Skip to main content
أبو سنينة : الاعتماد على النفط هو الذي يهدد الحياة في ليبيا
|

أبو سنينة : الاعتماد على النفط هو الذي يهدد الحياة في ليبيا

نقلت لكم صحيفة صدى الاقتصادية مقالاً للدكتور ” محمد أبوسنينة” المستشار الاقتصادي لمحافظ مصرف ليبيا المركزي تحدث من خلاله عن النفط الخام والغاز والاقتصاد الليبي.

وقد نشر بوسنينة خلال الأيام الماضية الجزء الاول من هذا المقال، وقد نقلته لكم صحيفة صدى، واليوم ننقل لكم الجزء الثاني من المقال المتحدث عن النفط والاقتصاد.

بدأ أبوسنينة مقاله معرجا على ما تناوله الجزء الأول من هذا المقال، فقال “حاولت فى الجزء الاول من هذا الأدراج  توصيل فكرة تصب في اتجاه ضرورة تحرير الاقتصاد الليبيي من هيمنة قطاع النفط والغاز ، بعدما اصاب الاقتصاد من أعراض المرض الهولندي ، وما تعارف عليه في الأدب الاقتصادي بلعنة الموارد الطبيعية .

وتابع أبو سنينة مطالباً” ومن خلال هذا المنبر ندعو الى تحييد مورد النفط من دائرة الصراع الذى يجرى اليوم . فالصراع حول ايرادات النفط اليوم هو صراع حقيقي اما بدعوى المحافظة على هذا المورد والدفاع عنه او بدافع الحصول على حصة عادلة منه بالنسبة للبعض او الاستحواد على اكبر نصيب منه لدى البعض الاخر . فإذا كان النفط وإيرادات النفط هو محور الصراع ومحله فان انقاد الوطن من مغبة الحروب والانقسام والتشظى يكمن فى تحييده ، بعد ان فشلت كل الجهود في تحقيق الاستفادة القصوى منه وانهاء الصراع حوله” .

ثم طرح أبو سنينة تساؤلا عن إمكانية تحييد النفط وسرد جوابه حيث قال” والسؤال الذى يطرح فى هذا السياق ، هل يمكن تحييد النفط ، وهو المورد الوحيد الذي يغدى الميزانية العامة للدولة والمصدر الوحيد للنقد الاجنبي فى ليبيا على مدى العقود الستة الماضية ؟  هناك من لا يتصور استمرار الحياة في ليبيا بدون النفط ! ونحن نقول ان الصراع حول النفط ، وأنماط استغلال موارده، وتكريس الاعتماد عليه ، هو الذى يهدد الحياة فى ليبيا ، بل انه يهد  كيان الدولة ومستقبلها ووحدة ترابها . ويجد من يتربص بالوطن  مدخلا مناسبا فى هذا الصراع للنيل منه او تطويع الإوضاع به لخدمة مصالحه . وفى هذا تتداخل مجموعة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية ( الإقليمية والدولية ) التي لايتسع المقال للخوض فيها”.

ثم تابع أبو سنينة متحدثا عن تجارب لدول أخرى حيث قال” ولننظر من حولنا ، دول كتيرة شقت طريقها نحو التنمية المستدامة لا تملك نفطاً ولا غازاً ، وهناك دول اخرى استطاعت ان تستثمر موارد اخرى وأوضاعها مستقرة بالإرادة والإدارة . النفط ليس شرطا ضروريا ولا كافياً لقيام الدولة وبقاءها ضمن منظومة الدول فى القرن الواحد والعشرين . والدول النفطية التى عرفت كيف تستثمر  ايراداتها النفطية ، وتتمتع بقدر كبير من الاستقرار والرفاه ، مثل النرويج ، تقدم مثالا يحتدى فى كيفية تحقيق الاستغلال الأمثل لمواردها وتحقيق الرفاه الاقتصادى لمواطنيها  ومراعاة حق الأجيال القادمة بها في هذا المورد الناضب” .

  ثم تحدث أبو سنينة عن الأزمة الليبية قائلاً” فى تقديرنا ان ما يطرح اليوم من حلول للازمة الليبية من خلال البحث في آلية للتوزيع المتساوي لإيرادات النفط ، فى غياب ميثاق او اتفاق للتعايش المشترك بين الليبيين ، وروءية لكيفية تحقيق التنمية المستدامة والتخلص من هيمنة النفط على الاقتصاد ، لا يعدو كونه دعوة الى هدر ماتبقى من هذا المورد ، رغم ما تظهره هذه الدعوة من جاذبية وبريق سياسي حال ما تتبدد امام المعطيات التي تحكم هذا المورد الناضب الذى يخسر سوقه يوميا امام مصادر الطاقة البديلة ، من منظور بناء الدولة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة” .

وأضاف أن” هذه الرؤية لا تعني ، باي حال من الاحوال ، ان أنماط واساليب استغلال ايرادات النفط اليوم تعتبر أنماطا كفوءة او مقبولة بكل المقاييس، فالهدر فى تخصيص هذه الإيرادات واضح ، وعدم تكافوء الفرص  نتيجة للظروف التى تمر بها البلاد ، او مطاهر ما يعرف باقتصاد الحرب ، ينخر  الاقتصاد الوطنى  ويهدد مستقبله ، وهي التي تقف وراء الصراعات والانقسام اليوم ، وهو ما دعانا الى تبني هذه وجهة النظر ، والدعوة الى تحييد هذا المورد” .

ثم تحدث عن متطلبات الخروج من هذه الازمة حيث قال” وفي تقديرنا أيضا ان الخروج من المأزق الذي يمر به الوطن يتطلب صياغة عقد اجتماعى بين الليبيين لكيفية العيش المشترك فيما بينهم ، والحفاظ على كيان الدولة من خلال ايجاد نظام للحكم المحلي ، واللامركزية ، ووضع روءية للتخلص التدريجي من هيمنة النفط على الاقتصاد والبدء في اعادة هيكلة الاقتصاد ضمن منظور زمنى فى حدود عشرة سنوات ، لا ندعي انها كافية للتخلص من هيمنة النفط وإيجاد بدائل للدخل عنه ، ولكن من خلال تخصيص ايرادات النفط ، خلال الفترة ، تخصيصاً امثلاً وعادلاً  ، يمكن ان يفضي الى البدء في تطوير مصادر بديلة لدخل النفط ، لصالح الجميع ، عوضا عن التوزيع او التقسيم المتساوي لهذه الإيرادات المحدودة”  .

وتابع أبو سنينة” على الليبيين التخلص من الثقافة الريعية وما صاحبها من سلوكيات وأنماط استهلاك قضت على الحافز للعمل والإنتاج وأوجدت مجتمعا نفعيا اتكالياً لا يرى غير الحصول على اكبر نصيب من ربع النفط بصرف النظر عن كيفية الحصول عليه” .

ثم تحدث أبو سنينة عن الخلط بين المفاهيم في هذا السياق حيث قال” ونود ان ننبه الى الخلط في المفاهيم والاستخدام غير المناسب للمصطلحات الشايع اليوم . اذ ان هناك فرق بين مفهوم العدالة ( justice ) ومفهوم المساوة ( equality ) من جهة ، ومفهوم التوزيع ( distribution ) ومفهوم التخصيص ( allocation) ، من جهة اخرى، فالعدالة والمساواة تعتبر مفاهيم لها دلالات اجتماعية ومدنية وقانونية ، فالعدالة تعنى ان جميع أفراد المجتمع متساوون ،بغض النظر عن اختلافاتهم الظاهرة وعاداتهم واللغة التى يتحدتون ، وبغض النظر عن انتماءاتهم الدينية وأصولهم العرقية او  النشاطات التي يمارسونها . وتفترض المساوة كمفهوم ، ان الجميع ينطلقون من بداية واحدة او نقطة انطلاق واحدة ، تم ينطر في اوضاعهم اللاحقة للتعرف على مدى تعرض اَي منهم لاوضاع تتصف بعدم المساوة نتيجة لمحاباة او تحييد ( bigotry )، بحيت أصبحت اوضاع بعضهم افضل او أسوا  مما كانت عليه مقارنة بالآخرين” .

واختتم أبو سنينة مقاله قائلا” عدم المساوة او تولد الفوارق الشاسعة وما يتولد عنها من مشاكل ، يعالج من خلال سياسات وأدوات اعادة التوزيع ، اما الاستفادة من الموارد النادرة فيتحقق من خلال الاستخدام الأمثل ( التخصيص ) لهذه الموارد . ولمن يعتقد ان أنماط استغلال ايرادات النفط اليوم هي افضل ما يمكن ان تكون عليه سوف نتناول فى الجزء الثالت من هذا الأدراج بعض من أوجه استغلال الإيرادات النفطية وما افضت اليه من نتائج كان ينبغى تفاديها ، او ما نسميه الفرص الضايعة ، من منظور اقتصادي ، وكيف يمكن معاودة النظر فى أساليب تخصيص ايرادات النفط ؟” .

مشاركة الخبر