاقتصاد الليبي لأسباب قد لا يتسع المجال لذكرها، وأنه قد آن الأوان للتفكير بل واتخاذ إجراءات نحو تعديل قيمته ولو كان هذا قاسيا في هذه الظروف، لأن التأخر في ذلك سيحمل البلاد والمواطن تبعات أكثر قسوة.

هناك احتمالان أمام المركزي للتأثير في سعر الدينار، أولهما وهو تعديل سعر الصرف الرسمي وهو اختصاص أصيل للمركزي، لكنه عادة غير محبذ لأنه سيؤثر في كل مناحي الحياة، ويعطي انطباعا غير مرغوب بتناقص قيمة العملة خاصة أمام المؤسسات الدولية، إضافة إلى أنه قرار لا يستحسن التراجع عنه فيما لو تغيرت الأوضاع.

أما الاحتمال الثاني وهو الأقرب حاليا، فهو فرض رسوم إضافية على بيع العملة الصعبة، مما يخفض من قيمتها، وهذا الإجراء يضمن للمركزي خط الرجعة، بدلا من تعديل سعر العملة رسميا، كما أنه سيوفر فائضا جيدا من العملة المحلية في شكل رسوم يمكن استخدامها لسد عجر ما.

من حيث التأثير على الأسعار فإن الإجراءيْن متساويان تقريبا، وسترتفع أسعار السلع المستوردة بسعر الصرف الرسمي السابق، بينما يتوقع أن تتناقص أسعار السلع المستوردة والمسعرة بالسعر الموازي، أما المحصلة فإنها قد لا تكون واضحة الآن، لأن هذا يعتمد على كمية وأهمية كلا من الصنفين، فإن كان ما يتم استيراده وتسعيره بالسعر الرسمي للدينار أكثر وأهمّ، فإن الإجراء سيؤدي إلى رفع مستوى الأسعار، أما إن كان ما يتم توريده بسعر السوق الموازي أكثر أهمية وأكثر قيمة فإن الإجراء المتوقع سيؤدي إلى خفض مستوى الأسعار.

لكن ما أود التنبيه إليه هنا وهو ما لا يهتم له كثيرون في خضم النقاشات، هو الأثر على إيرادات الحكومة والمركزي، حيث أن الإجراء المتوقع سيضاعف من إيرادات كلا الجهتين أو إحداهما، اعتمادا على نوع القرار المتخذ، فإن تجرأ المركزي على تعديل سعر الصرف وهو كما أسلفنا أمر غير متوقع حاليا، فإن إيرادات بيع العملة الأجنبية ستتضاعف لكنها ستؤول للمركزي في شكل عملة معادة من السوق، وهو ما يسمح له بالتأثير مباشرة في عرض النقود بتخفيضه، وهو إجراء مستحسن لكبح جماح التضخم الحالي.

أما إذا كان القرار في شكل فرض رسوم على بيع العملة فإن المركزي لن يستفيد من فرق السعر وستكون الفروقات من حق الجهة التي شرعت الرسوم، وليس من الواضح الآن من سيكون له الحق في هذه الرسوم، فإذا كانت الحكومة فإنه سيتاح لها مبالغ إضافية للإنفاق وهو ما يؤذن بخطورة تنامي الإنفاق العام مرة أخرى، مما سيلغي الأثر السابق بانخفاض الأسعار، لأن ما تنفقه الحكومة يساهم ولاشك في رفع مستوى التضخم، لذا فإنه من المفضل حاليا ألا تستخدم الحكومة ولا المركزي هذا الفائض، ولا يتم إعادته إلى السوق في أي شكل كان إلا في أضيق نطاق، أيضا نأمل ألا يستغل المركزي هذا الفائض إن اتيح له ليحتسبه أرباحا عن نشاطه العام ليغطي سوء الإدارة أو ارتفاع نفقات التشغيل لديه، لأنه حقيقة ربح وهمي ولا يعبر عن جدارة إدارية.

خلاصة القول هناك ثلاث أمور نتمنى أن تتحقق من أي إجراء يتخذ وهي : أولا؛ تخفيض عرض النقد (العملة المتداولة لدى الجمهور) لكبح جماح التضخم، ثانيا؛ تقليص الفرق بين سعر السوق الموازي وسعر الرسمي للدينار الليبي لتخفيف حدة المضاربة بالعملة وكذلك تخفيف حدة التهريب للبضائع الموردة، ثالثا؛ تقليص الطلب الاستهلاكي وتخفيض الواردات وترشيد الاستهلاك عموما.

بقي أن ننوه إلى أنه ما لم يعلن المركزي صراحة عن نيته في متابعة استقرار العملة وأنه قد يتخذ إجراءات تالية لدعم الدينار، مثلما حصل في فترة 1999-2003، فإنه قد لا يكفي هذا الإجراء وحده لدعم الدينار لمدة طويلة، لأن المضاربات عملية مستمرة ولابد لمواجهة آثارها من سياسات مستمرة ومتكيفة معها، وإلا فلن يصمد الدينار طويلا أمام ضغط الطلب والعرض.

إنها خطوة على الطريق حتى لو لم تؤتِ كل ثمارها عاجلا، لكنها مفيدة لفهم آلية طلب وعرض العملة في البلاد، والتعامل معها بإجراءات أكثر حكمة وموضوعية فيما يستقبل من أيام.

مشاركة الخبر