Skip to main content
بن قدارة: مركزية السلطات هي السبب الرئيسي للصراع في ليبيا
|

بن قدارة: مركزية السلطات هي السبب الرئيسي للصراع في ليبيا

كتب: فرحات بن قدارة – المحافظ السابق لمصرف ليبيا المركزي

هذا ملخص لورقة كنت قد أعددتها تتناول السبب الرئيسي للصراع السياسي في ليبيا وهو مركزية السلطات، وناقشتُ في الورقة البدائل المتاحة للحل و أنجعها.

هناك قول أمريكي مشهور سأحاول ترجمته مع الحفاظ علي المعني يقول:

الحقيقة ليست حول الأكاذيب التي نخبر بها الآخرين، بل هي في الأكاذيب التي نقنع بها انفسنا، بمعني آخر إذا كذب عليك الآخرون فالزمن سيكشف لك زيفهم، أما إذا كذبتْ عليك نفسك فلن تكتشف ذلك إلا بعد سقوطك، وأكثر من يقع في هذا الفخ القاتل هم الساسة.

لذلك فإن البداية يجب أن تكون بمصارحة أنفسنا، وأول خطوة في حل الأزمة هي تشخيص المرض قبل توصيف العلاج.

في تقييمي الشخصي وضع الفوضى وتشتت القوى الأمنية و السياسية يضعنا أمام خيارين، إما تفتيت المركز أو التوحيد بفعل قوي على المستوى العسكري و االسياسي.

ولاشك بأن تفتيت المركز بشكل غير منظم ومؤطر، ينطوي علي مخاطر جمّة، لعل أهمها التقسيم، بل قد يكون التشظي ومزيدا من الفوضى، بل ربما يقود إلى صراعات تتحول إلى استقطاب عنيف و حروب أهلية.

بالمقابل أيضا؛ فإن تضخيم المركز سيقود إلى صراع عميق و مستديم حول السلطة والمال، وينتج عنه أيضا مزيدا من الفوضى وهدر الموارد والارتهان للخارج بأبعاده السياسية والاقتصادية.

لذلك فإن أسلم الحلول هو نظام لا مركزي دستوري، يفصل بشكل قانوني وجليّ بين مستويين من الحكم والإدارة والسلطات ..

المستوي السيادي؛ ويجمع فيه السلطات المتعلقة بالنواحي السيادية مثل السياسة الخارجية والأمن القومي والجيش والتخطيط والمالية والبنك المركزي ومؤسسات القضاء وجهات إنفاد القانون على المستوى القومي والهيئات الموكل لها إصدار القوانين وإدارة الموارد القومية مثل النفط والغاز والاستثمارات الخارجية والمياه وغيرها من الموارد الطبيعية في باطن الأرض أو فوقها، ويمكن أن تكوٌن عدد من الهيئات ذات الدور الرقابي والتنظيمي وتختص بإصدار اللوائح المنظمة لبعض أنواع الخدمات ذات الاهمية النسبية مثل التعليم والصحة، وينحصر دورها في مراقبة امتثال المؤسسات التي يرخص لها بتقديم هذه الخدمات لهذه اللوائح وضمان جودة أدائها.

أما المستوي المحلي فيتولى كل ما هو ليس سيادي في نطاق إقليمه الجغرافي، وطبقا لذلك يختص بالتنظيم والإدارة والاشراف على كافة القطاعات داخل الإقليم، ويجوز له إصدار ما يلزم من لوائح وقرارات شريطة ألا تتعارض مع التشريعات السيادية النافذة، وفي حال تعارضها فالسيادي يقيد المحلي.

و يجوز للمستوي المحلي استقطاب الاستثمارات الأجنبية والمحلية وخلق المناخ الاقتصادي الملائم للنمو والتوظيف.

والمستوي المحلي هو المسؤول عن الانفاق علي البنية التحتية وتحسين جودة الخدمات العامة، وله إصدار القرارات المنظمة لتدبير الإيرادات وطرق جبايتها بما لا يتعارض مع القوانين السيادية.

والإدارة المحلية هي المسؤولة عن تعيين ومحاسبة وعزل الكوادر الإدارية في نطاقها الجغرافي.

ويمكن أن يكون المستوى المحلي في شكل أقاليم أو مناطق أو محافظات، وتقسم إلى عدد من البلديات والفروع البلدية، وينظم القانون المعايير الديموغرافية والاقتصادية التي ينشأ بناءً عليها المستويات المحلية ومكوناتها.

اعتقد أن هذه الصيغة من التنظيم السياسي تحقق الأهداف الآتية:

1- الحد من الصراع علي المركز.
2- إطلاق العنان للتجمعات المناطقية للمنافسة في النمو وجذب الاستثمارات.
3- رفع كفاءة أداء الإدارة الحكومية والحد من البيروقراطية وتخفيف الأعباء المالية و الإدارية للسلطة المركزية.

أهم التحديات التي تواجه هذه الصيغة التوافق علي عدد المستويات المحلية ومكوناتها وصيغة مناسبة لتقاسم الثروة القومية.

القواعد الحاكمة والتي يتم التوافق حولها مثل نظام الحكم والفصل الجغرافي والوظيفي بين السلطات هي جوهر الهيكل الإداري للدولة وهي أساس لأي دستور توافقي.

وأول حقيقة علينا إدراكها بعد هذا الكمّ من الإخفاق أنه لا يمكن لأي حلول سياسية أن تصلح لأن تكون أساساً لاستقرار سياسي واقتصادي ما لم تُبنى على التوافق لا المغالبة، وعلى الاحتواء لا الاقصاء.

مشاركة الخبر